شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الدم ما بيصير شاي"... صرخات الأردنيات تعلو عبر الإنترنت وفي الشوارع لوقف جرائم العنف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 23 يوليو 202006:52 م

"لا يوجد وطن حر دون نساء حرة"، هو شعار أطلقه حراك "طالعات في فلسطين"، في أيلول/ سبتمبر 2019، والذي تبنّته الحراكات والاحتجاجات النسوية في الأردن. لا يعني تكرار هذه العبارة غياب القدرة على ابتكار شعارات جديدة للتأكيد على الدفاع عن حقوق المرأة المهدورة، بل يعني أن نقطة النهاية لأي جدل أو حديث عن حقوق المرأة في المجتمعات العربية، هو التأكيد أن الطريق لتحرير الأوطان يبدأ بتحرير النساء من قيود الرجعية، لهذا عادت عبارة "لا يوجد وطن حر دون نساء حرة"، في احتجاج يوم أمس الأربعاء، 22 تموز/ يوليو، الذي حمل عنوان "صرخات الأردنيات".

انتقلت أصوات نساء أردنيات من العالم الافتراضي إلى الواقع، حيث تحولت حملة #صرخات_الأردنيات التي تصدرت موقع تويتر في الأردن أول من أمس، إلى تظاهرة على الأرض ،وتحديداً في الساحة المقابلة لمقر مجلس النواب، عصر يوم الأربعاء، حيث نظمت مجموعات من النسويات والناشطين/ات في العمل الحقوقي تظاهرة احتجاجية، رفعت من خلالها لافتات، استذكرت بعبارات قصيرة قصصاً قديمة لنساء أردنيات سقطن ضحايا لجرائم العنف الأسري، ولا شك أن السبب الأبرز للوقفة هو الجريمة البشعة التي راحت ضحيتها الأردنية أحلام، لعل وعسى، ومن خلال ما خرج من هتافات، أن تكون قصتها القصة الأخيرة لجرائم تحت كذبة الدفاع عن الشرف.

فيبدو أن أحلام التي قُتلت على يد والدها قبل أيام، والتي ظهرت أصوات صرخاتها وهي تحاول النجاة من مصير الموت عبر فيديو من الجيران، قد حفزت أصواتاً مقهورة حد الاختناق، كانت قد اختارت الصمت على مدى طويل، واليوم وبفضل صرخات أحلام نطقت أخيراً، وصرخت على العلن: "بدنا ثورة فكرية عالتقاليد الرجعية".


قصص أردنيات وصرخاتهن

تلك الأصوات المخنوقة صاحت قبل أن تصيح أمام مجلس النواب، عبر هاشتاغ #صرخات_الأردنيات المتصدر حتى الآن على تويتر، ومن يتصفح الوسم يصطدم بقصص نبشتها ذاكرة نساء، منهن من تعرضن لعنف أسري، ومنهن من كن شاهدات عيان على جرائم بشعة بحق نساء أردنيات، منها ما وصل حد القتل ومنها ما كان أبشع من مصير الموت، كما حدث مع أحلام.

من التغريدات التي نشطت عبر الهاشتاغ، قصص نبشتها المحامية والناشطة النسوية المحامية، هالة عاهد، من ذاكرة القضاء الأردني، ومن بين ما عرضته على السطح في تغريداتها، قصة لرجل سأل عن مكان ابنته التي كانت خارج المنزل وعادت وقت المغرب، وعندما أجابته بأنها كانت تتناول "البزر" على سطح البيت، رد عليها بضربها بالعصا وسكب عليها الكاز ثم أضرم النار بها، انتهت تلك القصة بوفاة الصبية بعد أيام متأثرة بحروقها.

نظمت مجموعة من النسويات الأردنيات والناشطات في العمل الحقوقي تظاهرة احتجاجية، رفعت من خلالها لافتات، استذكرت بعبارات قصيرة قصصاً قديمة لأردنيات سقطن ضحايا لجرائم العنف الأسري، ولا شك أن السبب الأبرز للوقفة هو الجريمة البشعة التي راحت ضحيتها أحلام

ومن ذاكرة المحامية عاهد، وهي تخرج عبر تغريداتها ملفات في أدراج المحاكم الأردنية، تحدثت عن قصص وجرائم عديدة، منها عن رجل صاحب سوابق، زوّج ابنته لزميله في السجن، وقبل أن يضع حداً نهائياً للمشاكل التي كانت تحصل بين ابنته وصديقه الزوج، هددها بعد أن كانت قد لجأت إلى بيت أهلها هرباً من المشاكل، قائلاً لها: "هاي الطلعة مرت على خير، والطلعة الجاي ما رح تعدي والله غير تنذبحي، وإذا بتفكري إني رح أوسخ إيدي فيكي بتكوني غلطانة، عندي بدل الولد أربعة".

وهرباً من عنف زوجها وتحسباً لتنفيذ والدها تهديده، اختارت تلك السيدة الهرب بأولادها من المنزل، وقام أبوها بتقديم طلب تعميم لاسمها عبر الشرطة، وبعد إيجادها تعهّد عند مكتب المحافظ بألا يقوم بإيذائها، التزم بذلك التعهد بأن قام بالاتفاق مع ابنه باستدراجها للذهاب لمنزل زوجها بحجة أخذ ملابسها، وهناك قام بطعنها عدة طعنات كادت أن تودي بحياتها.

من بين القصص أيضاً، قصة بتول حدّاد، والتي انتشرت أيضاً عبر هاشتاغ #صرخات_الأردنيات، حيث اختارت نساء التعبير عن قصة من لا يمكنها الصريخ، فقصتها، وبحسب ما نُشر في أكثر من تغريدة، أنها أردنية من عائلة مسيحية، اختارت أن تغيّر دينها وأن تمارس "حقّها" في حرية المعتقد، أما والدها، فقد تعامل مع هذا "الحقّ" بأخذها إلى منطقة حرجية في محافظة عجلون شمال المملكة، وقام بضربها ما أدى إلى تكسير قدميها وذراعيها، ثم أدخل سيخاً في بطنها، وعندها شكّ أنها لم تفارق الحياة بعد، حمل صخرة وألقاها على رأسها، فقتلها.

"ما كنت عارفة مين أنا"، هي عبارة ظهرت في فيديو نُشر في #صرخات_الأردنيات استعرضت قصة سيدة أردنية هربت من تعرضها لجريمة من أهلها باسم "الشرف"، فقامت الدولة بحمايتها من خلال تحويلها إلى التوقيف الإداري في السجن، توقيف دخلته تلك السيدة وهي في عمر الـ 25 وخرجت منه في عمر ال49ـ، وطوال تلك الفترة لم تحصل على إجابة "مين أنا"، ذلك السؤال الذي لم يغب عنها وهي تبحث عن نفسها وسط نزيلات ارتكبن جرائم قتل، مروجات مخدرات، نزيلات دعارة وغيرهن، كما تذكر في الفيديو.

حتى الفتاة نهى الشرفا التي أوجعت قلوباً كثيرة، كانت روحها ترفرف في صرخات أردنيات تعبن من استمرار العنف ضدهن وضد بنات بلدهن، تلك الطالبة الجامعية التي ذهبت ضحية "غيرة" شاب رفضه والدها لخطبتها، فكان رده أن تعقبها وهي خارجة من جامعتها وخطفها، وطعنها 27 طعنة بواسطة سيخ، غضباً من رفضها، ومحاولة الدفاع عن نفسها وهو يحاول اغتصابها، فماتت.

الراحلة حنان بني نصر، كانت حاضرة أيضاً في صرخات أردنيات، أحيين قصتها التي لم تستطع كل "فلسفة" التعنيف تفسيرها. فزوجها المجرم استغل طلبها منه أثناء وجودهم في رحلة عائلية في قناة الملك عبد الله، بأن يأخذ لها صورة لـ"الذكرى"، فقام بإغراقها في النهر، وعندما سأله المحقق عن سبب ذلك أجاب: "كثرة النق على راسي!".

من هتافات التظاهرة كانت: "لا شرف في جرائم الشرف، بدل ما تضب بنتك ربي ابنك، المرأة حقها تعيش... بدنا نعيش"، إضافة إلى  هتافات طالبت بإلغاء المواد القانونية في التشريع الأردني التي تسهل الطريق للمعنّف لممارسة جرائمه ضد المرأة

مشاركة ضخمة وشبابية

"الدم ما بصير شاي" عبارة في صورة، انتشرت مع صرخات أردنيات، تعتبر أصل الحكاية، حكاية الراحلة أحلام، التي حفزت جريمة قتلها خروج أصوات كانت أعلى هذه المرة من مطالبات سابقة قديمة/ جديدة، بوضع حدٍّ لجرائم قتل النساء باسم الشرف أو أي شيء آخر، وحدٍّ للعنف بحق النساء الذي لا يقل ألماً من القتل.

حكاية أحلام هي ذات الحكاية التي حولت صرخات أردنيات من صرخات افتراضية واستذكارية إلى صرخات على أرض صلبة، فاجأت الداعين/ات والمنظمين/ات أيضاً بحجم المشاركة التي كانت أكبر كثيراً من التوقعات، ومن بين ما صدح من هتافات في المكان: "لا شرف في جرائم الشرف، بدل ما تضب بنتك ربي ابنك، المرأة حقها تعيش... بدنا نعيش"، إضافة إلى شعارات وهتافات طالبت بالصوت العالي بإلغاء المواد القانونية في التشريع الأردني التي تسهل الطريق للمعنّف لممارسة جرائمه ضد المرأة، مثل، المادة 52 من قانون العقوبات الأردني، وهي التي تتحدث عن إسقاط الحق الشخصي وتنص على: "إن صفح المجني عليه يسقط دعوى الحق العام والعقوبات المحكوم بها التي لم تكتسب الدرجة القطعية إذا كانت إقامة الدعوى تتوقف على اتخاذ صفة الادعاء بالحق الشخصي أو تقديم شكوى".

في حديث مع ريم (طلبت نشر قولها فقط باسمها الأول دون اسم عائلتها، خوفاً من هجوم آخر متوقّع عليها، حسب تعبيرها)، هي ناشطة نسوية عشرينية، هتفت خلال الوقفة: "بدنا ثورة نسوية غصب عن الذكورية"، تقول عن مشاركتها، وعن الوقفة بشكل عام لرصيف22: "أجمل ما فيها مشاركة نساء من شرائح وخلفيات مختلفة، كشفت عن حالة تضامن نسوي لدينا مبشّر"، وأضافت: "هذه الوقفة جزء صغير من الطريق الطويل للنسويات في حراكهن من أجل تحقيق العدالة والحماية للمرأة والتغيير الإيجابي".

ريم كغيرها ممن شاركن في التظاهرة، تعرضت لهجوم إلكتروني بعد انتهاء الاحتجاج، وتقول في هذا الخصوص: "ما تعرضت له طبيعي لنهج الذكوريين في مهاجمتنا ومحاولات تشويه سمعتنا، وبصراحة نتائج هذا الهجوم جعلني أشعر بحجم قوتي كنسوية، وحجم تأثيرنا وصدق قضيتنا وحقيقتها، نبهني هذا الهجوم أننا النسويات نجحنا في الحديث عن أصوات النساء هذه الأصوات التي لا يريد المجتمع الذكوري إيصالها".

إن شعار "الدم ما بصير شاي"، كان جديداً على شعارات الحراكات الاحتجاجية النسوية، والتي جاء تزامناً مع جريمة مقتل أحلام، لكنه ليس الجديد الوحيد، فلاحظت من خلال وجودي في المظاهرة وجود وجوه شبابية جديدة وكثيرة قادت الوقفة، وجوه لم تكن تظهر سابقاً في اعتصامات واحتجاجات الحركة النسوية الأردنية ذات التاريخ والعمر الطويل، ربما كان أصحابها أصغر سناً من الخروج إلى الشارع والصراخ بـ "لا" بوجه كل ما هو "نعم" لتعنيف المرأة الأردنية وقتلها. واليوم، وبينما تقود هذه الوجوه الجديدة المشهد النسوي، ربما يكون الحل بأياديهم/ن، مثل تلك الأمنيات التي تحلم بأن يحقق الجيل الجديد كل أحلام الانتصار، بعالم فيه عدالة ومساواة وكرامة وحرية لكل الفئات المقهورة والمستضعفة والمظلومة.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image