أثار خبر القبض على منة عبد العزيز المعروفة بـ"فتاة التيك توك" أو "صاحبة واقعة الاغتصاب" في مصر، مساء 26 أيار/ مايو، استياء الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين استنكروا "تحويل الضحية إلى متهمة لإخراس أصوات الناجيات من الاعتداءات الجنسية".
جاء القبض على منة (17 عاماً) بعد ساعات من القبض على الشاب الذي اتهمته باغتصابها. وأُحيلا معاً إلى قسم الطالبية بعد إخطار النيابة العامة للتحقيق معهما من دون توضيح رسمي للتهم الموجهة إليهما.
بدأت القصة في 22 أيار/ مايو حين ظهرت منة باكيةً، وعلى وجهها آثار ضرب مبرح، لتروي أن صديقها مازن إبراهيم اغتصبها بالتواطؤ مع ثلاث من صديقاتها هنّ شيماء وفاطمة شاكر ورحمة ناصر.
بحسب ما قالته آنذاك، فإنها يتيمة وخبرتها في الحياة محدودة، وقد استدرجتها صديقاتها إلى منزل مازن حيث اغتُصبت وضُربت بعنف بعد حلق شعرها وسرقة هاتفها وتصويرها في أوضاع جنسية بالإكراه للتشهير بها.
حين نشرت منة مقطع الفيديو هذا، كانت عدة مقاطع فاضحة ومسيئة إليها (تتعرض للسب والضرب فيها) قد انتشرت. علماً أنها تقدمت بشكوى لدى الشرطة.
تعاطف واسع وجدل
تعاطف الكثيرون مع منة عبر وسمي #حق_منه_عبدالعزيز و#القبض_على_المغتصب_مازن_إبراهيم اللذين تصدرا قائمة أعلى الوسوم تداولاً في البلاد على مدى بضعة أيام. وطالبوا بالقبض على المغتصب والمتواطئات معه بالسرعة القصوى. واعتبروا أنه من المؤلم أن تضطر ناجية من الاغتصاب رواية ما تعرضت له على الملأ لأخذ حقها، فيما لو كانت في دولة تحترم حقوق الإنسان لتلقّت رعاية نفسية وأمنية.
في المقابل، استنكر مغردون ومعلقون الدفاع عن "عاهرة"، معتبرين أنها "تستاهل اللي حصلها" انطلاقاً من مقاطع الفيديو التي وصفوها بـ"الإباحية والجنسية والعارية".
وَشَمت آخرون بمنة، مستعيدين مقاطع سابقة لها، من بينها مقطع ترقص فيه وهي تقول "أنا تنكة (مغرورة) أيوة أنا تنكة"، ومرفقين إياه بمشاهد ضربها وإذلالها.
القبض على ضحية اغتصاب لم تتجاوز 17 عاماً في مصر بسبب منشوراتها على "تيك توك" يثير الاستياء، ومخاوف من اضطرار الضحايا إلى الصمت لا سيما عند تبرير الاعتداء عليهن بنظرة المجتمع السلبية لهن
وردّ ناشطون على ذلك بالتأكيد أن الاغتصاب جريمة، وأن الاعتداء الجنسي على قاصر غير مقبول في أي ثقافة ودين، لأن "اللبس حرية شخصية لكن الاغتصاب جريمة".
ولفتوا إلى أن الضرب المبرح والاحتجاز والتصوير بالإكراه والتشهير جرائم تعرضت لها منة وينبغي معاقبة مرتكبيها.
نفي أم تأكيد؟
"دي مش بنت وكشفنا عليها… دي عشان واحدة بتطلع تعري جسمها الناس متعاطفين معاها. أنا مجتش جنبها وعاوز أروح الطب الشرعي. هي بتبتزني عشان عايزة فلوس"، كان هذا تبرير المغتصب عقب المطالبة الواسعة بالقبض عليه.
أما المتهمة بالتواطؤ شيماء شاكر فأطلت في مقطع مصور وهي تؤكد: "منة معروفة أنها ‘شرموطة‘ وبتتصور ببراهات وأندرات (ملابس داخلية)... كل اللي حصل أن تليفونها اتاخد واتضربت لها كام قلم (كف عالوجه)، بس هي ‘اتنا…‘ بمزاجها والموضوع كان على هواها"، مهددةً بأن لديها مقاطع فاضحة لمنة ستنشرها عند الاقتضاء.
ورأى معلقون كثر أن ما قالته شاكر يعدّ تأكيداً للاتهامات التي وجهتها منة إليها وإلى الآخرين، متداولين منشورات ومقاطع عدة لها تثبت الجرائم بحق الضحية.
عقب تداول أخبار في الصحف المصرية عن اعتزام السلطات الأمنية القبض على المغتصب والضحية، ظهرت منة وهي "ترتجف" نافيةً تعرضها للاغتصاب، قائلة إن "فيه بنات وقعت بيني أنا ومازن"، مناشدةً الجميع عدم التحدث عن الأمر.
