"صدق أو لا تصدق: الجامعة الفرنسية في مصر عملت إعلان دعائي، بطله نابليون بونابرت، بيحكي فيه عن مميزات الحملة الفرنسية اللي احتلت مصر من أكثر من قرنين، وفي نهاية الإعلان بيقول ‘انضم لحملة 2020‘".
هكذا غرد الصحفي المصري أحمد رجب عبر حسابه على موقع تويتر لينضم له العديد من المواطنين المصريين أمس في تعبير عن دهشتهم واستيائهم من إعلان أطلقه موقع الجامعة الفرنسية في مصر تظهر فيه شخصية نابليون بونابرت وهو يتكلم عن المميزات الثقافية والحضارية التي أنجزتها حملته الاستعمارية على مصر عام 1798.
هذا الإعلان حمل استفزازاً على عدة صعد. أولها الاحتفاء بشخصية نابليون كراعي للعلم والمعرفة وإهمال أنه كان قائداً عسكرياً يهدف أولاً وأخيراً لتحقيق مشروعه الإمبريالي، والثاني الأخطاء التاريخية الذي تضمنها الإعلان في سبيل الترويج لعمل الجامعة الفرنسية، والثالث هو الاستخفاف باحتلال كانت له نتائج لا تحمد عقباها على مصر والمنطقة العربية ككل، وأخيراً أنها دعوة من مؤسسة تعليمية في مصر إلى الاهتداء بتاريخ رجل فرنسي عسكري بينما يزخر التاريخ المصري التراثي والمعاصر بشخصيات العلماء والأدباء والفنانين والمفكرين من الرجال والنساء، فهل تروج شخصية نابليون حقاً للحلم الذي سعى لتحقيقه شباب وشابات ثورة يناير بكل طاقتهم وإرادتهم في التعليم والحريات ونواحي الحياة الأخرى؟
حمل إعلان الجامعة الفرنسية في مصر الذي يمجد شخصية نابليون بونابرت استفزازاً للمواطنين المصريين، حيث وجدوا فيه خلق تبريرات ودوافع سامية للاحتلال الفرنسي لمصر قبل قرنين من الزمن
نابليون النبيل!
الإعلان الذي قام ببطولته ممثل أدى دور نابليون بونابرت، بدأ بتعريفه عن نفسه: "أنا الي عشت في مصر ثلاث سنين بس، واسمي بيتقال لحد النهارده".
بدأ الاحتلال الفرنسي لمصر منذ 1 يوليو 1798 وحتى 1801، أي بعد ثلاثة أعوام. لكن نابليون خرج منها قبل ذلك بعد انتشار الوباء فيها ليترك الكثير من جنوده "جيش المشرق" تحت إمرة كليبر ويعود إلى فرنسا في أغسطس عام 1799 ويصبح القنصل الفرنسي الأول للجمهورية. أي أن نابليون أمضى عاماً واحداً فقط.
وأما عن اسمه الذي يتردد حتى الآن، فلعل لذلك علاقة بطموحاته الاستعمارية في المنطقة والمنعطف التاريخي الذي شكلته هذه الحملة بهزيمة الأتراك والمماليك نهائياً وبدء الاستعمار الغربي فيها، بعد أن لفت نابليون أنظار المملكة البريطانية لأهمية موقع مصر بالنسبة لإمبراطوريتهم التي بسطت سيطرتها على القارة الإفريقية.
وبالنسبة لتفكيكه رموز حجر الرشيد كما يشير الإعلان، فما حدث بالفعل هو أن نابليون اكتشف حجر الرشيد، لكنه بعد أن سلمه للبريطانيين ليصبح في حوزتهم ويعرض في المتحف الوطني في لندن، لم يتم تفكيك رموزه حتى عام 1822 على يد عالم الآثار الفرنسي شامبليون، أي بعد مضي حوالي عقدين على مغادرة نابليون لمصر.
لكن الأهم من كل هذا هو ما أشرنا إليه في مقال سابق عن أن هناك تجاهل لجهد كبير سبق الحملة الفرنسية، ففي كتاب "شوق المستهام" لابن وحشية هو أهم ما استعان به الفرنسي شامبليون لفك رموز الكتابة المصرية القديمة. وفيه كشف ابن وحشية عن معرفة واسعة لدى العرب بالحروف الهيروغليفية، الذين اهتموا بها لما تحمله بشكل خاص من أسرار علوم الكيمياء. وقد أشرنا سابقاً إلى أن الكيميائي الشهير جابر بن حيان هو أول العلماء العرب المسلمين الذين حاولوا فك الرموز المصرية القديمة. كما قيل إن الصوفي ذو النون المصري من القرن الثالث الهجري كان بمقدوره قراءة الهيروغليفية، وألف عن علمها كتاب "حل الرموز وبرء الأرقام في كشف أصول اللغات والأرقام.
"جبت معايا علماء أكتر من الجنود"
صحيح أن نابليون اصطحب في حملته عدداً كبيراً من العلماء الذين قاموا بأبحاثهم الأثرية وأسسوا معهد مصر، غير أنهم لم يشكلوا سوى بضع مئات من جيشه الذي تألف من 37 ألف جندي و55 سفينة حربية و280 ناقلة.
ثم إن القائد العسكري، لم تكن غاياته هي نشر العلم في مصر، بقدر ما كانت تتعلق بحمل علوم مصر وتاريخها إلى الفرنسيين الذين لم يعلموا عنها شيئاً للتمهيد إلى غزوهم الهند والقارة الإفريقية التي سيطرت عليها بريطانيا. وإلا لما كانت جيوشه دخلت الأزهر بالخيل وأعملت السيف في شيوخه وطلبة العلم، ونهبت الكتب ومزقت المخطوطات وألقي القبض على عدد من المشايخ والطلبة وقطع رؤوسهم. كما أعدم جنده الثوار ضدهم من النساء والرجال بأكثر الطرق وحشية إما بقص الرقاب أو إغراقهم في النيل.
مسؤولو التسويق في الجامعة
بعد الغضب الشعبي الذي أثاره الإعلان والمطالبات بإنزاله لما فيه من إهانة للشعب المصري بإيجاد تبريرات إيجابية لحملة استعمارية، حذف الإعلان من موقع الجامعة وبرر أحد مسؤولي قسم التسويق فيها، والذي طلب عدم ذكر اسمه، بقوله:
"أكيد الحملة الفرنسية كانت حملة عسكرية وفيها مشكلات وعملت بلاوي، لكن برضه كان فيه جانب آخر زي إن الحملة جابت معاها العالِم شامبليون اللي فك رموز حجر رشيد، ونابليون اللي أسس المعهد المصري، وأنا مش بلمّعه، أنا بس بجيب الجانب الآخر".
حاول أحد مسؤولي التسويق في الجامعة الدفاع عن إعلان عنصري ومسيء للجامعة الفرنسية لمصر، بقوله " نابليون أدخل الطباعة لمصر ودا اللي خلّى مصر تبقى رائدة في الطباعة وتنافس الشام.. الإعلان صادم، ده علشان يسمّع"
وعن اتهام المُعلقين للحملة بأنها تخلق دوافع سامية للاستعمار وتمجده، أضاف: "ما بقاش فيه خلاص استعمار، والإعلان مش قصده إن حد ييجي يحتلنا"، مضيفاً أن مسؤولي التسويق قرروا طرح إعلان بسيط يتسم بالخفة، فالكل يعلم عن حادثة دخول الجنود الفرنسيين بالخيول إلى الأزهر، لكن قد لا يعلم الجميع أنه أدخل الطباعة إلى مصر "ودا اللي خلّى مصر تبقى رائدة في الطباعة وتنافس الشام.. الإعلان صادم، ده علشان يسمّع".
"عبء الرجل الأبيض"
تم إدخال هذه العبارة من عنوان قصيدة روديارد كيبلينغ التي نشرت عام 1899 في مجلة مكلور، بهدف خلق مبررات أخلاقية للاستعمار الغربي لشعوب إفريقيا. وتعني "العبء الذي تحمله المستعمر الغربي من كراهية الشعوب التي استعمرها وحماها" لتحصد هذه الشعوب "المتخلفة" أو "غير المتحضرة" ثمار الحضارة التي زرعها الاستعمار، وهذا قريب إلى النهج التي انتهجه نابليون في مصر وبرر من خلاله حملته الاستعمارية عليها.
من المستغرب أن يمر إعلان يروج لحصرية قيم الفن والجمال في الثقافة الفرنسية من أمام وزارة التعليم العالي في مصر دون أن تلحظ استخفافه بالثقافة العربية والحضارة المصرية
لكن الغريب أن يتردد هذا النوع من الخطابات والتبريرات الكولونيالية بعد مرور أكثر من قرنين على هذه الحملة، عن طريق مؤسسة ثقافية تعليمية كالجامعة الفرنسية، تروج للثقافة واللغة الفرنسية بطريقة عنصرية على أنها الثقافة التي تحتكر "قيم الذوق والفن والجمال"، وأن يمر هذا الإعلان من أمام وزارة التعليم العالي دون أن تلحظ استخفافه بالثقافة العربية والحضارة المصرية.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.