شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"حين دخلتُ عالم الشك"... شهادات لشباب مغربيين تركوا الموروث الديني لصالح التديّن الفردي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 20 يوليو 202007:28 م

يرفض حُراس المرجعية الدينية وَصْفة التحوّل المنسجمة مع خطاب العولمة، والتي تتجاوز ثقافة مجتمع ما وقيمه لتأسيس قيم كونية تحت اسم التحرر والتحديث. هكذا تبدو الديانات السماوية - خاصة الإسلام- عصية على التغيير، بسبب خطاب يدعو إلى التقوقع والتشبث بالقيم الخصوصية، ومع ذلك يمكن العثور على خطاب توفيقي بين المشروع الحداثي والقيم الإسلامية في المجتمع المغربي.

رؤية تنزع القداسة

عندما يستمد الأفراد معرفتهم الدينية من رؤية ذاتية تنزع القداسة عن مشروعية المؤسسات الدينية وحركات الإسلام السياسي أو الزوايا الصوفية، فإننا نعني بذلك التدين الفردي الذي برز خلال السنوات الأخيرة على الخارطة الدينية في المغرب. هناك من يدعوه بالتدين الشبابي، على اعتبار أن الشباب يشكلون الفئة العمرية الأكبر في هذه الخارطة، لكنه يبقى نمطاً حراً ذاتياً من التدين يعكس التحول المنسجم مع موجة الفردانية المتنامية.

يذهب الباحث الأكاديمي في سوسيولوجيا الدين رشيد جرموني إلى الاعتقاد بأن ظاهرة التدين الفردي هي محاولة لإعادة تعريف السلوك الديني وبنائه من خلال التجربة الذاتية، مشيراً إلى أن "الناس يبنون اختياراتهم على أساس حر، فالدولة كانت تحتكر قراءة الدين، وهو ما أدى إلى فقدان الثقة في المؤسسات الرسمية الدينية، بالتالي بدأ الناس يبحثون عن قراءات متوافقة مع نزعتهم الدينية".

في حواره مع رصيف22، يشير الباحث المغربي إلى أن التدين الشعبي الذي يمزج بين عناصر متراكمة من الأسطورة والخرافة ويضفي عليهما صبغة دينية مختلف عن التدين الفردي، وقد برز الأخير بفضل الطفرة التكنولوجية.

"في السابق كان الناس يلجأون إلى مؤسسات الفتوى عندما تواجههم إشكالية معينة، والآن إما يبحث الفرد بنفسه عن الاختيارات التي تناسبه، أو يرجع إلى بعض الدعاة الجدد وهم ليسوا بعلماء دين، ولا يمثلون مرجعية للإسلام السياسي"، يقول جرموني.

"حين دخلتُ عالم الشك"

قد يُسقط الفرد كل المرجعيات الدينية بما فيها الأسرة، كما حدث مع مريم كورو (28 عاماً) التي هاجرت من المغرب عندما كانت في الـ17 من عمرها، ليستقر بها الحال في تركيا من أجل الدراسة والعمل.

تعترف مريم في حديثها لرصيف22 بصدمة نفسية عاشتها، حين أدركت أن مسار حياتها قبل الهجرة لم يكن ذي جدوى، وآنذاك بدأت تختبر نمط حياة جديد وتقلد أسلوب عيش الناس في بلدها الثاني.

تعمل مريم مترجمة ومستشارة نفسية، وتقول: "أسرتي كانت تصر على الاستحياء الزائد باعتباره شيمة حميدة، وأن الفتاة المسلمة يجب ألا ترفع عينها للأعلى أو تخالط الفتيان والرجال"، لكن في ما بعد أدركت مريم أن هذا السلوك جعل منها امرأة "غبية اجتماعياً وغير قادرة على نسج علاقات مع الآخرين".

تشرح: "حتى أتجاوز هذه العزلة، كان لزاماً علي أن أضرب هذا المبدأ عرض الحائط، بعدما اكتشفت أن ما كنت أتجنبه لم يكن في مصلحتي، لهذا قررت أن أفعل ما كنت أخاف منه".

هكذا يربى الإنسان على مبادئ تلقاها من أسرته المحافظة، لكن في ما بعد تتلوّن حياته بتجربة شخصية تدعوه إلى التخلي عن بعض المعتقدات، كما هو الحال مع مريم.

"في وقت ما من حياتي فكرت في مرحلة ما بعد الموت، عندما ترجع الروح إلى بارئها، وتساءلت عن حقيقة عذاب القبر ما دامت الروح قد انفصلت عن الجسد الذي يتحلل في ما بعد؟ وخلصت إلى أن الإنسان لن يشعر بأي عذاب في هذه الحالة"، تقول مريم.

"أسرتي كانت تصر على الاستحياء الزائد باعتباره شيمة حميدة، وأن الفتاة المسلمة يجب ألا ترفع عينها للأعلى، لكن في ما بعد أدركت أن هذا السلوك جعل مني امرأة غبية اجتماعياً"... مريم واحدة ممن أعادوا النظر في الموروث الديني وبناءه وفق تجربة الذاتية، فماذا تخبر عن التجربة؟ 

مع الوقت، دخلت مريم عالم الشك، إلى درجة بدأت تعتقد أن "القرآن إبداع بشري وليس تنزيلاً إلهياً، وأن الله لم يبعث رسلاً وأنبياء للتواصل مع البشر"، كما تصف جزءاً من عالم عدم اليقين الذي شعرت به، لتقول إنها اقتنعت بأن "المرء بحاجة إلى الدين من أجل تغذية ذكائه الروحي، والممارسة الدينية تذكي البعد الروحي من خلال البحث الشخصي وتكوين المعرفة الدينية الخاصة بالفرد، لكن ليس عن طريق تقليد الآخرين".

توضح مريم أنها ألغت جانباً من التدين بالوراثة، لكنها وجدت في ذلك التحوّل لديها مشكلة مع أفراد أسرتها، فهم "صُدموا من أفكاري التي تدعو إلى التوفيق بين البعد الروحي والبعد المنطقي على حد سواء، وبالتالي أشعر أنني أعيش في عزلة عن المجتمع الذي ترعرعت فيه".

"عبادة الله لا تكون بالضرورة ابتغاء لكسب مزيد من الحسنات ورغبة في دخول الجنة ورهبة من النار"، تتابع مريم مضيفة: "أنا متدينة حباً في الله، والصلاة هي هبة ربانية بالنسبة لي، أعتبرها رياضة تأملية تحقق لي ارتياحاً نفسياً، وتكسبني طاقة إيجابية تجعلني أمضي قدماً في حياتي بكل يُسر… أملأ بها الخواء الروحي".

وتتمثل الشابة المغربية الجنة كـ"مجتمع سامي ومثالي ما بعد الحياة"، إذ "أن التجربة الأرضية تُعلّم الفرد الكثير من الأمور، وتساعده على بناء وعيه الخاص لتخلصه من النزعة الحيوانية فيعبر إلى مرحلة السمو الروحي"، وحتى لو فشل الفرد في تحقيق سموه الروحي، "لديه فرصة للمرور عبر إصلاحية (النار التي لا تحرق) ليلتحق في ما بعد بركب الأوائل"، وفق تعبير مريم.

"عندما أنهيت دراستي الثانوية استشعرت عدم انتمائي لأية مرجعية دينية، واخترت أن أشكل قناعاتي الدينية على نحو شخصي حر"... شاب مغربي يروي تجربته مع خيار التدين الفردي، وكيف تعامل محيطه مع أفكاره المختلفة عن الدين وتعاليمه

"الإسلام الحركي سلبني طفولتي"

يعتبر رضوان التهليلي (34 عاماً) أن الصلاة ضرورية ولا تشكل أي عبء يومي. "أنا ملتزم بإقامتها منذ كان عمري ست سنوات"، يقول الشاب الذي يعمل مدرساً بمدرسة ابتدائية في حواره مع رصيف22.

يروي رضوان أن إحدى حركات الإسلام السياسي في المغرب كانت قد نجحت في استقطابه عندما كان في العاشرة من عمره، وذلك عن طريق جمعية للطفولة والتخييم. قضى ست سنوات منتمياً لهذه الحركة ثم انتمى إلى جماعة إسلامية أخرى، وبعدها دخل زاوية صوفية، لكن "عندما أنهيت دراستي الثانوية استشعرت عدم انتمائي لأية مرجعية دينية، واخترت أن أشكل قناعاتي الدينية على نحو شخصي حر"، يضيف رضوان.

ويشير إلى أنه خلال فترة الالتزام الحركي دخل في صراع مع أسرته، ويوضح قائلاً: "كنت صغيراً آنذاك وأنا أحاول ممارسة الدعوة بين أفراد أسرتي، إذ بدأت في النهي عن متابعة بعض المسلسلات والاستماع لنوع من الأغاني، وإعطاء ملاحظات حول طريقة لباس أخواتي... خلق لي هذا صراعاً مع العائلة، ولم أقض طفولتي كباقي الأطفال"، لهذا السبب لا يخفي رضوان ندمه على الفترة التي قضاها منضوياً تحت لواء الإسلام الحركي.

"كنت في البداية متلقياً، أسمع وأطبق ما يقال لي من تعاليم دينية... لكن في ما بعد بدأ الحس النقدي يعمل معي، خصوصاً عندما كنت أتلقى العديد من الأفكار التي لم أكن أجدها منطقية". 

التمرد ضد هذا الولاء للمرجعية الحركية لم يكن وليد لحظته آنذاك، بل مر بفترة انتقالية بالنسبة لرضوان. "كنت في البداية متلقياً، أسمع وأطبق ما يقال لي من تعاليم دينية... لكن في ما بعد بدأ الحس النقدي يعمل معي، خصوصاً عندما كنت أتلقى العديد من الأفكار التي لم أكن أجدها منطقية. على سبيل المثال، سمعت في إحدى جلسات الوعظ أن أحد الصحابة ختم القرآن في ركعتين، ولم أتقبل هذه الرواية التي تخالف العقل".

يؤمن الشاب بأن الإرث أحكام وقفية لا ينبغي أن تخضع للتغيير، في حين أن قانون العقوبات في الإسلام (الحدود) يجب التغاضي عن تطبيقها في ظل الدولة المدنية التي يسود فيها القانون.

ويوضح رضوان أنه غير مهووس بطلب الفتوى من أي شيخ أو داعية، "لأن مسألة الحلال والحرام لا تندرج ضمن قناعاتي، فأنا أفعل ما أراه مناسباً لي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image