وبعد دقائق، ظهرت في مقطع آخر محاطة بثلاثة شبان، لتقول إن "مازن أخويا الكبير ومفيش بينا أي مشكلة، وعادي إحنا اتصالحنا وحقنا جبناه"، فيما ردد اثنان من الشبان أن "الكلام طلع من قلبها وهي محروقة (موجوعة) ومخنوقة ومش عارفة بتقول إيه" حين اتهمت الشاب باغتصابها.
"إخراس أصوات الضحايا"
استمر عدد كبير من رواد السوشيال ميديا في الدفاع عن منة والمطالبة بحقها ومعاقبة المغتصب حتى عقب نفيها واقعة اغتصابها، وقالوا إنها بدت "مهددة" وهي تتحدث، مدللين على ذلك بمقطع "يستجوبها" فيه أحد الأشخاص عن تفاصيل ما حدث، وهي توضح أنها تعرضت للضرب الشديد والتصوير بالإكراه لكنها لم تتعرض للاغتصاب، فيرد المستجوِب عليها "برافو عليكِ".
وشددوا على أن "الاعتداء الجنسي على فتاة قاصر جريمة تستحق عقوبة مشددة بغض النظر عن القبول من عدمه".
يُذكر أن عقوبة الاغتصاب في القانون المصري تُراوح بين السجن المشدد والمؤبد وقد تصل فى بعض حالات إلى الإعدام، ويشترط بها أن تكون المجنى عليها مكرهة على الفعل، إلا إذا كانت قاصراً، أي لم تتجاوز الـ18 عاماً من العمر، وهو ما ينطبق على حالة منة.
وتشدد العقوبة أيضاً حال تصويرها، بحسب انتصار السعيد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، التي أكدت لرصيف22 أن المؤسسة تحركت بالفعل لمتابعة قضية عبد العزيز باعتبار أنها "في كل الأحوال ضحية".
ربط اغتصاب "فتاة التيك توك" بما تنشره من فيديوهات ومن ثم تراجعها عن روايتها للحادثة وصولاً إلى اعتقالها... عوامل أثارت مخاوف متابعين كثر للقضية في ظلّ تكرار حوادث الاعتقال مؤخراً لأشخاص اتُهموا بـ"خدش الحياء العام" وتمّ تبرير الانتهاكات بحقهم
ودشّن ناشطون/ات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسم #كلنا_منه_عبدالعزيز، معربين عن رفضهم الشديد "ابتزاز أو إخراس أو عقاب ضحايا الاغتصاب وجعل ملابس النساء ذريعة لانتهاك أجسادهن، وبطء الاستجابة لاستغاثات ضحايا الانتهاكات الجنسية وخصوصاً القاصرات منهن، وتحويل الناجيات من الاغتصاب إلى مجرمات حمايةً لمغتصبيهن".
وسأل أحدهم: "هل يحاكم الشاب بتهمة التحريض على الفسق إذا نشر مقاطع يرقص فيها أم يحدث هذا للفتيات فقط؟".
حملة "تنظيف" السوشيال ميديا
برغم عدم إعلان التهمة رسمياً، يرجح أن يكون "التحريض على الفسق والفجور" ذريعة لمحاكمة منة تماماً كما جرى لآخرين معروفين في مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد، إذ إنها الحالة الخامسة خلال أقل من شهرين.
وكانت السلطات الأمنية قد اعتقلت المدونة عبر تيك توك حنين حسام، المعروفة بـ"هرم مصر الرابع"، في نهاية نيسان/أبريل الماضي ووُجّهت إليها التهمة نفسها التي وُجّهت إلى منة، بالإضافة إلى اتهامات أخرى تتعلق بتهديد أمن الأسرة المصرية والاتجار بالبشر ونشر محتوى إباحي.
لاحقاً، جرى توقيف الفنانة سما المصري بتهمة "الفسق والفجور" ونشر صور وفيديوهات خادشة للحياء العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والقيام بأفعال مخلة بالآداب.
ومطلع الشهر الجاري، قبض على اليوتيوبر هاني مصطفى، الشهير بـ"عمو هاني"، بسبب محتوى منشوراته عبر مواقع التواصل الاجتماعي واعتماده لغةً وألفاظاً تعتبر "خادشة للحياء" ولا تخلو من "دلالات جنسية فجة".
ومنتصف الشهر نفسه، أُوقفت مودة الأدهم، الملقبة بـ"فتاة التيك توك" بسبب "فيديوهات ترتدي فيها ملابس فاضحة وتقوم بحركات مثيرة".
عمليات الضبط هذه، بحسب النيابة العامة، ترمي إلى "التصدي للجرائم الخادشة للحياء، والمتعدية على المبادئ العامة وقيم المجتمع العريق"، وفق بيان لها دعت فيه إلى التمييز بين حق التعبير والإبداع الحر وبين الابتذال والإباحية والسعي إلى جنى المال بطرائق غير مشروعة.
ويدعم مصريون القبض على منة بداعي "تنظيف السوشيال ميديا" و"الحفاظ على الأجيال الناشئة من المحتوى المبتذل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم