لم تُثنِ الجائحة عدة فلسطينيات على المساهمة في استعادة الثقافة الفلسطينية في يافا رونقها ومساحتها إذ بُدئ استثماران يرويان قصة المدينة قديماً وحديثاً من وجهة نظر النساء العربيات اللواتي أسّسنهما.
"De Yaffa" أو "مطعم دي يافا"، وهو مطعم ومقر ثقافي، و"Hilweh Market" أو "متجر حلوة" للملابس افتُتحا حديثاً في يافا بجهود نسائية عربية لتعزيز الثقافة والتراث الفلسطينيّين، وفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
صفاء يونس، مؤسسة ومالكة "مطعم دي يافا" قالت: "لا توجد أطباق مميزة ليافا حيث التقلبات والفروق الدقيقة المحلية في الأطباق التي كانت منتشرة في المنطقة". وأصرت على أن تقدم في مطعمها وصفات عائلية تقليدية تنتمي إلى مطبخ يافا.
الطعام والانتماء ودعم اقتصاد المرأة
ويونس التى لا تهوى الطبخ، رأت أن الطعام وسيلة لتعزيز وضع المرأة العربية وقدراتها الاقتصادية.
وتابعت: "إن استطعت، فسأُنشىء مركزاً ثقافياً لاستضافة لقاءات وورش عمل ومحاضرات. لكني أدرك أن لدى الطعام القدرة على إثارة مشاعر الهوية والانتماء، وربما المساعدة في رواية قصة يافا من وجهة نظر امرأة عربية".
زُيّنت جدران "مطعم دي يافا" بمجموعة من الصور بالأبيض والأسود تجسد التاريخ الزاخر بالحنين إلى برتقال يافا الشهير، مروراً بالمزارعين والبائعين وسكان المدينة الساحلية القديمة.
"مطعم دي يافا" و"متجر حلوة"... استثماران يُعيدان إلى الثقافة الفلسطينية مساحتها في مدينة يافا ويذكران بأصل المدينة من منظور المرأة العربية. الأكل والألبسة والأواني لـ"إثارة الهوية والانتماء الفلسطينيّين" في مدينة ذات أغلبية يهودية
وُلدت يونس عام 1975 وترعرعت في يافا. قالت: "جدتي، التي سمّيتُ باسمها، كانت الوحيدة (من 13 شقيقاً وشقيقة) التي بقيت في المدينة عام 1948". تربت يونس على الوجبات العائلية لجدتها التي اشتهرت بكونها طاهية موهوبة.
ويونس الحاصلة على الماجستير في العمل الاجتماعي انضمّت إلى العديد من الدورات في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي، وعملت في منظمة غير حكومية للنهوض بالمرأة العربية في المدينة في وقت لم يكن هناك الكثير من الجمعيات المعنية بذلك عام 2007. وعندما بحثت عن مكان تلتقي فيه النساء ويدرسن معاً في يافا، فلم تجد، لذلك قررت إنشاء مؤسسة تُمكن المرأة اقتصادياً واجتماعياً".
هكذا ولدت منظمة "عروس البحر" للنهوض بالمرأة، وأدارتها يونس حتى عام 2016. وبعد نحو عقد في الجمعية، انتبهت إلى أن الوقت حان للذهاب أملاً في التغيير. بعد ذلك عملت في وزارة العمل لكنها شعرت بالإحباط لعدم وجود موازنة كافية فقررت تنفيذ حلمها القديم: إنشاء مركز نسائي متصل بالطعام تقديراً لمطبخ جدتها.
"في الأول من آذار/ مارس الماضي، كان المكان جاهزاً وبدأنا تدريب النساء في المطبخ"، استطردت. ولما انتشرت جائحة كورونا، أصرت يونس على تحويل المحنة إلى منحة واستكملت العمل مع نقل الطعام إلى المنازل.
أيام الجمعة والسبت ستخصص للطعام واستقبال الزبائن في "مطعم دي يافا" أو طلب الطعام للمنازل، فيما بقية الأسبوع مخصصة لمحاضرات وورش عمل ولقاءات تركز على وضع المرأة في يافا وتراث المدينة الثقافي، مع أطباق تقليدية أعدتها النساء.
لم يغب عن يونس التفصيل الآتي: "لا يزال عمل المرأة إحدى العقبات الرئيسية في المجتمع العربي. لا يوجد وعي توظيفي بخلاف الوظائف التي تعتبر متواضعة مثل التنظيف وأعمال المطبخ. ليس لدي أي تصور. أنا أيضاً لا أعرض حتى الآن وظائف للنساء في مجال التقنية. ولكن بالنسبة إلى بعضهن، هذه أول وظيفة خارج المنزل، وهو المكان الذي يكاد يكون فيه عمل المرأة واضحاً".
وأضافت: "شعوري هو أن هذا مكان يمكن أن يتطورن فيه، حتى لو كان بالنسبة إلى بعضهن مكاناً يعبرن منه. في الأشهر الأخيرة، رأيت أن العمل في مكان يعبّر عنهن وعن تراثهن بفخر قد يُحدث تغييراً على المدى الطويل، حتى لو كان هذا العمل التقليدي الذي نشأن عليه في المنزل".
"لم يشعر الناس بالثقة الكافية للمطالبة بالهوية الفلسطينية في العلن" قبل سنوات في يافا. لكن الآن هناك مشروعين هدفهما تعزيز مكانة المرأة العربية وقدراتها الاجتماعية والاقتصادية للمرأة في إسرائيل وإعلاء الهوية الفلسطينية
مساحة "علنيّة" للثقافة الفلسطينية
في الإطار نفسه، تعرض قدرية أبو شحادة، مالكة "متجر حلوة" في المدينة، منتجات علامة BabyFist الفلسطينية التي أسستها مجموعة من الناشطات النسويات والاجتماعيات لمواجهة التحرش الاجتماعي في شوارع رام الله عبر توجيه رسائل من خلال منتجاتها مثل "لستُ حبيبتك".
"أنا أحب أغراضهم، ليس لأنها جميلة، أو لأنهم يدمجون الحِرف اليدوية التقليدية بالتصميم الحديث، بل لأن جزءاً من أرباحهم يذهب إلى تمويل ورش العمل التي تقدم المشورة للفتيات في قرى السلطة الفلسطينية حول الطمث".
أبو شحادة، المولودة عام 1987، والحاصلة على شهادتي البكالوريوس والماجستير في العلوم الاجتماعية من الولايات المتحدة، خلفتْ يونس في رئاسة "عروس البحر".
على أرفف المتجر، وإلى جانب ملابس الماركة الفلسطينية، تُعرض أوانٍ وأدوات منزلية بديعة مثل كؤوس النبيذ والأواني الزجاجية التي صممتها المهندسة المعمارية الفلسطينية ديما سروجي، بالإضافة إلى أوانٍ خزفية أبدعها فنانون من بيت لحم وبيت جالا ويافا، وإلى سلال القش من مصر، ومناديل مطرزة يدوياً.
ماذا وراء عرض هذه المنتجات تحديداً؟ أجابت أبو شحادة: "كنت أرغب في إنشاء مساحة من الثقافة الفلسطينية. عندما نشأت في يافا كانت هناك أماكن كثيرة تبيع مثلها في أماكن خاصة. لم يشعر الناس بالثقة الكافية للمطالبة بالهوية الفلسطينية في العلن".
وأضافت: "جئت من منزل يتمتع بوعي سياسي متطور، ولكن في أيام والدي في يافا -على عكس الناصرة وحيفا ربما- لم يكن ممكناً نطق كلمة ‘فلسطيني‘ بصوتٍ عالٍ إذا كنت ترغب في ضمان مستقبل أطفالك. في ما يتصل بجيلي، فإن تلك الكلمة جزء لا يتجزأ من هويتنا. في الواقع كان المستهدف الأول الذي فكرت فيه هو الشباب الذين يعيشون في المدينة".
وتابعت: "أردت إنشاء مكان يدعم المبادرات المحلية في قلب يافا، في منطقة سياحية لا يزال السكان الأصليون يعيشون فيها، حيث يمكن جمع حب الحِرف اليدوية والأهداف الاجتماعية والبيئية". وأملتْ أن تكون السنوات قد غيّرت الذهنيات بعض الشيء "لكي لا يشعر الآخرون بالتهديد عندما يصبح المشروع مساحة مخصصة لثقافة فلسطينية قادرة على الوجود حيث تعيش أغلبية يهودية".
وختمت: "لأن معظم سكان يافا الأصليين أصبحوا لاجئين، من المهم أيضاً للفنانين والمصممين الفلسطينيين أن يظهروا هنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون