"ممنوع اليأس"، ترفع ميسم جلجولي الناشطة الحقوقية والنسوية الفلسطينية هذا الشعار في نضالها في سبيل حقوق النساء العربيات في إسرائيل، نضال جعلها تتقلد وسام “الإنسان السائر" الذي يمنح لمحاربي فساد السلطة في المجتمع الإسرائيلي قصراً.
ميسم جلجولي (46 عاماً) أم لفتى وبنتين، توجت بوسام "الإنسان السائر" أو الماشي، قبل أيام قليلة، في العام الثاني على التوالي لجائزة التي تمنح للنشطاء المجتمعيين والحقوقيين الذين يقومون بنشاط "غير اعتيادي" يتمثل في فضح الفساد المؤسساتي (فساد السلطة).
"اعتراف بالنضال النسوي الفلسطيني"
تُبيّن جلجولي، لرصيف22، أن الجائزة أطلقها إيتان بارتال وإيلان غونشتين لإبراز أهمية مراقبة السلطة وفضح فسادها، لإدراكهما عمق العلاقة بين السلطة وأصحاب المال وانعكاس هذه العلاقة سلباً على مصالح المواطنين حتى بات المجتمع الإسرائيلي أقل عدالة اجتماعية وأكثر انتشاراً لاستغلال أصحاب المال للسلطة، وفق جلجولي.
وكان تمثال "الإنسان السائر" صمم قبل 30 عاماً ووضعت عدة نسخ منه في بعض المواقع بتل أبيب، لتشجيع الأشخاص على فضح الفساد. وتطورت هذه المبادرة قبل عامين مستولدةً الوسام الذي حصلت عليه جلجولي في العام الثاني لإنشائه من قبل مؤسسي الجائزة وبلدية تل أبيب ومجلة "تايم أوت". وتعتبر ميسم هذا الوسام "اعترافاً” بنضالها النسوي والحقوقي، وخطوة تحثّها على المضي قدماً في نضالها نحو نيل مزيد من الحرية والحقوق للمرأة العربية في إسرائيل.
المرأة العربية في إسرائيل ضحية العنصرية
تؤكد ميسم أن الفلسطينيات يتعرضن للعنصرية والتمييز في إسرائيل لأنهن جزء من الشعب الفلسطيني الذي ينظر إليه الإسرائيليون على أنه "العدو"، في حين لا تعتبر الأقلية الفلسطينية مواطنين، وبشكل خاص بعد إقرار قانون القومية العام الماضي. وتوضح "هناك توجه لعدم شرعنة الصوت العربي، وترفض إسرائيل الاعتراف بنا كأقلية قومية وتتحدث عن منحنا مواطنة دون حقوق قومية، وهو الأمر الذي نرفضه".
تشدد ميسم على أن معاناة النساء العربيات مضاعفة في إسرائيل، فهن، بشكل عام، ومثلهن اليهوديات، يعانين التمييز في إسرائيل، فأجورهن أقل 30% من الرجال في الوظائف المماثلة أو نفسها، والمرأة العربية تتقاضى راتباً أقل من راتب المرأة اليهودية بـ 20%.
وتستطرد: “لأننا عربيات هذا يجعلنا نعاني أيضاً من العقلية الذكورية فقتل النساء على أيدي أفراد العائلة نتيجة تنصيب الذكور أنفسهم أوصياء على
نسائهن وعنفهم الذي يصل حد القتل لمن تتجرأ وتتحدث عن حقوقها أو حريتها أو تقرير مصيرها"، معتبرةً أن النظرة للمرأة في المجتمع الفلسطيني لا تزال دونية ونمطية.
الناشطة الفلسطينية ميسم جلجولي تناضل في سبيل حقوق النساء العربيات في إسرائيل فازت بوسام “الإنسان السائر” لحربها على الفساد. رصيف22 حاور ميسم لتسليط الضوء على مسيرتها ونضالها ضد العنصرية التي تستهدف العربيات في إسرائيل.
26 امرأة قُتلن في إسرائيل في 2018 علي أيدي ذويهن، نصفهن من الفلسطينيات، بحسب الناشطة ميسم جلجولي التي تؤكد تقاعس الشرطة في وقف العنف ضد المرأة.
تتعرض النساء العربيات للتمييز والعنصرية في إسرائيل، فأجورهن أقل 30% من الرجال في الوظائف المماثلة أو نفسها، وتتقاضى المرأة العربية راتباً أقل من راتب اليهودية بـ 20%.
العنف ضد المرأة في إسرائيل…نصف الضحايا فلسطينيات
تسعى ميسم حاليا إلى "وقف العنف ضد المرأة في إسرائيل، خصوصاً في نطاق العائلة"، مبينةً أنه في ديسمبر/كانون الأول 2018 نظمت تظاهرة ضخمة شاركت فيها 30 ألف امرأة في ميدان رابين بتل أبيب، بينهن فلسطينيات، كانت أول تظاهرة نسائية في إسرائيل (إلى جانب إضراب نسائي أيضاً) وأكبرها تطالب بوقف التمييز ضد النساء".
وتفيد الإحصاءات بأن 26 امرأة قُتلن في إسرائيل في 2018، نصفهن من الفلسطينيات، على أيدي ذويهن، بحسب ميسم التي تؤكد "لاحظنا تقاعس الشرطة والمؤسسات والحكومة عن معالجة العنف ضد المرأة ولا سيما جرائم القتل".
تؤكد ميسم أنها مهتمة بتشغيل النساء وتشجيعهن على الخروج للعمل لما له من تأثير في تطوير مكانة المرأة وإخراج العائلة العربية من دائرة الفقر "إذ يعيش أكثر من 55% من العائلات العربية و65% من الأطفال العرب في إسرائيل تحت خط الفقر"، مشيرةً إلى أن هذه الأرقام تدفعها إلى مواصلة النضال لدفع المرأة العربية إلى العمل برغم أنها تعتبر سوق العمل الإسرائيلي سوقاً عنصرية تضطهد المرأة العربية على وجه التحديد.
نضال ضد الفساد والظلم
بدأت ميسم نشاطها الحقوقي في بداية التسعينات أثناء دراستها الجامعية في جامعة بار إيلان التي تخرجت منها في تل أبيب، وكانت أحد مؤسسي لجنة الطلاب العرب بالجامعة.
لكن نشاطها الحقوقي النسوي بدأ في العام 2005، حين أقدمت بلدية الطيرة (تقع ضمن المثلث الجنوبي) حيث عملت ميسم، على الاستغناء عن موظفاتها في إطار خطة لترشيد النفقات بحجة أنهن "معيل ثانوي للأسر"، رغم أن النساء كن يحصلن على رواتب أقل من الرجال وكثيرات منهن كن ينفقن على أسرهن.
حينذاك قادت ميسم رفيقاتها لمحاربة "إدارة البلدية الفاسدة ولجنة الموظفين الذكورية التي تواطأت مع البلدية وتخلت عن النساء، مخالفةً مهمتها الأساسية في الدفاع عن جميع الموظفين” على حد وصفها.
تضيف ميسم في حديثها مع رصيف22: "تحدثنا مع وسائل الإعلام في تلك الفترة، وشرحنا كيف أن الوضع الاقتصادي السيىء للبلدية مرده لا رواتب الموظفات بل الفساد والسرقات التي كانت تتم بمشاركة رئيسها".
وتتابع: "دعمتنا غالبية النساء المتضررات وغيرهن، ومررنا بفترة صعبة، حاربتنا فيها إدارة البلدية ولجنة الموظفين. أطلق رئيس البلدية ورجاله النار على منزلي مرتين واستهدفوا منزل زميلتي بقنبلة صوتية أيضاً، لترويعنا... أرادوا أن نبقى في البيوت لكننا لم نتراجع".
وتواصل سرد شهادتها بشأن ما حدث قائلة: "اتجهنا إلى المحاكم، لكن خسرنا المعركة لأن النقابة العمالية ولجنة العمال تخلتا عنا بموافقتهما على خطة البلدية لتقليص النفقات”،
مشيرةً إلى أنها لم تتوقف عند هذا الحد بل ترشحت لرئاسة لجنة العمال ونجحت، رغم تهديد الموظفات في حال انتخبن ميسم.
وتؤكد: "فزت برئاسة لجنة العمال وخسر رئيس البلدية الفاسد الذي أدين قضائياً بالفساد وسُجن خمس سنوات. وانتٰخب رئيس بلدية جديد يدعم حقوق المرأة"، موضحةً أن الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة انتخبتها بعد ذلك لرئاسة نعمات (جزء من النقابات العمالية بالمنطقة). و"نعمات" التي تترأسها جلجولي حركة مستقلة مهمتها دعم مكانة المرأة ومستقبلها المهني في إسرائيل، وتأتي تسميتها اختصاراً للكلمات العبرية (نشيم عوفدوت فمتندفوت) أي نساء يعملن ويتطوعن.
وعن أهداف نشاطها الحقوقي تقول ميسم: " في البداية كان كل همي ألا يتكرر الظلم الذي تعرضتُ له مع نساء أخريات، لكني اكتشفت أن ظلماً أكبر يستهدف النساء في منطقة المثلث الجنوبي، لذا ركزت جهودي على توعية النساء العاملات في البلديات المجاورة للدفاع عن حقوقهن".
وتتابع: "وجدنا أن 200 عاملة في بلدية قلنسوة مثلاً يشتغلن بإشراف مقاولين دون منحهن أدنى حقوق بل تُسرق رواتبهن بالتعاون مع البلدية. وبدأنا مع موظفات البلدية هناك نضالاً نجح في دعم وجود المرأة. الآن أفتخر بأن غالبية أعضاء ورؤساء لجان العمال في البلديات بالمثلث الجنوبي، هن من النساء"، مؤكدة حدوث نقلة نوعية في حقوق العاملات والموظفات.
صعاب رغم النجاحات
توضح جلجولي: "بالرغم من نجاح تجربتنا في دعم النساء وحثهن على العمل والمطالبة بحقوقهن، لا تزال المرأة العربية في إسرائيل بعيدة عن مراكز صنع القرار في غالبية مجالس البلديات"، مبينةً أن الانتخابات الأخيرة أثمرت نجاح 1% فقط من النساء في الوصول لمجالس البلديات العربية.
ورغم حضور المرأة العربية الفلسطينية المكثف في الأكاديميات الإسرائيلية والذي يتدعم من سنة إلى أخرى (من 60 إلى 65 % من الطلاب العرب داخل الأكاديميات الإسرائيلية نساء)، وهي النسبة التي تعتقد ميسم بأنها محترمة وجيدة، إلا أنها تنتقد اختيار هؤلاء الفتيات مجالات تسفر عن تشغيلهن في مهن متدنية الأجور وغير مطلوبة مثل التعليم والمهن الطبية التكميلية.
وتقول: "غالبيتهن لا يجدن عملاً بعد التخرج. هناك 20 ألف معلمة عربية عاطلة عن العمل في إسرائيل، أولاً لإقدام الكثير من الفتيات العربيات على الالتحاق بهذا العمل. وثانياً بسبب الخوف الإسرائيلي من تدريس معلمات فلسطينيات أبناءهم وأجيالهم الناشئة"، مستطردةً "المواطنون في إسرائيل يخشون أن تقول المعلمات العربيات الحقيقة التي يخفونها عن أطفالهم".
لكنها تؤكد أن هناك شواذاً لهذه القاعدة، إذ نجحت قلة من المعلمات العربيات في العمل بمدارس إسرائيلية، وكن محبوبات، وهذا ما يدل على أن انخراط النساء في العمل يقلل من العنصرية والآراء المسبقة.
وتشدد ميسم على أن إسرائيل لم تكن يوماً معنية بتطوير قدرات المرأة العربية، بل على العكس، تحرص على الوقوف في وجهها ووضع العراقيل بطريقها حتى لا تتقدم ولا تعمل. ولطالما زعمت أمام المجتمع الدولي بأن لا داعي لتأهيل الفلسطينيات لأن عاداتهن الاجتماعية والدينية تمنعهن من الانخراط في سوق العمل.
وتوضح أن المنظمات الحقوقية أثبتت كذب ذلك الادعاء بالتأكيد أنه عندما تذلل الصعاب تستطيع المرأة أن تعمل وتتقدم، وأن الثقافة العربية والإسلامية لا تعوق عملها.
وأردفت: "إسرائيل لا توفر للمرأة العربية فرص عمل كافية خاصةً في الشمال (حيث يستقر غالبية الفلسطينيين)، فإذا أرادت المرأة أن تعمل فلا بد أن تنتقل إلى المركز لكن المواصلات العامة غير متطورة في القرى العربية. ولا تتوافر أماكن تستوعب أطفال هذه المرأة العاملة في مواعيد العمل التي تتخطى 8 ساعات ونصف الساعة في اليوم".
لا لليأس
رغم كل ما سبق، تثق ميسم بأن السنوات العشر المقبلة ستحمل نهضة لحقوق المرأة العربية في إسرائيل إذا استمرت ميسم والناشطات الأخريات في النضال، متحدثةً عن دور آخر أكثر أهمية للمرأة العربية في النضال الأعظم لإنهاء الاحتلال بالتعاون مع القوى اليسارية الإسرائيلية التي تؤمن بالحقوق الفلسطينية التاريخية نفسها، وهو ما أقدمت عليه هي شخصياً.
تقول ميسم: "ينبغي لنا نحن النساء الفلسطينيات أن نقود التحالفات مع هذه القوى الإسرائيلية اليسارية المؤمنة بحقوقنا"، رافضة ثقافة اليأس التي تسيطر على الكثيرين وتقول “رغم كل المصاعب يبقى بأيدينا ما نفعله لنسترد حقوقنا. النضال ضرورة وليس خياراً”.
تدعو ميسم الفلسطينيات للخروج والتصويت في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في التاسع من إبريل/نيسان، لأن الانزواء يضرب الأقلية الفلسطينية من كل الجوانب". وتشير إلى أنها جزء من حراك شعبي يهودي عربي يساري تحت مسمى "نقف معاً" أسس قبل 3 سنوات هدفه تغيير الأفكار النمطية عن المجتمع العربي في إسرائيل ولديه الاهتمامات الفلسطينية نفسها، مثل وقف هدم البيوت الفلسطينية ووقف التوسع في بناء المستوطنات وغيرهما.
وتؤكد: "في (نقف معاً) نضع مرآة أمام الشعب الإسرائيلي. نخبره من خلالها أنه شعب محتل شعباً آخر ومغتصب لحقوقه، وأنه لا يمكنه أبداً الشعور بالأمان والحرية ما لم يتغير هذا الواقع”.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...