خلقت أغنية بعنوان "المغتصب هو أنت"، والتي أدتها مجموعة من الناشطات النسويات المغربيات، جدلاً حاداً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعبّر الأغنية التي تم تأديتها، عن شكل احتجاجي ظهر أول مرة في العاصمة التشيلية سانتياغو، من قبل ناشطات نسويات، وتزامن إطلاقها حينها مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، تنديداً بالتمييز الجنسي والاغتصاب والتعنيف الذي تتعرض له النساء التشيليات خاصة، ونساء العالم عامة.
هذه الحركة الاحتجاجية تمّ تبنيها في العديد من الدول لاحقاً، وسبق أن أدتها ناشطات تونسيات أمام مقر الحكومة، ونائبات تركيات داخل مبنى البرلمان وغيرهن، دون أن يتم تحقيرهن ومهاجمتهن كما حصل مع الفنانة التشكيلية السبعينية خديجة طنانة (زعيمة الأغنية)، وباقي ناشطات "حريتي جسدي" في المغرب، اللواتي تعرضن لحملة تحقير وسب وقذف شرسة، بعد نشر شريط الفيديو.
وما زاد الطين بلة، أن الهجوم الشرس عليهن لم يكن مبنياً على نقد فني موضوعي لشريط فيديو، أو على آراء بريئة لا يروم أصحابها إلا انتقاد الأغنية أو طريقة أدائها، بل صبّت كل التعليقات والتدوينات في اتجاه واحد هو السخرية من النساء اللواتي ظهرن في شريط الفيديو، والسخرية من شكلهن، جسدهن، وحتى أعمارهن.
للأسف، الكم الهائل من الاستهزاء والتحقير، وحتى التنمّر الذي تعرضت له الناشطات المغربيات لم يقتصر هذه المرة فقط على عموم الناس، لكن العدوى انتشرت ووصلت إلى من يفترض أنهم "النخبة"
للأسف، الكم الهائل من الاستهزاء والتحقير، وحتى التنمّر الذي تعرضت له الناشطات المغربيات لم يقتصر هذه المرة فقط على عموم الناس، لكن العدوى انتشرت ووصلت إلى من يفترض أنهم "النخبة"، حيث علّق أحد الصحافيين الذين ساعدهم انضمامهم الى حركة "عشرين فبراير" الثورية سابقاً، على الالتحاق بمجال الإعلام والصحافة، والعامل حالياً في إحدى المنابر المعروفة بمناهضتها للرجعية والتي تتبنى منذ زمن طويل مبادئ التنوير والحداثة، في تدوينة على صفحته بالفيسبوك، قائلاً: "الفيديو يشجع على الاغتصاب لا يحاربه"، وحاول بعد ذلك تبرير تعليقه المستفز بعد موجة استنكار عارمة من طرف زملائه في المهنة، والعديد من الناشطين الذي شاركوه في تجربة عشرين فبراير، بأنه مجرد محاولة لنقد المستوى الفني المتردي الذي أظهره شريط الفيديو، بطريقة ساخرة.
ما يحز في النفس مؤخراً، هو انضمام بعض المحسوبين على التيار الحداثي، والمثقفين والفنانين إلى زمرة الذكوريين المتعصبين، في الوقت الذي كان يُنتظر منهم أن يسهموا في الارتقاء بالنقاش، ويكونوا مثلاً أعلى لغيرهم من الرجال، وخصوصاً الشباب
وشخصياً، لا أعرف متى تحولت مواضيع حساسة مثل الاغتصاب، إلى مواضيع يجوز السخرية منها، وكيف استطاع صحافي يعلم تمام العلم بحكم عمله، أننا نعيش في مجتمع يسيطر عليه الكبت الجنسي، وغارق في وحل الاعتداءات الجنسية وجرائم اغتصاب الأطفال والرضع والعجزة، وحتى الحيوانات - كما سبق وحدث في مدينة سيدي قاسم- أن يسمح لنفسه بالتطبيع مع الاغتصاب ولو مجازاً، بغرض السخرية من نساء، مهما اختلفنا معهن، فعلى الأقل تحسب لهن محاولة إيصال الفكرة، وشجاعة محاولة محاربة ظاهرة الاعتداءات ولو بأغنية.
فمع القليل من البحث عن الأغنية وأسباب ظهورها كان سيجد أن هدف منظِّمات الاحتجاج الأساسي من إطلاقها، هو الحصول على اعتراف من طرف المجتمع بأن العنف ضد المرأة ليس ذنبها، وأن الرجل العنيف هو من يجب أن يشعر بالإذلال ويخجل من جرمه، إلا أن الصحافي كان له رأي آخر، وقرر أن يعبّر عنه، لو جاز تسمية ما كتبه رأياً، بتدوينة تنسف الفكرة الأساسية للأغنية.
ناهيك عن تعليقات بعض المدوّنين الآخرين التي صبّت باتجاه أن الفنانة التشكيلية خديجة طنانة، وباقي المشاركات، "غير صالحات للاغتصاب" بسبب عمرهن أو شكلهن، أي أن هذه الجريمة بمثابة تقدير من الجاني لجمال الضحية، ووسام شرف يجب عليها أن تفتخر به، لأن المغتصب لن يعتدي عليها لو كانت متواضعة الجمال أو عجوزاً، وغيرها من التدوينات التي تكرّس التفكير الذكوري بشكل وقح، وتهاجم المشاركات في الأغنية لأشخاصهن لا للعمل الذي قدمنه، كما هي عادة الذكوريين.
هذه ليست المرة الأولى التي يتحوّل فيها انتقاد عمل صدر عن امرأة، إلى انتقاد شخصها وشكلها وحياتها الخاصة، والحطّ منها، وأحياناً الضرب في شرفها واتهامها بالعهر، وباستخدام جسدها من أجل الوصول إلى أهدافها، بما أننا نعيش في مجتمع لا تُنصف فيه النساء
طبعاً، هذه ليست المرة الأولى التي يتحوّل فيها انتقاد عمل صدر عن امرأة، سواء كانت فنانة، صحافية أو حقوقية، إلى انتقاد شخصها وشكلها وأخلاقها وحياتها الخاصة، والحطّ منها، وأحياناً الضرب في شرفها واتهامها بالعهر، وباستخدام جسدها من أجل الوصول إلى أهدافها وكسب قاعدة جماهيرية، أو إضفاء الشرعية على نقد العمل نفسه، بما أننا نعيش في مجتمع لا تُنصف فيه النساء.
لكن ما يحز في النفس مؤخراً، هو انضمام بعض المحسوبين على التيار الحداثي، والمثقفين والفنانين إلى زمرة الذكوريين المتعصبين، في الوقت الذي كان يُنتظر منهم أن يسهموا في الارتقاء بالنقاش، ويكونوا مثلاً أعلى لغيرهم من الرجال، وخصوصاً الشباب.
وإلا فكيف نستطيع توجيه الجيل الصاعد وتغيير الأفكار العنصرية والذكورية، وبناء مجتمع متحضر، إذا كان بعض من في النخبة نفسها يحتاج إلى إعادة النظر في أقواله وأفعاله، فمن المعروف أنه: "إذا كان رَبُّ البيتِ بالدفِّ ضارباً، فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهِمُ الرَّقصُ".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...