شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ماذا يعني أن تكون طفلاً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية في زمن كورونا؟

ماذا يعني أن تكون طفلاً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية في زمن كورونا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 20 مايو 202012:41 م

لا يزال نحو 200 طفل رهن الاحتجاز، ويجب الإفراج عنهم ليعودوا لأسرهم على الفور.

سمعت صرير السلاسل قبل أن أراهم يدخلون: أربعة صبية في عمر المراهقة، مكبلون معاً من المعصمين والكاحلين، حيث وضعوا في قفص الادعاء في قاعة المحكمة الصغيرة. وبدا أحدهم بشكل خاص، ويدعى أحمد، صغيراً في العمر لدرجة أنه كان يقف على رؤوس أصابعه محاولاً النظر خارج القفص، بانتظار سماع الحكم الصادر بحقه من المحكمة العسكرية الإسرائيلية، حيث كانت تهمته -والتي أنكرها- هي إلقاء الحجارة.

كانت المحاكمات القصيرة بحق الصبية الأربعة، والتي لم تتجاوز الخمس دقائق لكل منهم، تعقد بالكامل باللغة العبرية، وأحياناً يقوم جندي بالترجمة إلى لغة عربية ركيكة يصعب على الصبية فهمها. وقد بدا الصبية خائفين ومرتبكين وهم ينتظرون النطق بمصيرهم، وحاولوا مراراً وتكراراً التحدث مع محاميهم، من دون جدوى.

رسم هبة*، 17  عاماً

زرت محكمة عوفر العسكرية في الضفة الغربية في شباط/ فبراير الماضي، حيث حضرت محاكمات يديرها قضاة عسكريون إسرائيليون ضد مدنيين فلسطينيين. ومن الجدير ذكره أن نظام المحاكم هذا لا ينطبق على الأطفال الإسرائيليين الذين يخضعون للقانون المدني، كما هو الحال بالنسبة لمعظم الأطفال في جميع أنحاء العالم.

عندما حان دور أحمد، أقرّ القاضي بإعادة المحاكمة بعد إحضار المزيد من الأدلة. نظر أحمد بيأس إلى والده منذر، الجالس بجواري، والذي أحكم نظره بابنه المقيد بالسلاسل قبل إعادته إلى السجن، وقد تسلّم منذر ورقة معلومات مكتوبة باللغة العبرية، وبالطبع لم يستطع قراءتها. وأثناء مغادرته قال لي: "أشعر وكأنني أتخلّى عن ابني، لا أعرف كيف أساعده".

في كل عام، يتم احتجاز ومحاكمة من 500 إلى 700 طفل فلسطيني في نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، حيث التهمة الأكثر شيوعاً هي رمي الحجارة، والتي يبلغ الحد الأقصى للعقوبة عليها 20 عاماً. حالياً، لا يزال أكثر من 190 طفلاً فلسطينياً يقبعون في السجون الإسرائيلية، معظمهم مثل أحمد، رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة، بحيث لم تتم إدانتهم بأي جريمة بعد، على الرغم من دعوات الأمم المتحدة المتكررة لإطلاق سراحهم قبل أي انتشار لفيروس كورونا.

حالياً، لا يزال أكثر من 190 طفلاً فلسطينياً يقبعون في السجون الإسرائيلية، معظمهم مثل أحمد، رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة، بحيث لم تتم إدانتهم بأي جريمة بعد، على الرغم من دعوات الأمم المتحدة المتكررة لإطلاق سراحهم قبل أي انتشار لفيروس كورونا

لقد أخبرنا أطفال كانوا في الاعتقال، أن الظروف التي يحتجزون فيها في السجون الإسرائيلية مزرية، حيث الزنازين مكتظة، والعدد المتاح من المستلزمات الصحية والخاصة بالنظافة قليل جداً، كما أنهم لا يحصلون إلا على مساعدة طبية محدودة.

تم إطلاق سراح لؤي، 18 عاماً، في نهاية شهر نيسان/ أبريل 2020 حيث قضى في السجن ثلاثة أشهر، وقد كان في السابعة عشرة من عمره عندما اعتقل ووضع في زنزانة مع خمسة أطفال آخرين. ويقول لؤي إن أحداً لم يخبر الأطفال عن جائحة كورونا: "لم يتم إخبارنا بأي شيء عن كيفية الحفاظ على سلامتنا من فيروس كورونا، مثل مدى أهمية غسل اليدين أو أمور أخرى ذات صلة، ولكن قواعد السجن هي التي تغيرت، فقد بات مسموحاً للأطفال الخروج الى الساحة لمدة ساعة فقط في اليوم الواحد".

كما أضاف: "طوال (فترة اعتقالي) لم يقم حراس السجن بتعقيم المرافق إلا مرتين فقط، فقد قاموا بتعقيم دورة المياه للاستحمام والسلالم والممر، لكن لم يقوموا بتعقيم زنازيننا ولا مرة واحدة. لقد أعطونا زجاجة فيها مادة مطهرة، لكنها نفذت بعد حوالي 15 يوماً فقط".

