شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الذخائر الدينية في الكنائس والمساجد... ما هو

الذخائر الدينية في الكنائس والمساجد... ما هو "حقيقي" و"مزوّر"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 7 مارس 202112:29 م


إن تقديس الآثار الدينية ليس اختصاصاً مسيحياً على وجه التحديد، بل يبدو أن قلّة قليلة من الأديان لم تعرف ظاهرة عبادة آثار الشخصيات المقدسة، تتبع آثار أقدامهم وحتى نهايات فضلاتهم.

فقد احتاج الإنسان إلى مواجهة مخاوفه، والحصول على الطمأنينة والتوسط لدى الرب ولا شيء يمكن أن يكون أكثر طمأنينة من شيء مادي له اتصال مباشر بطريقة أو بأخرى، بالعالم العلوي، قال القديس باسيليوس: "كل من لمس عظام القديسين شارك في قداسة النعمة التي تقيم هناك".

الاتساع الكبير للآثار المسيحية ارتبط بالعديد من الأشياء، خصوصاً نتيجة فترة التبشير الطويلة، الاضطهاد والتعذيب اللذين تعرّض لهما المسيحيون الأوائل، جعلت آثارهم وبقاياهم أكثر عدداً وتنوعاً، بعضها ارتبط بيسوع مباشرة وبعضها بالقديسين والشهداء: أجزاء من أجسادهم، أشياء استخدموها أو أشياء استخدمتهم أو لامستهم صدفة، كأدوات التعذيب مثلاً، وربما هي الديانة الوحيدة في العالم التي تمجّد أداة إعدام الرب.

وبالتأكيد، عبر ألفي سنة لا يجدر بأن تكون كل الآثار حقيقة، كما سيعرف لاحقاً علماء الآثار، لكن لا نستطيع أن ننفي قدرتها الشافية طالما هناك من يؤمن بها.

يعد تقديس الآثار الدينية ظاهرةً موجودة في معظم الأديان، وهي وسيلة الإنسان لمواجهة مخاوفه والتوسط لدى الرب عبر أشياء مادية يعتقد أنها تصله بالعالم العلوي

لنستعرض بعض الآثار المسيحية التي أثبت زيفها، قبل أن ننتقل إلى الإسلامية منها.

بعد ستة قرون على اعتباره من الآثار المقدسة، أثبت اختبار الكربون المشع أن "كفن المسيح"، أو ما يدعى بكفن "تورينو"، نسبة إلى المدينة الإيطالية التي تحتفظ به، هو نسخة مزورة من العصور الوسطى. الكفن، قطعة من الكتان يبلغ طولها حوالي أربعة أمتار وعرضها متر تقريباً، تحيطه علامات احتراق، تتوسطها صورة بالطول الكامل لرجل عار وملتحٍ ويغطي أعضاءه بيديه.

إضافة إلى الاختبارات العلمية التي أثبتت أن عمر النسيج 800 سنة، تروّج بعض النظريات إلى أنه إما من عمل رسام من عصر النهضة يدعى "جيوتو" أو المحاولة الأولى للتصوير الضوئي في التاريخ من قبل ليوناردو دافينشي. ومع أن عدداً من الكنائس الفرنسية تزعم امتلاكها لقطع من كفن المسيح، إلا أن كفن تورينو لا يزال مقصداً للحجاج المسيحيين حتى اليوم. وقد سجّلت إحصائيات المدينة أكثر من مليوني زائر توافدوا لرؤية الكفن عام 2015، خلال ثلاثة شهور من آخر عرض له، وأن ما يقارب 200 ألف زائر يترددون سنوياً على كاتدرائية تورينو حيث يوجد الكفن.

حليب العذراء المقدس

يذكر بول بارفت (1841-1881)، صحفي وكاتب متعدد المواهب، في كتاب "ترسانة الإخلاص" العديد من الخرافات المتعلقة بالآثار الدينية ومنها: طلب القديس برنارد، في إحدى لحظاته العاطفية، من تمثال مريم العذراء إثبات أنها والدته بالفعل، وبالطبع نعلم أنه لا يجوز العبث مع والدة الرب، فتدفّق الحليب من ثديها الحجري إلى فم برنارد، واليوم تدعي تسع كنائس في فرنسا أن لديها هذا المشروب العجائبي، بالإضافة لكنيسة القديسة مريم في كامبيتيلي، كنيسة سان نيكولاس التي كانت سجناً وثنياً، كنيسة سانت ماري دوبوبل، وكنيسة سانت ألكسيس، وكلهم في روما.

كما حصل القديس دومينيك وفلبرت أسقف شارتر على قطرات من الحليب من ثدي تماثيل العذراء ساعدت في شفائهم، ويستطرد بول بارفيت بحسّه الطريف أن العذراء كما يبدو كانت تمنح الحليب أكثر مما ترضع الطفل يسوع. .

من الآثار المقدسة قطرات من حليب العذراء يُروى أن لها قدرةً عجائبية على الشفاء، واليوم تدّعي تسع كنائس في فرنسا امتلاك البعض منها

هناك العديد من القصص عن "حليب" العذراء، منها أنها في فترة اختبائها من جنود بيلاطس البنطي، في كهف قرب بيت لحم، وعندما حملت الطفل يسوع ليرضع سقطت بضع قطرات من الحليب على الأرض، وبعد ذلك أصبحت النساء المريضات أو اللواتي ينقطع حليبهن، يذهبن لهذا الكهف ويكشطن مسحوقاً صغيراً عن الصخر الذي أصبح أبيض ومفتتاً ويأكلنه مع النبيذ أو المرق.

كما ظهرت العديد من الكنائس والأبرشيات التي ادعت الحصول على بضع قطرات ثمينة من حليب العذراء، خصوصاً التي سالت على وجه القديس برنارد، وبعضها يقول إنها انتقلت من الشرق إلى فرنسا عبر سجين مسيحي عند "الكفار" المسلمين، أما كيف انتقلت تلك اللقية الثمينة إلى يد هذا الكافر ثم إلى فرنسا فلا داعي للسؤال، الحقيقة الوحيدة أنه في القرن السابع، وبعد الإعلان عن هذه القطرات الثمينة، بدأ تدفق الأموال والتبرعات لبناء كنيسة ضخمة في كل مكان زارتها "زجاجة الحليب" تلك، بالرغم من أن بول بارفت يصف ما شاهده داخل الزجاجة بأنه "ليس أكثر من لطخة" على الزجاج الداخلي.

ذخائر مقدسة متعددة

الكفن وحليب العذراء ليسا الرمز الديني الوحيد الذي بقي يحظى بتقديس العامة بعد إثبات زيفه. فقد أثبت الجيولوجي الإنكليزي وليام باكلاند عام 1825 أن رفات القديسة روزاليا والتي وجدت في كهف في مدينة باليرمو الإيطالية واشتهرت بمعجزاتها الشفائية، غير بشرية وأنها عبارة عن عظام ماعز. ومن الغريب أن كنيسة باليرمو لا زالت تعرض الرفات حتى اليوم.

كما يشاع أن إحدى الكنائس الكاثوليكية بقيت تحتفظ بدماغ القديس بطرس حتى أثبت الفحص أنه رأس بطاطا متكلس، فادعت الكنيسة أن الرأس سرق واستُبدل. وتروي بعض القصص أن قلفة يسوع الطفل عند ختانه موجودة في إحدى الكنائس.

الذخائر الإسلامية

تعرض في متحف توبكابي في إسطنبول آثار مختلفة للنبي محمد، منها على سبيل المثال، بصمة ضخمة لقدمه اليسرى، مطبوعة على مستطيل من الرخام القاسي، يحتاج أحد عشر رجلاً لرفعه والتنظيف تحته. ورغم أن القدم اليسرى واليد اليسرى غير محمودتين في الإسلام، إذ يجب أن ندخل البيوت والمساجد بالقدم اليمنى، كما يجب أن نتلقى كتاب أعمالنا باليد اليمنى في الآخرة، إضافة للحجم الهائل الذي سيبدو عليه النبي محمد لو كان هذا قياس قدمه الحقيقي، على خلاف الروايات الفقهية التي تصفه برجل ذي حجم متوسط، إلا أن العديد من البشر يذهبون سنوياً لرؤية هذا الأثر الخارق للقدم المقدسة، ولا يفكرون بأن القوة المطلوبة لاصطناع أثر بهذا العمق والحجم على الرخام يجب أن يكون لرجل من سلالة "آيرون مان" على الأقل.

كما تنقّل ثوب ينسب للنبي في أكثر من 100 بلد قبل أن يعود إلى مقرّه في إسطنبول، وتقول الحكاية إن القميص المصنوع من الكتان قد قُدّم من النبي إلى أحد معاصريه وهو أويس القرني، في القرن السابع. حيث ذهب المذكور لمقابلة النبي وفي الطريق قرّر أن يعود لعلمه أن والدته مريضة، ولم ير النبي. تأثّر النبي كثيراً بالقصة وأرسل عباءته هدية للرجل الذي لم يكن له أولاد.

من الآثار الإسلامية المقدسة بصمة ضخمة لقدم الرسول اليسرى، مطبوعة على مستطيل من الرخام القاسي، يحتاج أحد عشر رجلاً لرفعه والتنظيف تحته. إضافةً إلى عباءته وخاتمه وسيفه وغمده وشعرٍ يُقال أنه من لحيته، كلها تُعرض في متحف توبكابي في إسطنبول

وبقي الأقارب يحتفظون بالثوب ويتناقلونه حتى أحضره السلطان أحمد الأول إلى تركيا. أيضاً يشكّ بهذه القصة ويشك بنسب القميص إلى النبي، نظراً لحجمه الضخم غير المتناسب مع النبي، كما في نسب الشعرات الموجودة أيضاً في تركيا والتي يقال إنها تعود إلى لحية النبي، بالإضافة إلى واحد من نعليه، وخاتم ذهبي يزعم أنه يعود له، رغم أنه من المعروف أن النبي لا يرتدي الذهب إنما الفضة، وسيفه وغمده وبردته وعصاه، وبعض ثياب السيدة فاطمة، رغم أن الكتب تذكر أن البردة والقضيب فقدتا آخر الدولة العباسية وقد أحرقهما التتار، كما نعليه اللذين فقدا مع دخول تيمورلنك إلى دمشق 803ه، كما كان قد أوصى، حسب حديث سهل بن سعد، أن تدفن معه آثاره.

ومن المقتنيات الأخرى لمتاحف تركيا: عصا النبي موسى التي شقّ بها البحر، عمامة النبي يوسف، سيف النبي دواود، وعاء النبي ابراهيم وعظام الذراع والجمجمة للنبي يحيى... طالما لا تسمح السلطات الدينية بالقيام بأي من البحوث الإشعاعية على المواد تلك. كما أعلنت الإدارة التركية في عام 2017، أنها عثرت على سفينة نوح منذ سنوات على جبل أرارات، جنوب تركيا، وأنهم بصدد بناء متحف يروي أحداث الطوفان المعروف بطوفان نوح، في ولاية آغري، على الحدود الشرقية لتركيا.

ويقول الباحثون الأمريكان الذين قادوا بعثة الكشف، إن السفينة المكتشفة مصنوعة من خشب الجوز، وطولها 300 ذراع وعرضها 50 ذراعاً وارتفاعها 300 ذراع، وهي الأرقام التي وردت في الكتب الدينيةـ إلا أن السؤال هنا هو أن خشب الجوز لم يظهر على سطح الأرض إلا منذ 1000 سنة فقط، وثم أن حادثة الطوفان من المقترض أنها حصلت منذ وقت طويل يكفي لأن تندثر السفينة تحت أطنان من الثلج فكيف ظهرت فجأة على سطح الأرض؟

الدين بين الاعتقاد والممارسة

في بداية القرن العشرين بدأ موقف الإنسان من الدين يتخذ شكل التساؤل المتردد أكثر منه اليقيني. وانطلاقاً من هذا، يميز البروفيسور الأمريكي من أصل ألماني، مارتن ريسبرودت، بين الدين كعقيدة وبين الممارسات الدينية أو التقاليد التي تناقلتها الشعوب وحافظت على استمراريتها كشكل من أشكال التدين. وفي كتابه "وعد بالخلاص"، يصرّح بأنه يستند في نظريته الدينية إلى وصف الدين "كمنظومة ممارسات متعلقة بالقوى الخارقة" وليس كآراء ممنهجة من قبل مفكرين. وبالنسبة له فإن الأديان تمثل "نظاماً متماسكاً من الشعائر الحياتية أو الحضارية" التي تتجاوز العقيدة، ومتفوقة عليها أحياناً، ويعتقد أن حقيقة الدين تكمن في هذه التراكيب المنسجمة أو الغريبة من الشعائر.

وفق هذه الرؤية يمكننا أن نفهم أن دخول الآثار المقدسة في العبادة هو أساسي في الممارسات الدينية كجزء من الشعائر رغم كونه خرقاً للتعاليم. فأولى الوصايا العشر في المسيحية هي "أنا الرب إلهك، لا يكن لك آلهة غيري"، والثانية هي: "لا تصنع لنفسك أي صنم"، كما يقول الشيخ ناصر الدين الألباني: "ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم، من ثياب، أو شعر، أو فضلات، قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image