- أحتاج إلى هدية لطفل.
- ذكر أم أنثى؟ وكم عمره؟
سؤالان بديهيان يطرحهما على الزبون أصحابُ محال ألعاب الأطفال في العالم العربي، وفي مناطق أخرى من العالم. فالذكورة والأنوثة تحددان المتعة الذهنية في الهدية المنتقاة. هكذا تستغل الثقافة الفرق الفيزيولوجي بين الذكر والأنثى، وتنتج هويات نمطية تشكلها داخل وعي الطفولة ذاتها: علاقة الطفل مع جسده، ومحيطه الاجتماعي، ومع الألعاب التي توفر له متعاً ذهنية محددة.
يقول المعالج النفسي ياسر الملا: "لا شك في أن هناك تمييزاً في الثقافة العربية في التعامل مع الطفولة. مثلاً إنها أرحم مع الأنثى المتصبينة، مما هي عليه مع الصبي ذي التصرفات الأنثوية".
ألعاب البنات / ألعاب البنين
منذ السبعينيات من القرن الماضي، ينبه الباحثون في دراسات الجندر Gender، من التقسيم الكلاسيكي لمحالّ ألعاب الأطفال: قسم خاص للإناث، وقسم آخر للبنين. وفي الدول العربية، يمتد هذا التقسيم ليشمل المدارس والنظام التعليمي. كتب المعالج النفسي دونالد ويني كوت أن الطفل والبالغ يحتاجان إلى اللعب، فالإنسان يحتاج إلى اللعب لاكتشاف قدرته على الابتكار، وفي الحالة الابتكارية وحدها، يشعر الإنسان بذاته.
وعن أهمية اللعب في تكوين الشخصية، يقول الملا إن "للّعب 3 وظائف أساسية في حياة الطفل، الوظيفة التنموية، التي تساعده على أن ينمو ويكتشف قدراته الجسدية. الوظيفة التعليمية، وفيها يتعلم الطفل خصائص المواد من حوله، أو المخاطر المترتبة على الأعمال، أي أنه يتعلم من خلال التجريب الحسي والذهني. الوظيفة العلاجية، فقدرة الطفل على التعبير ضعيفة، ولا يمتلك ما يكفي من الأدوات، لذلك يستعمل اللعب للتعبير عن الصراعات التي يمر بها، والمشاعر والأحاسيس التي يختبرها".
ولكن التقسيم بين ألعاب الأطفال الذكورية والأنثوية، يقف عائقاً أمام احتمال أي تجربة فردية مغايرة، أو خصوصية البحث الذاتي، إذ يفترض أن لا يتشارك الصبي والفتاة الاهتمام باللعبة نفسها. وهذا يلغي حرية الخصوصية والاكتشاف، بأن ينجذب الطفل أو يختار متعة دون غيرها، وذلك في مرحلة لم يصل أي من الجنسين فيها بعد إلى سن البلوغ.
قسم التخيّل، قسم التقليد
"المهندس، الكيميائي، رجل الإطفاء، رجل الشرطة، لاعب كرة القدم..."، هي الصور المقدمة إلى الصبي عن نفسه على أغلفة ألعاب الأطفال في قسم البنين. أما في قسم البنات، فتغلب ألعاب المطبخ، الأدوات المنزلية المصغرة، وكل ما يعيد الأنثى العربية إلى إنتاج تجربة الزوجة، والأم، وربة المنزل، وتربيتها على هذه الثقافة.
مقالات أخرى
ضرب الأطفال مباح في القوانين العربية
هل تصبح هذه الألعاب من الماضي؟
يقول طعمة غالب، وهو موظف في محل ألعاب القاهرة إن "الكثير من الألعاب الأنثوية تكرر أغراض المنزل، مثل الغسالة الصغيرة، الفرن الصغير، إبريق تسخين مياه صغير... كل شيء هنا يوحي للفتاة بأن تعود إلى واقع الحياة اليومية، وأن عليها أن تستمتع بالواجبات المنزلية، التي رأت والدتها تقوم بها". في حين تمتلئ الذكورة بالخيال، وبالقدرة على اختلاق عالم غير موجود في الواقع، مثل سيارة Batman الرجل الوطواط، أو عالم Superman سوبرمان، أو كل ما يتعلق بالأبطال الفانتازيين. إنه عالم غير موجود وعلى الطفل أن يبتكره، فيعتاد خياله الابتكار، والمرونة، ويصبح فاعلاً أكثر في الخيارات، والعمل لأجل تحقيق عوالمه.
ويضيف الملا: "هناك تكريس للذكورة الفعالة أمام الأنوثة الناعمة. وفي علم النفس إن السلوك الذي لا يعزز في ثقافة الطفل، أي لا يكافأ أو يقدر، يزول. فما بالك بالفتاة العبقرية، التي تلبس النظارات وتهتم بالأرقام؟ إنها معرضة للسخرية في المجتمع العربي، وبالتالي ستحاول الطفلة التي تحب الرياضيات والقوانين، أن تبتعد عن هذه الخيارات".
أزياء الذكورة والأنوثة التنكرية
إذا ألقينا نظرة على الملابس التنكرية التي تقدمها محالّ ألعاب الأطفال في العالم العربي، لكل من الذكور والإناث. نلاحظ في القسم الذكوري تعدداً في الخيارات، من ملابس الجندي، إلى ملابس رجل الشرطة، أو رجل الإطفاء، والملابس البيضاء الخاصة بالعاملين في المختبرات أو الأطباء، وملابس لاعبي كرة القدم والسلة، عدا أزياء الشخصيات الخيالية السينمائية والتلفزيونية، مثل باتمان، الرجل العنكبوت، سوبرمان. أما القسم الأنثوي، فتطغى عليه الصورة الوردية النمطية للفتاة، لنجد خياراً وحيداً ممنوحاً لها هو زي الأميرة أو العروس، وهما صورتان تتشابهان في نهاية الأمر.
إن الأميرة والعروس تختزلان ما يقدمه تصميم ألعاب الأطفال العربي إلى فتاة دون الخامسة عشرة من عمرها، إذ عليها أن تختار بين الفستان الزهري للأميرة ورداء العروس الأبيض الشفاف، وكلتاهما العروس والأميرة، ستتأثران بالقوالب الثقافية في ما بعد لتنتظرا الفارس القادم لإنقاذهما، الفارس الذي كان رفيقاً في الطفولة، ثم ابتعد ليتحول فاعلاً، لأن الثقافة العربية تقدم له ما يوسع خياله.
وهكذا عبر تصنيف ألعاب الأطفال، وتصميمها، يتم التمييز منذ الطفولة في الدور الذي سيلعبه كل من الطفل الذكر والطفلة الأنثى في مستقبل المجتمع العربي، وتساهم الثقافة التمييزية في رسم مصيرهما، كمعطى جاهز لكليهما، يحرمهما حق الخصوصية، والتجريب، والاكتشاف، عبر تعزيز صور نمطية مكررة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...