شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"أحتجّ على هذه الهمجية"... المرأة التي ردت صفعة "سي السيّد" في السينما المصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 27 يوليو 202012:07 م

لم تكن المرأة في السينما المصرية مجرّد عاشقة تستجدي قبلة ترافقها كلمة "النهاية" في آخر الفيلم، ولا زوجة خانعة تنتظر عودة "سي السيد" إلى المنزل لتسارع إلى غسل قدميه.

إن هذين النموذجين اللذين تأرجحت المرأة بينهما في أفلام كثيرة، يشكّلان ذريعة لمنتقدي السينما المصرية عبر تصويرها على أنها سينما تهمّش المرأة وتنتصر للرجل. إلا أن ثمة أفلاماً كثيرة تناولت قضايا المرأة وقدّمتها بالروح الثورية، ما يدفعنا للتساؤل عن أسباب تراجع ذلك في السينما.

بين الصفعة التي وجهها سي السيد (يحيى شاهين) لأمينة (آمال زايد) في فيلم "بين القصرين- 1964" صارخاً في وجهها: "اخرسي"، بعد علمه بخروجها من المنزل مخالفة أوامره، والصفعة التي وجهتها شادية لرشدي أباظة في "الزوجة 13- 1962" بعد أن صفعها فغنّت له: "وحياة عينيك" لتستدرجه بالأغنية -الطُّعْم، فيعود إليها منتشياً برجولة ممشوقة حتى تردّ له الصفعة، لا تزال المرأة في حالات كثيرة هدفاً متاحاً لمزيد من الصفعات.

"من هنا ورايح أنا حاثبتلك إنّ الستّ ممكن تكون أقوى من أيّ راجل…"

قدّمت السينما المصرية في الماضي نماذج مختلفة للمرأة، ولم "تتورّط"، برأيي، في الدفاع عن المرأة المنكسرة الخاضعة للرجل، عبر تقديم المرأة "الّتي يرتمي الرجل في أحضانها".

بل كان للمرأة القوية التي تشكل ندّاً للرجل حضور طاغ في عدد من الأفلام الهامة في تاريخ السينما المصرية، بداية من "الأفوكاتو مديحة- 1950" الذي تتحدّى فيه مديحة يسري قرارات الأسرة التي تريد تزويجها لابن عمّها، بينما تسعى هي إلى الحياة العلمية، فتقف في وجوه الرجال محتجّة: "أنا أحتجّ على هذه الهمجية، إحنا في القرن العشرين، وكل فتاة ليها مطلق الحرية إنها تنظم حياتها زي ما هي عايزة…" ثم "الأستاذة فاطمة - 1952" والذي قدّمت فيه فاتن حمامة نموذج المرأة العاملة (المحامية كما في "الأفوكاتو مديحة") التي يحاول الكثيرون إفقادها الثقة بنفسها، لكنها تواصل مسيرتها بإصرار أكبر: "من هنا ورايح أنا حاثبتلك إنّ الستّ ممكن تكون أقوى من أيّ راجل…". أمّا لبنى عبد العزيز، فتقدّم المرأة المتمرّدة على مفاهيم المجتمع والعائلة، ترفض الزواج وتواصل تعليمها وتشارك في الثورة في "أنا حرّة"-1959": "وصلت للحريّة، حرّيتي أنا دلوقت بقيت حرّة وما افتكرش إن دي قلّة أدب".

ويقودنا نفس العام إلى فيلم آخر وهو "دعاء الكروان" الذي يتناول ظاهرة قتل النساء على خلفية ما يُسمّى بـ "قضايا الشرف"، وسعي آمنة (فاتن حمامة) للانتقام لمقتل أختها (هنادي) على يد خالها. رغم أنه لا يمكن اعتبار الفيلم ثوريّاً، إلا أنه يسلّط الضوء على فساد الرجل باختلاف مكانته المجتمعية والظلم الذي يلحقه بالمرأة، لينتهي الحوار في نهاية الفيلم بعبارة: "اوعى لنفسك"، قبل أن يحاول "الخال" ارتكاب جريمة "شرف" أخرى بحقّ آمنة.


قدّمت السينما المصرية في الماضي نماذج مختلفة للمرأة، ولم "تتورّط"، برأيي، في الدفاع عن المرأة المنكسرة الخاضعة للرجل، عبر تقديم المرأة "الّتي يرتمي الرجل في أحضانها".بل كان للمرأة القوية التي تشكل ندّاً للرجل حضور طاغ في عدد من الأفلام الهامة في تاريخ السينما المصرية

في أدوار التغيير السياسي الاجتماعي

تواصل سيدة الشاشة العربية نضالها في فيلم "الباب المفتوح- 1963"، لتتمرّد على العائلة وتحثّ النساء على المشاركة في تظاهرات الثورة. يُبرز الفيلم الصراع الذي تعيشه بين رجل متسلّط ذكوري ورجل آخر ثوري، لنجد صالح سليم يقول لها: "لا أريد أن تفني كيانك في كياني... أريد لك كيانك الخاصّ المستقلّ".

أمّا سينما السيدة شادية، فبدأت تلتفت لقضايا المرأة في "مراتي مدير عام-1966"، تصبح فيه شادية مديرة على زوجها في المؤسّسة، وهو يخفي حقيقة علاقتهما خوفاً على صورته أمام الناس: "المدير واحدة ستّ؟ أهو ده اللي كان ناقص".

ولو بقينا مع الراحلة الكبيرة شادية، لابد من التوقف عند واحد من روائع السينما: فيلم "شيء من الخوف – 1969"، الذي يقدّم ثورية "فؤادة" ضدّ زواجها من "عتريس" الذي لعب دوره محمود مرسي، لتتحوّل تلك الثورية من فعل فردي إلى حالة تعبئة عند أهالي القرية الذين يثورون على عُمدَتِهِم المستبدّ، خارجين في تظاهرات تهتف: "زواج عتريس من فؤادة باطل"، ليحمل هذا الهتاف رمزية ضد الظلم والاستبداد.


في سنوات السبعينيات، يطلّ فيلم "أريد حلاً – 1975" الذي يُعتبر الأشهر في سينما المرأة، بسبب تأثيره الذي انعكس على أرض الواقع، من خلال قوانين الأحوال الشخصية في مصر. فبعد وصول "درية" (فاتن حمامة) إلى طريق مسدود مع زوجها السياسي مدحت (رشدي أباظة)، ينتصر القانون للرجل الزوج لتخوض الزوجة معركة أدّت إلى إقرار قانون الخلع في مصر.

قد يعود تراجع صورة المرأة في السينما المصرية إلى غياب الرؤية الفنية عند غالبية شركات الإنتاج التي تتصدّر المشهد السينمائي.

كذلك حاول فيلم "لا عزاء للسيّدات – 1979" لفاتن حمامة تسليط الضوء على معاناة المرأة في الطلاق. لتظلّ قضية الطلاق محورية في عدد من الأفلام: "آسفة، أرفض الطلاق – 1980" الذي يحاول الإشارة إلى أن يكون للزوجة دور مؤثر في الطلاق، دون أن يكون قراراً منفرداً من قبل الزوج، حين ترفض ميرفت أمين الطلاق لمجرد قرار زوجها (حسين فهمي)، ليطرح الفيلم سؤالاً هامّاً: لماذا يتم عقد الزواج بموافقة الطرفين لكن الطلاق يتم بكلمة من الزوج وحده؟

كذلك انتصرت السينما للمرأة في تعديلات قوانين الأحوال الشخصية (كما حدث في "أريد حلاً") بعد فيلم "بريق عينيك – 1982" الذي سلّط الضوء على دعوة الزوج (نور الشريف) لزوجته (مديحة كامل) إلى بيت الطاعة، ليلغي القانون المصري ذلك لاحقاً.

ثم سلط فيلم "عفواً أيها القانون – 1985" الضوء على تعامل القانون مع الخيانة الزوجية، بحيث يظلم الزوجة وينتصر للرجل. ولعلّ فيلم "واحد صفر – 2009" هو الأبرز في العقدين الأخيرين في تناوله لقضية ملحة من قضايا المرأة، حيث يتناول الفيلم قضية طلاق المرأة المسيحية، وصراعها مع قوانين الكنيسة، لتبقى قضية نيفين (إلهام شاهين) معلقة في أروقة المحاكم.


ولا يمكن ألا نتوقف عند سينما نبيلة عبيد، التي قدمت أفلاماً هامة تتناول الصراع النفسي لدى المرأة، إلى جانب أدوار المرأة القوية المكافحة التي لم تعش في ظل الرجل، الأمر الذي ينطبق أيضاً - ولو بتأثير أقلّ - على منافستها القوية نادية الجندي، من خلال بعض أفلامها التي أبرزت مكانة رفيعة للمرأة.

كذلك لابد من التوقف عند الراحلة ماجدة الصباحي (2020-1931) التي لم تُحصر في الأدوار الرومانسية الرقيقة، بل تمردت على هذه الصورة النمطية في عدد من الأفلام: "المراهقات"، "حواء على الطريق"، إضافة إلى درة أعمالها: "جميلة – 1958" عن حياة المناضلة جميلة بوحيرد، والذي قامت الراحلة ماجدة بإنتاجه إلى جانب تمثيله، ليقدم الفيلم سيرة نضال المرأة العربية، التي أنصفتها سينما الأبيض والأسود، حين كان زمن الفن جميلاً.

لم تكن كل تلك الأفلام حالة منفردة أو مفاجئة، فلو عدنا إلى دور المرأة في السينما المصرية سنجدها رائدة في الإنتاج السينمائي، بصرف النظر عن مضمون الأفلام ومدى تناولها للمرأة كقضية اجتماعية، من خلال صانعات للسينما المصرية

المرأة كصانعة للسينما

لم تكن كل تلك الأفلام حالة منفردة أو مفاجئة، فلو عدنا إلى دور المرأة في السينما المصرية سنجدها رائدة في الإنتاج السينمائي، بصرف النظر عن مضمون الأفلام ومدى تناولها للمرأة كقضية اجتماعية، من خلال صانعات للسينما المصرية، بدءاً من عزيزة أمير (1952-1901) التي أنتجت فيلم "ليلى" في العام 1927، ثم أخرجت بنفسها فيلمها الثاني "بنت النّيل". وبهيجة حافظ (1983-1908) الممثلة والمخرجة والكاتبة، وأول امرأة وضعت موسيقى تصويرية في الأفلام، إلى جانب إنتاجاتها السينمائية، إضافة إلى فاطمة رشدي (1996-1908) التي أنتجت ومثّلت فيلم "الزواج" عام 1933 ولُقِّبَت بـ "سارة برنار الشرق". ويظل اسم المنتجة آسيا داغر (1986-1901) الأبرز في ريادة المرأة في السينما، التي مثلت لأول مرة عام 1927، لتتوالى الإنتاجات السينمائية الخالدة. كما لعبت ممثلات كثيرات أدوار البطولة في أفلام قديمة في الثلاثينيات والأربعينيات: علويّة جميل، أمينة رزق، ليلى مراد، أسمهان، صباح، ماري كويني، زوزو ماضي، ميمي شكيب وغيرهن.


قد يعود تراجع صورة المرأة في السينما المصرية إلى غياب الرؤية الفنية عند غالبية شركات الإنتاج التي تتصدّر المشهد السينمائي، الأمر الذي دفع إلهام شاهين، على سبيل المثال لا الحصر، إلى إنتاج فيلمها الأخير "يوم للستات"، حيث يلجأ بعض الفنانين إلى إنتاج أفلام تلبي تطلّعاتهم، في ظل تحوّل صناعة الأفلام إلى مشاريع تجارية تفضّل المعالجات الكوميدية أو الأكشن، أو سينما "تعكس الواقع" فيصوّرون جانباً مظلماً من واقع المرأة العربية - المصرية، مهمِّشين مكانة المرأة ودورها الحقيقي في المجتمع المصري والثورة المصرية التي قدّمت الشهيدات والناشطات السجينات.

لكن ثمة بارقة أمل قد تعيد للمرأة صورتها سينمائياً، مع تصدُّر عدد من صانعات السينما والدراما في مصر ممن يحملن رؤية ومشروعاً فنياً: مريم نعّوم، كاملة أبو ذكري وغيرهما، بعد أن غابت عن المشهد مخرجتان مهمّتان هما: إنعام محمد علي وإيناس الدغيدي، اللّتان حاولتا عبر أعمالهما الارتقاء بصورة المرأة وإخراجها من النمطية المكررة والمستهلكة، لتعود السينما المصرية، كما بدأت، على أكتاف النساء اللاتي يقاومن المجتمع الذي صفعهن الصفعة تلك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard