مرة أخرى، أصدر قاضٍ مغربي أمراً باستمرار حبس الصحافي المستقل عمر الراضي خلال التحقيق معه في قضيتين جديدتين تتعلقان بـ"المساس بأمن الدولة، وهتك العرض والاغتصاب"، ليصبح بذلك رابع صحافي "مزعج للسلطات" يُتهم بـ"قضيّة جنسية" خلال السنوات الأخيرة.
ونفى الراضي التهمتين ووصفهما بـ"الكيدية" وتحدث في بيان عن "استدراجه بشكل متعمد ومنذ أشهر إلى علاقة رضائية"، فيما طالب ناشطون ومنظمات حقوقية بالإفراج الفوري عنه والامتناع عن توجيه "تهم انتقامية" إليه.
والراضي صحافي في موقع Le Desk الإخباري، وهو معروف بانتقاد السلطات علناً في ملفات تتعلق بالفساد وإساءة استغلال السلطة وانتهاك حقوق الإنسان. وسبق أن تعرض قبل عدة أشهر لحملة "تشويه وتحريض" من قبل السلطات وإعلامها الرسمي عقب تقارير حقوقية لمنظمة العفو الدولية تتهم السلطات المغربية باختراق هاتفه والتجسس عليه بتقنيات من شركة إسرائيلية.
وفيما نفت السلطات المغربية مراراً التجسس على هاتف الراضي، أوقف الأخير واستدعي للتحقيق مرات عدة خلال الأشهر الماضية ووجّهت إليه اتهامات مختلفة، بينها "السبّ والسُكر العلني".
"سأذهب إلى مصيري بقلب مطمئن مبتسماً مرتاح الضمير"... توقيف الصحافي المغربي عمر الراضي مرة أخرى بناءً على اتهامات جديدة تتعلق بـ"هتك العرض والاغتصاب، وتلقي أموال من جهات أجنبية للمس بأمن الدولة"
"اغتصاب وهتك عرض"
مساء 29 تموز/ يوليو، ذكرت وكالة "المغرب العربي للأنباء" الحكومية أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء أعلن أن قاضي التحقيق قرر إيداع الراضي "رهن الاعتقال الاحتياطي، بعد إجراء التحقيق الابتدائي، لمواصلة التحقيق معه في قضيتين تتعلقان بـ ‘الاشتباه في ارتكابه جنايتَي هتك عرض بالعنف والاغتصاب (بحسب الفصلين 485 و 486 من القانون الجنائي)، والاشتباه في ارتكابه جُنحتي تلقي أموال من جهات أجنبية بغية المس بسلامة الدولة الداخلية ومباشرة اتصالات مع عملاء دولة أجنبية بغية الإضرار بالوضع الدبلوماسي للمغرب (بحسب الفصلين 191 و206 من القانون الجنائي)".
وإذا أدين الراضي بهاتين الجنحتين، فقد يواجه دفع غرامة تراوح بين 1000 و10000 درهم (بين 100 و1071 دولاراً أمريكياً) وعقوبة بالسجن خمس سنوات. أما إذا أدين بالاعتداء الجنسي، فربما يواجه عقوبة بالسجن تصل إلى 10 سنوات.
ولفت موقع هسبريس المحلي إلى أن محاكمة الراضي ستنطلق في 22 أيلول/ سبتمبر المقبل بسبب عطلة القضاة خلال آب/ أغسطس.
وقال إدريس الراضي، والد الصحافي المتهم، للموقع المحلي إن توقيف ابنه وإيداعه السجن بالتزامن مع العطلة القضائية هو "انتقام وتلفيق لتهم جاهزة ومعدة سلفاً"، معتبراً أن "كل الصحافيين الذين اعتُقلوا لُفّقت لهم هذه التهمة (الجنسية) نفسها".
"تعرضت لكمين مُعدٍ بعناية وإحكام قبل أشهر"... الصحافي المغربي عمر الراضي يؤكد أن اتهامه باغتصاب سيدة "ملفق"، مشيراً إلى "استدراجه إلى علاقة رضائية". لكنه قد يسجن نحو خمس سنوات في حال إدانته
الراضي: العلاقة رضائية
في بيان نشره حساب "الحرية لعمر الراضي" على فيسبوك، كتبه الراضي في اليوم السابق لاعتقاله وطلب نشره إذا أحيل إلى السجن، موضحاً فيه أن الشكوى المرفوعة من مواطنة مغربية ضده بـ"هتك العرض بالعنف والاغتصاب" ليست إلا "شكاية كيدية". وأضاف: "أنا والمشتكية أقمنا في تلك الليلة (13 تموز/ يوليو الجاري) علاقة جنسية رضائية مرتين، عكس مزاعمها".
وأشار إلى أنه فنّد "الاتهامات الواهية والباطلة بشدة" للمحققين طوال 10 ساعات من التحقيقات، مؤكداً أنه والمُشتكية كانا على توافق تام بخصوص هذه العلاقة. وتابع: "واجهتُ المشتكية بتناقضاتها المتعددة، وقد ظهر ارتباكها".
وأكمل: "تعرضت لكمين معدٍ بعناية وإحكام قبل أشهر. لقد استمرت محاولة استدراجي عدة أسابيع بالتزامن مع استدعاءاتي المتكررة والمُنهِكة لي بدنياً ونفسياً"، موضحاً أنه يتحمل عواقب ممارسة "حريتي في إقامة علاقات رضائية (...) والذنب الوحيد الذي ارتكبته في هذه النازلة/ الكمين هو ممارستي حريتي الفردية غير مبال بالمخاطر المحدقة بي، وغير آبه بهؤلاء المتجبرين الذين يطاردونني في ليلي ونهاري، ويعدون سكناتي وحركاتي".
وعبّر الراضي عن ثقته بأن الرأي العام الوطني والدولي "لن تنطلي عليه مثل هذه الأكاذيب والافتراءات، ولن يصدق أن تحريك هذه الشكاية الكيدية ضدي في هذا الوقت بالذات مجرد صدفة بريئة، أو ملف منفصل عن التحرشات القضائية التي أتعرض لها".
وختم: "أياً كانت نتيجة هذا البحث القضائي، لن أنكسر. سأبقى مرفوع الرأس. لست خجولاً من أي شيء، لم أقم بإيذاء أحد، ولم أقم بخيانة لا مبادئي ولا أسس تربيتي ولا مرجعيتي الحقوقية ولا ثقة صديقاتي وأصدقائي (...) الاستبداد ليس قدراً، وإن كان وقتي قد حان لأدفع الثمن نيابة عن هذا الجيل، فإنني مستعد لدفعه بكل شجاعة، وسأذهب إلى مصيري بقلب مطمئن مبتسماً ومرتاح الضمير".
"قد يسجن 15 عاماً في حال إدانته"... لجنة حماية الصحافيين الدولية تطالب السلطات المغربية بالإفراج عن عمر الراضي و"الامتناع عن توجيه ‘اتهامات انتقامية‘ إلى الصحافيين المستقلين"
التّهم الجنسية حاضرة دائماً
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شكك معلقون وناشطون في الاتهامات المزعومة للراضي. وسأل بعضهم: "مفهمتش علاش (لماذا) غير الصحافيين عندنا لي كيتشدو (يُتهموا) في قضايا الاغتصاب وجرائم الشرف؟ هو أنا فهمت ولكن كنتغابى (أدعي الغباء)... عجيب صافي".
وفي 22 أيار/ مايو الفائت، أوقف رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم" المستقلة، سليمان الريسوني، وأودع السجن على ذمة اتهامه بـ"هتك العرض بالعنف والاحتجاز" لشاب مثليّ. وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات.
وبرغم أن الشاب صاحب الشكاية نفى مراراً أن يكون مدفوعاً إلى تقديم شكواه، يستغرب الكثيرون توقيتها الذي يقال إنه تزامن مع زيادة حدة انتقاد الريسوني مسؤولين بارزين.
وأواخر آب/ أغسطس من العام الماضي، أوقفت ابنة شقيق الريسوني، هاجر، وهي صحافية في الجريدة نفسها، مع خطيبها وطبيبها وآخرين، بتهم تتعلق بـ"ممارسة علاقة جنسية خارج إطار الزواج، والإجهاض غير القانوني". لاحقاً، حكمت بالسجن عاماً قبل أن تحصل على عفو ملكي في 16 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم.
كذلك أُوقف الصحافي المغربي توفيق بوعشرين، مؤسس "أخبار اليوم"، وأودع السجن نتيجة اتهامات عدة، أبرزها الاتّجار بالبشر والتحرش الجنسي والاغتصاب. وشككت تقارير حقوقية دولية في عدالة محاكمته.
بناءً على هذه القضايا اتّهم فريق من المراقبين الحقوقيين، المحليين والدوليين، السلطات المغربية باللجوء إلى نمط التشهير بالأصوات الصحافية المنتقدة والمزعجة لها عبر ما وُصف بأنه "قضايا جيم خاء"، أي قضايا الاتهام بانتهاكات جنسية أو خيانة البلد، في مسعى يعتقدون أن هدفه "فقدان الصحافي/ة المتهم/ة تعاطف الرأي العام" باعتبار هذه الاتهامات "مخلة بالشرف"، في نظر المغربيين.
عليه، دعت "لجنة حماية الصحافيين" الدولية، في 29 تموز/ يوليو، السلطات المغربية إلى "الإفراج عن الراضي على الفور والامتناع عن توجيه ‘اتهامات انتقامية‘ ضد الصحافة"، مستنكرةً توقيف الراضي "مراراً وتكراراً بذرائع مختلفة". ولفتت إلى أن استجوابه الأخير كان العاشر في غضون بضعة أسابيع.
واعتبر شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة، اعتقال الراضي "تطوراً مقلقاً عقب محاولة السلطات المغربية في الماضي توجيه أي تهمة ضده انتقاماً من عمله كصحافي".
وشدد على أن "السلطات المغربية ينبغي أن تفرج عن الراضي، وأن تحقق في أي اتهام متعلق بالاعتداء الجنسي بطريقة ‘موثوق بها وشفافة‘، وأن توقف مضايقاتها للصحافيين المستقلين".
وذكّرت اللجنة بما حدث مع عفاف برناني، التي سُمّيت بدايةً واحدة من ضحايا بوعشرين، عندما سُجنت في نيسان/ أبريل عام 2018 لنفيها المزاعم الموجهة إلى بوعشرين واتهامها السلطات المغربية بتزوير شهادتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...