شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"صدر كبير وشفاه ممتلئة"... كيف تظهر المرأة في معظم ألعاب الفيديو؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 24 يوليو 202006:43 م

عندما نطرح على الأطفال السؤال التالي: ماذا تريد/ين أن تكون/ي عندما تكبر/ين؟ يجيب معظمهم بأنهم يريدون أن يصبحوا "أبطالاً خارقين".

لا شك أن فكرة التشبّه بشخصية تتمتع بقوى خارقة وقادرة على محاربة الأشرار وإنقاذ البشرية، تبدو "جذابة" وقابلة لأن "تدغدغ" مخيّلة الأطفال، إلا أن تأثير الأبطال الخارقين والبطلات الخارقات على عقول المتلقين، وتحديداً الفتيات، ليس دائماً إيجابياً، وذلك بسبب سوء تقديم وعرض المرأة في معظم ألعاب الفيديو.

تدور أغلبية ألعاب الفيديو، بخاصة تلك التي تتسم بالأكشن والحركة السريعة، حول قصة رجل قوي وذكي يتطلع إلى إنقاذ العالم والبشرية جمعاء، من خلال القضاء على القوة الشريرة، وفي أغلب الأحيان ترتكز مراحل اللعب على الحاجة الفورية لإنقاذ "حبيبة البطل"، التي يتم تقديمها كأنثى حسّاسة وضعيفة وفي الوقت نفسه جميلة ومثيرة، وكأن ما تفتقر إليه من قوة جسدية تعوّضه بشكلها اللافت للنظر، والذي يبدو متشابهاً ومكرراً في الكثير من الأحيان: شفاه ممتلئة، صدر كبير وخصر نحيف....

تخبط عالم الألعاب في الذكورية "السامة"

لفترة طويلة كان عالم الألعاب "حكراً" على الذكور، أو على الأقل هذا ما أراده الكثير من المطورين، بحيث أنه على مدار سنوات طويلة تم تصميم الألعاب بطريقة تثير تدفق الأدرينالين لدى اللاعبين الذكور، من خلال التركيز على عناصر معيّنة: عنف، معارك نارية، سيارات سريعة وشخصيات ذكورية تتمتع بقوى خارقة وتستأثر بدور البطولة، أما بالنسبة للشخصيات النسائية، فهي في الغالب مجرد جزء من الأوهام والفانتازم الخاص بالشبان والرجال.

وفي حين تنادي الأصوات النسائية بضرورة تطبيق المساواة بين الجنسين وإنهاء التمييز الجنسي في العالم الحقيقي، يبدو أن عالم الألعاب غارق لحدّ الآن في الكليشيه والصور النمطية التي تروّج لها العقلية الذكورية "السامة"، بالطبع مع وجود بعض الاستثناءات التي بدأنا نلاحظها في السنوات القليلة الماضية، مثل شخصية Scythian في لعبة Sword and Sorcery، التي لم يتحدد تعريفها بحسب الهوية الجنسية، تماماً كشخصية Jade في لعبةBeyond Good and Evil، التي تتمتع بجسم ممتلىء.

الشخصيات النسائية هي في الغالب مجرد جزء من الأوهام والفانتازم الخاص بالشبان والرجال

كيف تطوّر ظهور الشخصيات النسائية في ألعاب الفيديو عبر التاريخ؟ وهل تحسن تمثيل الإناث مع مرور الوقت أم أن الوضع ازداد سوءاً؟

تشهد صناعة ألعاب الفيديو ازدهاراً كبيراً، لكنها تقع مراراً وتكراراً في فخ التحيّز الجنسي المستمر، وتفضيل الشخصيات الذكورية على حساب الشخصيات النسائية التي تبدو بالنسبة للكثير من النقاد مجرد "جوائز ترضية".

في الواقع بدأت المرأة تظهر في ألعاب الفيديو في منتصف الثمانينيات تقريباً.

والمفارقة أنه في البداية، كان من الصعب تمييز الشخصيات النسائية عن الشخصيات الذكورية، نظراً للشبه الكبير بينها في الشكل واللباس، باستثناء خاصية صغيرة واحدة في الوجه، مثل الرموش الطويلة، والسيدة باك مان هي خير دليل على ذلك.

وتعتبر Samus Aran في لعبة Metroid 1986، أول شخصية أنثوية قابلة للعب بخلاف ما كان يحصل في السابق: إظهار النساء فقط في الخلفية من دون إعطائهنّ مساحة للمشاركة في اللعبة، أو الاكتفاء بتصويرهنّ كـ "ضحايا" أو كمحتجزات في الأسر، وبحاجة لمساعدة من قبل "الرجل البطل"، على غرار Mario وThe Legend of Zelda، حيث تظهر كل من Princess Peach و Princess Zelda كأميرتين في محنة والهدف من اللعبة هو إنقاذهما.

والواقع أنه لا يزال عدد البطلات الإناث في الألعاب قليلاً مقارنة بعدد الذكور، ولكن يبدو أن المشهد العام يتغيّر وإن كان بوتيرة بطيئة.

ففي فترة التسعينيات، كان من المعتاد أن يكون هناك خيار واحد: اللعب من خلال شخصية ذكورية قوية، والسبب يعود إلى أنه تم تصميم هذه الألعاب وتسويقها من قبل الذكور للذكور، لذلك غالباً ما يتم استبعاد الشخصيات النسائية، أو في أفضل الأحوال تكون متواجدة بأدوار ثانوية، في حين تُعطى الأدوار البطولية للرجل، مثل Pokemon Red.

ولكن مؤخراً، تم إطلاق نسخة أخرى من لعبة Pokemon، Let’s Go Pikachu على Nintendo Switch، والتي أثارت موجة من الحنين إلى الماضي عن طريق جلب رسومات جديدة لامعة إلى نفس القصة الأساسية، مع توفير خيار اللعب من خلال شخصية نسائية.

والحقيقة أنه مع مرور الوقت، بات مجتمع ألعاب الفيديو يضم تفاعلاً أكبر من الإناث، وهو مجتمع من المتوقع أن يزداد نمواً، بالإضافة إلى وجود أقوى لصانعات الألعاب، من هنا يعتبر البعض أن الأمور قد تتحسن في المستقبل القريب، بعدما قرر صنّاع الألعاب إشراك شخصيات نسائية تتمع بالقوة، على غرار الناجية Ellie في لعبة نهاية العالم The Last of Us، وهي الشخصية الرئيسية في النسخة الأحدث The Last of Us Two.

غير أن التغيير لا يزال معقداً بسبب الاختلافات الجوهرية في دوافع اللعب بين الجنسين: تتطلع النساء إلى إكمال وتصميم وخلق عوالم جديدة، في حين يميل الرجال إلى المنافسة، لذلك عندما تكون هناك شخصية أنثوية قوية، فإنها لا تزال تعمل ضمنياً في عالم الألعاب الذكوري.

الإغراء والإثارة

بالإضافة إلى وضعهنّ في خانة "الضعيفات" أو جعلهنّ عرضة للعنف أو التحرش والانتهاك في بعض الألعاب، على غرار Grand Theft Auto Five، غالباً ما يتم إضفاء الطابع الجنسي على الشخصيات النسائية، سواء كان ذلك من خلال شكلهنّ المغري أو عبر إظهارهنّ بالملابس المثيرة.

واللافت أنه حتى الشخصيات غير البشرية قد تخضع بدورها لقوالب نمطية سلبية تركز على صفات الأنوثة النمطية (girly)، فمثلاً من خلال إعادة تصميم الشخصية شيلا، وهي أنثى كنغر في لعبة Spyro Reignited Trilogy، تم منحها خصراً ممشوقاً ورموشاً براقة وتسريحة حديثة، الأمر الذي أثار حفيظة النقاد على وسائل التواصل الاجتماعي، متسائلين عن السبب الذي يكمن وراء جعل هذه الشخصية تبدو "مثيرة".

أما الإثارة الفعلية فقد بدأت بشكل خاص مع شخصية لارا كروفت، من سلسلة المغامرات تومب رايدر، في التسعينيات، إذ تعتبر كروفت من أوائل الشخصيات النسائية القوية، ليس فقط في ألعاب الفيديو ولكن في عالم الميديا بشكل عام.

وبمعزل عن قدراتها وقوتها، تم تصوير كروفت في السراويل الضيقة والتي شيرتات المثيرة، أي أن التركيز لم يكن على قوتها إنما على الشق الجنسي فيها.

وكان البعض قد امتعض من شكل وجسم كروفت، ولكن سرعان ما تم تبرير ذلك بالقول إن جمهور الألعاب في سلسلة Lara Croft كان في الغالب من الذكور.

وبعد مرور سنوات قليلة من طرحها، مرت شخصية لارا كروفت بالكثير من التطورات، بخاصة على صعيد الملابس والتركيز على قدرات البطلة وقوتها، بعيداً عن الإيحاءات الجنسية.

في سياق الحديث عن سوء تقديم المرأة في الألعاب، برزت لعبة Grand Theft Auto التي لاقت "شعبية" كبيرة، بالرغم من الانتقادات الكثيرة التي طالتها، بخاصة وأن اللعبة تقوم على فكرة سرقة السيارات، "تمجيد" فكرة التحرش الجنسي وقتل أكبر عدد ممكن من الشخصيات النسائية.

وفي حين يعتبر بعض المحللين أن هذه اللعبة غيّرت بشكل جذري صناعة ألعاب الفيديو، إلا أن البعض يتخوف من أن يؤدي هذا العنف الشديد ضد المرأة في ألعاب الفيديو إلى جعل الناس أقل تعاطفاً في العالم الحقيقي، هذا ويذهب البعض إلى القول إنه عندما يرى الأفراد الكثير من العنف ضد المرأة داخل اللعبة، فلن يشعروا بالصدمة من حدوث ذلك في الحياة الحقيقية، وهو أمر مثير للقلق، بخاصة وأن الأشخاص الذين يلعبون مثل هذه الألعاب هم بمعظمهم من الذكور.

التأثير النفسي

بالطبع لن نمرّ على ألعاب الفيديو بشكل تفصيلي، ولكن ما يمكن ملاحظته أن التمثيل النسائي في ألعاب الفيديو غير منصف، فقد وجدت دراسة أجريت في العام 1998 حول العنف وأدوار الجنسين في ألعاب الفيديو، أن 41% من الألعاب لم تتضمن شخصيات نسائية، في حين أن 28% من الألعاب تقدم النساء كأشياء جنسية و21% شملت عنفاً موجهاً ضد النساء.

في هذا الصدد، كشف بحث أجرته كل من هيلاري بينيل وإليزابيث بيهم موراويتز، في جامعة ميسوري، أن الشخصيات النسائية التي تلعب أدواراً معيّنة في عالم الأبطال الخارقين، يتم في الغالب ربطها بالإثارة والجنس، الأمر الذي يؤثر سلباً على المعتقدات التي تدور حول أدوار الجنسين، احترام الجسم والتشكيك الذاتي.

أوضحت الأخصائية في علم النفس وردة بو ضاهر، أن الصورة النمطية المرتبطة بالشخصيات النسائية في عالم ألعاب الفيديو تؤثر بشكل سلبي على النساء والرجال على حدّ سواء: "بالإضافة إلى العنف الذي يُمارس على النساء، هناك أيضاً ترويج للمرأة المثالية التي من المستحيل العثور عليها على أرض الواقع، الأمر الذي يؤثر على توقعات الرجل ويجعله يشعر بالضغط النفسي".

وأضافت بو ضاهر لرصيف22: "بيصير الشاب يبحث عن شي مش موجود وبيجرب يقمع البنات يلي بيتعرف عليهن، لينبش على الصورة يلي هو بيتمناها ويلي مش موجودة".

الشخصيات النسائية التي تلعب أدواراً معيّنة في عالم الأبطال الخارقين، يتم في الغالب ربطها بالإثارة والجنس، الأمر الذي يؤثر سلباً على المعتقدات التي تدور حول أدوار الجنسين، احترام الجسم والتشكيك الذاتي

وبالنسبة للنساء، اعتبرت وردة أنه سواء كنّ يلعبن هذه الألعاب أو يشاهدن لقطات معيّنة، فإن توقعاتهنّ عن أنفسهنّ وصورتهنّ قد تهتز، بالأخص في حال قام الرجل بالمقارنة بين شريكته والشخصية الخيالية: "بيصير يقلها شريكها مثلاً ليه ما بتعملي هيك؟ ليه ما بتكوني هيك؟ ليه ما بيصير شكلك هيك؟ والحقيقة أنو الشي يلي عم بيطلبوا منها هو شي fake (مزيّف) منّو موجود من أساسه".

وبالرغم من أن البعض يعتبرها مجرد شخصيات خيالية ولا تمت للواقع بصلة، إلا أن بو ضاهر تحدثت عن الخطر الكامن وراء بعض الشخصيات الموجودة في ألعاب الفيديو: "مع إنو هني رسوم وبيقول البعض إنن مش إنسان وبالتالي ما رح يجي الشخص يعمل identification (تماثل) معن بس لأ هالإشياء ممكن تأثر على صورة المرأة ونظرتها لحالها، بالأخص إنو صاروا بيعملو الشخصيات بشكل بيشبه كتير الإنسان".

من هنا شددت وردة على أهمية توعية الأشخاص بأن ما يرونه ليس الحقيقة، وبالتالي يجب أن تكون لديهم توقعات منطقية، وفي الوقت نفسه اعتبرت أنه يتعيّن على صنّاع هذه الألعاب أن يخرجوا من الصور النمطية لجهة تصوير الشخصيات النسائية بصورة بعيدة كل البعد عن الواقع: "متل ما انشغل مثلاً على لعبة باربي وصرنا نشوف باربي سوداء أو chubby (ممتلئة)... نفس الشي لازم ينشغل على الشخصيات النسائية بألعاب الفيديو، بالأخص إنو الولد لازم يتعرف على الـ diversity (الاختلاف) عبر هودي الألعاب، وهيدا بالنهاية الهدف من اللعبة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard