شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
واقع المرأة الفلسطينية في الداخل... بين سياسات التمييز الإسرائيلية ومطرقة المجتمع وتقاليده

واقع المرأة الفلسطينية في الداخل... بين سياسات التمييز الإسرائيلية ومطرقة المجتمع وتقاليده

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 11 ديسمبر 201912:29 م

كتب  الكاتب والصحفي الفلسطيني والمقيم في السويد، قيس قدري، مؤخراً عبر صفحته في فيسبوك، هو  الذي عمل في السويد مستشاراً للدولة لدمج المهاجرين،  بأن التقارير هناك، تظهر ارتفاعاً حاداً في معدلات الطلاق بين القادمين، بعد موجات اللجوء الأخيرة من الدول الشرق أوسطية.

وحسب قوله، فإن أهم الأسباب، والتي اطلع عليها أثناء عمله، تعود الى تخلص المرأة من قيود الدين والمجتمع الذكوري وحصولها على المساعدة والدعم المادي من مخصصات الدولة، وبهذا تحقق الاستقلال الاقتصادي، بالإضافة إلى أن الدولة وقوانينها تحميها من التعنيف.

أما السبب الأهم في كثير من الحالات، هو زوال أسباب رضوخ المرأة لزواج لم ترغب به من الأساس في موطنها. وهكذا تشعر المرأة العربية بالأمان في المجتمع السويدي ولا تخاف الانفصال، وذلك لإدراكها أن القانون سيقف إلى جانبها في كل الحالات ويوفر لها أسباب الدعم.

وحين تلجأ امرأة فلسطينية بالرغم عن هذا إلى الشرطة الإسرائيلية، ففي أحسن الحالات يسمعونها، يطبطبون على كتفها ويرجعونها إلى بيتها.

هذا يُظهر جلياً أن نفس النساء اللاتي قبلن العيش تحت رحمة أزواجهن، رغم التعنيف والإساءة، وصمتن عليهما، قمن ووقفن وواجهن، واخترن الخروج من دائرة العنف.

يُلاحظ أيضاً أن الرجل الذي كانت يده هي العليا، الرجل الذي كان الآمر الناهي وفي يديه مقاليد حياة زوجته معنوياً وفعلياً في موطنه الأصلي، فقد مركزه هذا وأصبح (مجرد) طرف ثان في معادلة الحياة الزوجية.

ماذا يمكن أن يُستنتج من ذلك؟

يمكن القول إن تغيير الظروف يؤدي إلى تغيير طرق التعامل مع الواقع، وإن المرأة العربية غير مقتنعة فعلياً وفكرياً بالتابوهات والمعتقدات والإملاءات الاجتماعية، وحين تحين الفرصة تختار كسرها، تختار أن تحقق ذاتها كإنسان متكامل.

المرأة ليست أسيرة فكرة الضلع القاصر، وهي حتماً غير مقتنعة بأنها شُكّلت من ضلع رجل، ولا بكونها كسيرة الجناح وبحاجة لظل رجل يحميها، فما تردده أحياناً مقنعة ذاتها: "ظل راجل ولا ظل حيطة"، هو مجرد جملة يمكن استبدالها بـ "ظل دولة ولا ظل راجل معنِّف"... وربما تصل إلى الاستنتاج بأنها أساساً لا تحتاج ظلاً، فهي قادرة على إعالة نفسها وأولادها، إن تهيأت لها الظروف وحمتها القوانين.

لماذا عاينت واهتممت بهذا كله؟ 

في الحقيقة، فإن الأمر يعنيني، لأن هذا يمكن اعتباره صورة مرآة لما كان من الممكن أن يحدث في مجتمعنا العربي الفلسطيني تحت حكم إسرائيل. هذه الدولة التي تعتبر نفسها دولة قانون ورفاه اجتماعي، وتصور نفسها كدولة حديثة متنورة، واحة الديموقراطية في صحراء الشرق! لكن كل هذا لم يحدث، بالرغم من أن قوانين إسرائيل، فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة، مشابهة لقوانين السويد.

في الواقع حدث ما هو أسوأ، وما هو مخالف "للتطور الطبيعي" الذي يحدث في أي مكان في العالم، لقد وقعت المرأة الفلسطينية بعد النكبة بين سندان السلطة وسياسات التمييز ضد السكان الأصلانيين العرب الفلسطينيين، وبين مطرقة المجتمع وتقاليده.

مجتمع انتكب، تقوضت أساساته، انقطع عن محيطه وعن سيرورة التمدن والتطور التي كانت براعمها قد بدأت بالتفتح فيه قبل نكبة عام 1948، فأصبح مجتمعاً مقيداً معزولاً، تحشره الدولة داخل حدود تفرضها عليه، وبطبيعة الحال فإن أكثر من سيتأثر هو الحلقة الأضعف، أي المرأة في حالتنا هذه.

وينطلق صدى السؤال مجدداً: لماذا؟

يبدو أن الجواب كامن في توجه زُرعت بذرته في أرض تعامل إسرائيل مع الأصلانيين في هذا الوطن، إبان نشأتها، وبعد محاولات مختلفة في التعامل مع نتيجة "الخطأ التاريخي" التي اقترفته الصهيونية، بعدم إجهازها على كل أثر لهم. واليوم وبعد أن غذتها سيول شتى ومواسم من أمطار السياسات والأيديولوجيات المتعاقبة، مدت جذورها ونمت أغصانها وأصبح جذوعاً ثخينة متشابكة الفروع.

وقد قوي هذا التوجه وزادت شدته بعد أن استنتجت إسرائيل أنها لن تتمكن من التخلص من هذه البقايا العنيدة المتشبثة بهذا التراب المشترك قسراً، وبعد فشل سياسات الاندماج وتذويب الهوية الفلسطينية في محلول الهوية الإسرائيلية، وفشل محاربتها واجتثاثها أو دمجها، فضلت أن تدعها وشأنها بدعوى "احترام خصوصياتها وتقاليدها"، فما يقترف داخل "القبيلة" العربية يدفن داخل القبيلة العربية!

وهكذا يصبح قتل امرأة من قبل زوجها جريمة من نوع خاص تحت مسمى مبتكر مبجل: "شرف العائلة"! أي اسم رنان هذا؟! فلا يتم تشجيع النساء للتوجه إلى الشرطة لوقف العنف، ولا يتم توعيتهن لحقوقهن من قبل السلطة. وحين تلجأ امرأة  فلسطينية بالرغم عن هذا إلى الشرطة الإسرائيلية، ففي أحسن الحالات يسمعونها، يطبطبون على كتفها ويرجعونها إلى بيتها، وإلى مسارات "العلاج" التقليدية، فتتدخل العائلة القريبة والموسعة ووجهاء البلدة المقربين ويتم "ضبضبة الطابق" وفق التقاليد والشرع.

أغلب حالات قتل النساء سبقها عنف متواصل من الرجل تجاه زوجته، أحياناً كثيرة تكون قد دخلت المستشفى وإثر ذلك يتم تقديم دعوى للشرطة، وبقدرة قادر تسقط الدعوى بعد بضعة أيام، ويتم إقناع المرأة بالعودة إلى معنّفها. في كثير من الحالات بعد أن تيأس المرأة من إيجاد مصدر للدعم تتوقف عن البحث وتفضل المعاناة بصمت، وهكذا يصبح إعلان الجريمة القادمة مسألة وقت. طبعاً لا يحدث هذا بشكل مطلق وشامل، ولكن هذا هو الوضع بشكل عام.

المجتمع الفلسطيني انتكب، تقوضت أساساته، انقطع عن محيطه وعن سيرورة التمدن التي كانت براعمها قد بدأت بالتفتح فيه قبل النكبة، فأصبح مجتمعاً مقيداً معزولاً، تحشره إسرائيل داخل حدود تفرضها عليه، وبطبيعة الحال فإن أكثر من سيتأثر هو الحلقة الأضعف، أي المرأة 

بعد فشل سياسات الاندماج وتذويب الهوية الفلسطينية في محلول الهوية الإسرائيلية، وفشل محاربتها واجتثاثها أو دمجها، فضلت إسرائيل أن تدعها وشأنها بدعوى "احترام خصوصياتها وتقاليدها"، فما يقترف داخل "القبيلة" العربية يدفن داخل القبيلة العربية!

إذن هكذا، وبالرغم من قوانين الدولة المتقدمة وارتفاع نسبة النساء اللواتي خرجن للعلم والعمل، ورغم إمكانية استقلالهن اقتصادياً بقدراتهن الذاتية وبالإمكانيات التي توفرها الدولة، نجد أن نسبة الجريمة ضد المرأة لكونها امرأة، في ارتفاع مضطرد.

لا أدّعي قطعاً هنا أنني تطرقت لكل الأسباب ولا أنني أحطت المشهد من كل جوانبه، فقط أردت تسليط الضوء على توجه عام بدأنا نلحظ بروزه إلى السطح في مستويات عدة مختلفة، وهو لا يتعلق فقط بوضع المرأة في المجتمع العربي، إنما في توجه الدولة العام نحو هذا المجتمع.

فالعربي في دولة إسرائيل سيظل مواطناً درجة ثالثة ورابعة، لا بل تُبتدع له حالة شبه مواطنة أو مواطنة في مسار خاص، معزول عن المواطنة العادية في دولة طبيعية.

المجتمع العربي، أو كما تحبّ أن تدعوه الدولة ومؤسساتها، وبعض ممثلينا الذين يحلو لهم تبني لغة الدولة، أو الذين يسقطون في شراكها، "الوسط" العربي، هو مجموعة طافية أو عالقة داخل أجواء الدولة، وهو في أحسن الحالات مخزون لقوة العمل الرخيصة، ومجموعة مستهلكة محركة للاقتصاد، لكنها خارج سياق اللعبة السياسية - الاجتماعية، وبالتالي خارج سيرورة التطور الطبيعية، وكما نعلم فمن يقف مكانه في عالم يتحرك، فهو عملياً يتراجع بخطى حثيثة موحلة، إلى الوراء، لذا علينا رفض نهج "التفهم" و"المسايرة" هذا، والسير نحو بناء مجتمع قانوني مدني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image