شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
تعليقاً على نقاشات فيسبوكية مغربية... ما الذي يدفع المجتمعات الذكورية لمهاجمة النساء المستقلات؟

تعليقاً على نقاشات فيسبوكية مغربية... ما الذي يدفع المجتمعات الذكورية لمهاجمة النساء المستقلات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 6 يوليو 202004:44 م

نشر صانع محتوى، معروف لدى المغاربة بتوجهاته الإسلامية وخرجاته الباحثة عن الشهرة بأي ثمن، مجموعةً من التدوينات المستفزة على موقع فيسبوك، وجّهها إلى "المسلم الذي يحمل همّ الدين"، على حد قوله، ينصحه من خلالها ألا يتزوج امرأة عاملة أو أكملت دراساتها العليا، لأنها لا تصلح لأن تكون أماً ولا زوجة، ويصف فيها الآباء الذين يسمحون لبناتهم العشرينيات بالدراسة بدل تزويجهن بالأصل الفاسد.

هذه التدوينات، بالإضافة إلى عدة تعليقات وصفت بالوقحة، منها تعليق وجهه لممرضة ذكّرته أن من يفكرون مثله دائماً يبحثون عن ممرضة أو طبيبة إذا مرضت زوجاتهم، فشكرها باستهزاء لأنها قررت رمي أبنائها في الحضانة كي تعالج زوجته، نزل عليه وابل من الانتقادات والاستنكارات، خصوصاً وأنه سبق أن أعلن زواجه من أستاذة لغة إنجليزية قبل أقل من العامين.

لدرجة أن البعض استنتج أن ما كتبه لا يمكن أن يكون نابعاً إلا من تجربة شخصية.

وتعود شهرة صاحب التدوينة الملقب بـ"الشيخ سار"، كما كان يدعو نفسه حين كان مغنياً للراب، إلى عام 2014، عندما نشر على قناته باليوتيوب فيديو بعنوان "رجل يتعرض لـ 100 تحرش جنسي خلال ساعة"، وضمنه صور مؤخرات نساء مغربيات مررن أمامه في الشارع، واتهمهن بالتحرش به بلباسهن، ما دفع الكثير من الجمعيات حينها إلى التنديد بفعلته وجعله محط الأنظار لمدة قصيرة، قبل أن تخفت شهرته التي دأب على محاولة استرجاعها طيلة السنوات الماضية، عن طريق مهاجمة النساء، بدءاً من وصفه لرئيسة حزب مغربي بناقصة عقل ودين، وصولاً إلى تقريعه للموظفات اليوم.

الخوف المشترك من المرأة المستقلة، يترجم في عمقه ردة فعل المجتمعات الذكورية التي بدأت تحس بفقدان السيطرة، ويُنبئ بانتهاء عصر بطولة الرجل التي توّجته بها الشريعة والعادات

وإذا كانت السيرة الذاتية الشيّقة لهذا الشيخ الشاب الذي فشل في غناء الراب، وفشل أيضاً في الحصول على شهرة محترمة دون الاعتماد على تحقير النساء، وأوشك أن يدخل السجن بسبب ما فعله بهن، تجعل ما كتب متوقعاً منه وغير ذي قيمة، كما هو رأي الكثيرين، فإن نفس المحتوى سبق وأن روّج له ودافع عنه منذ مدة قصيرة، أحد المدونين المغاربة المعروفين بتوجهاتهم الحداثية، والقاطن حالياً بكندا، حيث نشر تدوينة مفادها أن المرأة العاملة لا تصلح للزواج، لأنها فاشلة كزوجة ولن تقوم بعملها الأساسي، أي الطبخ والتنظيف وتربية الأبناء، كما أن عملها يجعل الزوج مغلوباً على أمره، ودعم نظريته باعتراف مفزع، قال فيه إن مديرته في العمل شخص كفؤ، ولكنه حين راقبها وبحث في حياتها الشخصية وجد أنها فاشلة كأم وزوجة.

هذا الخوف المشترك من المرأة المستقلة، يترجم في عمقه ردة فعل المجتمعات الذكورية التي بدأت تحس بفقدان السيطرة، ويُنبئ بانتهاء عصر بطولة الرجل التي توّجته بها الشريعة والعادات.

لكن ما يغفله هؤلاء المهاجمون أن فئة النساء التي يهاجمنها، أي فئة المتعلمات والموظفات، ما هي إلا جزء من كلّ، وتخفي خلفها واقعاً وحقيقة أكبر.

فقد سبق أن كشفت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب سنة 2014، أن واحدة من كل ست أسر تعيلها امرأة، أي حوالي مليون و 200 ألف أسرة ترأسها نساء، وأن حوالي الثلثين من هؤلاء النساء لا يعرفن القراءة والكتابة، وأن الداعي الأساسي لخروجهن إلى سوق العمل ليس الرغبة في الرفع من المستوى الاجتماعي أو مواصلة التكوين، بقدر ما هو الحاجة الماسة لتأمين لقمة العيش وتوفير المتطلبات الحيوية، لها ولمن تعيل، بما فيهم الأزواج أحياناً.

في الحقيقة، إن النقاشات الفيسبوكية بين الإسلاميين والحداثيين عما يجب أن تفعله المرأة، هي في الأصل نقاشات صالونات بعيدة عن الواقع وتحدياته، فلو أن ما يهم المدونين ومتابعينهم هو فعلاً الحفاظ على الأسرة والمجتمع، لتحدثوا عن النساء اللاتي ذكرهن تقرير المندوبية السامية للتخطيط، النساء اللاتي اقتحمن سوق العمل مرغمات لا بطلات، في الغالب بسبب رجل لم يقم بدوره كما يجب، أو على الأقل، لسلّطوا الضوء على وضعية النساء اللاتي يشتغلن في ظروف مزرية، بمرتبات هزيلة وبدون حقوق، ويتعرّضن للتحرش في أماكن عملهن بصمت خوفاً من فقدانه، واللاتي يقفن يومياً بالعشرات أمام محاكم الأسر بانتظار حكم نفقة أبنائهن، أو احتماء بالقانون من عنف زوجي لا يستطعن رده.

 ما يدفع الرجل المغربي، أو الشرقي عموماً، لمهاجمة النساء المستقلات عن قناعة، خوفاً من أن تفقده هذه الاستقلالية سلطته وقوامته وأفضليته، وهروباً من الواقع الذي تثبت فيه المرأة يوماً بعد يوم كفاءتها وأهميتها في جميع الميادين، دون أن تلقي بالاً لصراخه المستمر بأن مكانها هو المطبخ

لكن الحقيقة هو أن الرجل المغربي، والشرقي عموماً، لا يتحدث عن هؤلاء لأنه لا يخافهن، ولأنه في قرارة نفسه يفضل أن يراهن هكذا، مكسورات الجناح، على استعداد للدخول تحت وصايته، بدل أن يكن قويات مكتفيات ذاتياً، كي يستطيع عيش دور "سي السيد" وإكمال نواقص رجولته على حساب ضعفهن، وهذا ما يدفعه لمهاجمة النساء المستقلات عن قناعة، خوفاً من أن تفقده هذه الاستقلالية سلطته وقوامته وأفضليته، وهروباً من الواقع الذي تثبت فيه المرأة يوماً بعد يوم كفاءتها وأهميتها في جميع الميادين، دون أن تلقي بالاً لصراخه المستمر بأن مكانها هو المطبخ.

خلاصة القول، هو أن الوقت قد حان كي تتقبل المجتمعات المنغلقة أن للمرأة كامل الحرية في ولوج سوق الشغل من عدمه، في اختيار سن الزواج أو العزوف عنه، وفي اتخاذ جميع القرارات التي تخصّها بالطريقة التي تراها مناسبة لها، دون أن يعطي أي رجل، زوجاً كان أو أباً أو أخاً أو صانع محتوى على الويب، الحق لنفسه بأن يملي عليها أفعالها، لأنها بحكم الطبيعة والقوانين، إنسان عاقل كامل الأهلية، لا فرق بينه وبين الرجل إلا بالجنس.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image