أما هبة، فتم اعتقالها عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، حيث سجنت لفترة ثمانية أشهر، والآن، بعد ثلاث سنوات، تستعد هبة لامتحانات التوجيهي، ولكنها ما زالت تتذكر بوضوح الوقت الذي صرفته في السجن:

"كنا خمس فتيات في غرفة واحدة، وتبلغ كبرانا 17 عاماً وكنت أنا أصغرهن سناً. وقد كانت زنازين السجن بالكاد تتسع لشخصين، لذا لم نستطع التحرك داخلها، وكان هناك مرحاض بلا باب. في الصيف، الصراصير تتراكض في كل مكان، والغرفة مظلمة للغاية في غياب نافذة للتهوية، ولم يكن يتم تزويدنا أنا وزميلاتي المحتجزات بأي مواد صحية، فنضطر لشرائها بأنفسنا، أما الماء فبالكاد يصلح للشرب، لونه أبيض ورائحة الكلور تفوح بقوة منه".

"أما الطعام فلم يكن صالحاً أبداً: على سبيل المثال، عندما يقدمون لنا الدجاج مرة واحدة في الأسبوع، كان بعض الريش لا يزال موجوداً على الدجاجة المطهية جزئياً، والدم ما زال بداخلها. لكن الأصعب من كل هذا، هو محدودية الزيارات العائلية المسموح بها، فقد سُمح لوالديّ بزيارتي ثلاث مرات فقط، خلال فترة اعتقالي التي دامت ثمانية أشهر".

ويعاني الأطفال الفلسطينيون المحتجزون داخل السجون الإسرائيلية من الظروف الصحية السيئة، والتي حذّر منها خبراء الصحة بالنسبة لمكافحة فيروس كورونا، فبالإضافة لتعريضهم لخطر الإصابة بالفيروس، يترتب أيضاً على ذلك عدم القدرة على احتوائه

ومنذ تفشي وباء كورونا، تم تعليق الزيارات من قبل السلطات الإسرائيلية، ولم تتمكن العائلات من زيارة 194 طفلاً ما زالوا يقبعون رهن الاحتجاز. ووفقاً للإجراءات الحالية، يمكن للأطفال إجراء مكالمة هاتفية مع أسرهم لمدة 10 دقائق فقط، مرة كل أسبوعين، ولكن عملياً، ينجح معظمهم بالتحدث مع أسرهم مرة واحدة في الشهر، ولهذا العزل المطوّل تداعيات على نفسياتهم.

يؤكد علاء، 17 عاماً، ما قاله لؤي وهبة عن الأوضاع المزرية في السجن، عندما تحدث عن الستة أشهر التي قضاها هو نفسه في السجن: "كنا نحاول تنظيف المكان وتعقيمه كل يوم، ولكن بعد ذلك يدخل الحراس إلى غرفنا بأحذيتهم وكلابهم القذرة، حوالي خمس مرات في اليوم. ولم يكن يسمح لي بإجراء مكالمات هاتفية مع أهلي، وقد كان ذلك محبطاً جداً، لأنني لطالما شعرت بحاجة ماسة للاتصال بأمي وأبي وإخوتي".

رسم هبة*، 17 عاماً

ويعاني الأطفال الفلسطينيون المحتجزون داخل السجون الإسرائيلية من الظروف الصحية السيئة، والتي حذّر منها خبراء الصحة بالنسبة لمكافحة فيروس كورونا، فبالإضافة لتعريضهم لخطر الإصابة بالفيروس، يترتب أيضاً على ذلك عدم القدرة على احتوائه، وهنا، لا يسعني إلا التفكير بجميع الأطفال الذين قابلتهم وهم عالقون في هذه العزلة، بعيدون عن عائلاتهم، غير مدركين لما يخبئه لهم المستقبل، أو متى سيأتي وقت الاستماع إلى قضاياهم حتى.

لا يمكننا أن نتخلى عن أحمد وأمثاله، لا تزال هناك فرصة سانحة لإعادة هؤلاء الأطفال إلى منازلهم، لحماية حقوقهم في الصحة، السيطرة على تفشّي المرض وتجنب المزيد من المعاناة.

ولهذا، تدعو منظمة إنقاذ الطفل إلى الإفراج الفوري عن جميع الأطفال الفلسطينيين لكي يتمكنوا من العودة سالمين إلى أسرهم ومجتمعاتهم، ويجب على السلطات الإسرائيلية أن تتوقف عن احتجاز أطفال آخرين في سجونها وعليها أيضاً أن تحافظ على حقوق هؤلاء الأطفال الذين ما زالوا رهن الاعتقال، وحمايتهم من العنف والإيذاء والاستغلال.

* تم تغيير جميع الأسماء حفاظاً على الخصوصية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image