شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
“يصورونها شريرة ليسيطروا عليها“... مأساة الأرامل في المغرب

“يصورونها شريرة ليسيطروا عليها“... مأساة الأرامل في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 31 ديسمبر 201902:19 م

"ولد الهجالة"، يسمع عزيز كثيراً هذا الوصف من الأسرة والجيران، منذ وفاة والده وهو في الثالثة عشر، وهو وصف يطلق على الأيتام الذين ربتهم امرأة في المغرب.

يقول عزيز الفاتحي، اسم مستعار، (39 عاماً) وهو مدير شركة خاصة بالمبيعات في الدار البيضاء، لرصيف22: "أكثر ما يثير الاستياء أن يلتصق بطفل فقد والده هذا الوصف التمييزي طوال حياته، لمجرّد أنه تربى في كنف امرأة، ويتم اعتبار هؤلاء الأطفال اليتامى أقل شأناً".

ما زال العديد من المغاربة يطلقون عبارة "ولد هجالة" على ابن كل أرملة فقدت زوجها، ويتضمن هذا التوصيف تحقيراً لأبناء وبنات الأرامل وإهانة لأمهاتهم، على اعتبار أن تربية المرأة الأرملة أو "الهجالة" كما يرون، غالباً ما تكون تربية "ناقصة"، وأن أبناء وبنات الأرامل ليست لديهم خيارات كثيرة في الحياة، ويحاسبون على أبسط الأخطاء التي يرتكبونها، ليتم ربط أخطائهم بالتربية السيئة، تربية "الهجالة".

"يعتبرون أمي عاهرة"

"هل اليُتم عار وهل الترمل خطيئة؟"، يتساءل الفاتحي، ويضيف قائلاً: "ألا يكفي أن يتيتَّم طفل في الثالثة عشر من عمره، وألا يكفي أن تتحمَّل المرأة صعوبة العيش، وتربية الأطفال حتى تضاف إليها هذه النظرة الدونية الموجهة لنا ولأمهاتنا الأرامل، في حين أجد نفسي أحسن مجتمعياً، من الكثيرين ممن عاشوا في كنف آبائهم".

يعتبر الناشط الحقوقي محمود شاكر، إطلاق وصف "ولد الهجالة" نعتاً تمييزياً، يقول شاكر لرصيف22: "يقال للمرأة التي توفى زوجها، وينتقل هذا اللفظ مباشرة للأبناء عبر وصفهم في الشارع، وحتى في الحوارات العائلية، بهذا الوصف القدحي، على اعتبار أن أبناء الأرامل قليلو التربية، حيث أن الأب حسب زعمهم هو من يربي".

ويشرح شاكر وجهة نظر المجتمع المغاربي أكثر: "نجد أن غالبية المغاربية، وخصوصاً في الأحياء الشعبية، يرون أن أم "ولد الهجالة" مجرد عاهرة أو امرأة منحرفة، مستعدة لممارسة الجنس مع أي رجل، فهناك من الرجال من يرى في "الهجالة" فريسة يسهل اقتناصها، والنيل منها، وممارسة العلاقة معها، وهناك أيضاً من يرى فيها تلك الخادمة التي تحمل على كتفيها كتلة من الخطأ والخطيئة".

"أعيّر دائماً من طرف عائلة زوجي ببنت الهجالة".

عانت أسماء لحرش، اسم مستعار (29 سنة)، محاسبة في شركة خاصة، هي الأخرى من النعوت التي يلصقها الناس باليتيم ووالدته حتى بعد الزواج، تقول أسماء لرصيف22: "مؤسف فعلاً، في مجتمع يتبجح بثقافته وحضارته مثل المجتمع المغربي، لازال يحافظ على الأحكام المسبقة والسلبية العالقة في الأذهان، والذي يتمثل في أن الأرامل لا يحسنّ التربية، وأن بنات الأرامل قليلات التربية، حيث أنهن وحيدات وبلا أب يحكمهن أو يوجّههن، وأنا شخصياً عانيت كثيراً من هذه المسألة، وكنت أعيّر دائماً من طرف عائلة زوجي ببنت 'الهجالة' ومهما عملت تظل تربيتي ناقصة لكوني تربيت في كنف امرأة".

تضيف أسماء لحرش، "أحياناً كنت أعير ببنت العاهرة لمجرد أن أمي ترملت في سن مبكرة ولم تتزوج بعد وفاة أبي، لتصبح في نظر المجتمع عاهرة".

وتنهي أسماء كلامها بغضب: "أن يتم ربط امرأة أرملة كرست حياتها لتربية أبنائها وحمل مسؤوليتهم بالعهر، مؤسف فعلاً أن يحط المجتمع من قيمة أبناء الأرامل وجعلهم في الدرجة الثانية من التربية والأخلاق. ثم من يثبت أن تربية الأرامل غير صالحة وغير متزنة".

أمثال وحكايات تدين الأرامل

"إلا تزوجوا تعوجوا، وإلا تهجلوا تحوجوا"، هو إحدى أبرز الأمثلة الشعبية التي تكرس التمييز ضد المرأة التي فقدت زوجها، ويصورها كحائط قصير يمكن القفز عليه بسهولة.

تقول الأكاديمية والباحثة في شؤون المرأة المغربية لطيفة البوحسيني، لرصيف22، إنه لطالما تناولت الأمثال الشعبية المغربية المرأة كموضوع دسم للسيطرة عليها وإخضاعها أكثر، ولطالما صورت هذه الأمثال المرأة كزوجة أو مطلقة أو أرملة، أنها مصدر الشر والفتنة".

وتحكي الباحثة عن أمثال أخرى منتشرة مثل: "ماتاخذ الهجالة لو يكون خدها مشموم، أنت تصرف وتجيب وهي تقول الله يرحم المرحوم"، و"لا تدي الهجالة، ولو تكون بنت الخالة"، و" المرأة الهجالة، وثوب الدلالة كيورث البالة".

تشرح البوحسيني فكرتها أكثر: "إن إظهار المرأة بهذه الصورة في التراث الشفهي المغربي، يرجع إلى طبيعة المجتمع المغربي الذي يتميز بنوع من الأبوية الذكورية، تغيّب تماماً دور المرأة في تاريخ البشرية كأم وأخت وزوجة، لتبقى هذه الأمثال حية في الذاكرة الجماعية للمجتمع المغربي، ولو كان ذلك بتأثير أقل عما كان عليه الوضع في السابق".

ولا يتم الاكتفاء بالأمثال الشعبية، فالعديد من القصص والأساطير التي يتناقلها الناس منذ الصغر، تكون بطلتها امرأة أرملة وشريرة وترتكب "الخطيئة".

أبرز تلك الحكايات، أنه في زمن غابر كانت امرأة تعيش مع زوجها قبل أن يتوفى فجأة، لتبقى الأرملة وحدها، وخلال أيام عدتها مارست الجنس مع أحد الرجال.

وتقول الأسطورة إنه جزاء لما اقترفته المرأة تم مسخها بتحول نصفها إلى "بغلة"، لها عينان حمراوان تخرج منهما النار، وتجر السلاسل خلفها، وفي حكاية أخرى أن المرأة كانت تنام مع الموتى نهاراً، وتخرج ليلاً لتتجول بين القبور، وكان ضحاياها من الرجال الذين تعمل على خطفهم وتعذيبهم والتنكيل برجولتهم، انتقاماً من الرجل الذي تسبب في مسخها، وكذلك خيانتها لزوجها الراحل.

"ألا يكفي أن يتيتم طفل في الثالثة عشر من عمره، وألا يكفي أن تتحمل المرأة صعوبة العيش وتربية الأطفال حتى تضاف إليها هذه النظرة الدونية الموجهة لنا ولأمهاتنا الأرامل"
"مهما عملت تظل تربيتي ناقصة لكوني تربيت في كنف امرأة، أحياناً كنت أعير ببنت العاهرة لمجرد أن أمي ترملت في سن مبكرة ولم تتزوج بعد وفاة أبي"

ومن العادات التي لاتزال منتشرة بين قطاع من المغاربة، أن تلبس المرأة الأرملة من اليوم الأول لوفاة زوجها اللباس الأبيض، ولا ترى الرجال لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وعن تلك الفترة، تدور لحكايات والأساطير التي تكون بطلتها أرملة شريرة تمارس الجنس مع الرجال.

"فخور بتربية أمي"

في الوقت الذي لازال يحمل فيه بعض المغاربة صورة سلبية عن المرأة الأرملة، يرى آخرون، مثل محمود شاكر (35 عاماً)، عضو حركة "ولاد الدرب"، أن هذه المسميات وهذه النعوت والألقاب بدأت بالانقراض مع هذا الجيل.

يقول شاكر: "إن هذا الجيل قاموسه في التسميات مغاير تماماً لما كان عليه آباؤه وأجداده، فمثلاً أنا لا أستطيع أن أقول 'هجالة' أو 'ولد الهجالة'، وأظن أن الجيل الذي سيأتي بعدنا يستحيل أن يتداول مثل هذه ألقاب".

"ابن امرأة كرست حياتها لرعاية 3 أبناء، وتربيتهم".

ويفخر البعض بأمه الأرملة وصبرها على تربيته وأخوته بمفردها، يقول سعيد الحارثي، (35سنة)، يدرس في مركز التكوين: " أنا فخور جداً كوني تربيت في كنف امرأة، وأنا في العاشرة من عمري، كوني ابن امرأة كرست حياتها من أجل رعاية 3 أبناء، وحرصت على تربيتهم أحسن تربية، وتعليمهم أحسن تعليم".

وينهي الحارثي حديثه لرصيف22 قائلاً: "كنت دائماً أسمع جارنا يوبخ زوجته ويعطيها مثالاً بوالدتي في طريقة تربيتها للأبناء وتعاملها مع الحياة والعيش، ولطالما كانت والدتي مصدر فخر واعتزاز لي ولإخوتي، وعنواناً للمرأة النبيلة، المعطاءة والمحترمة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard