إن واقع العرب الفلسطينيين والفلسطينيات، تحت احتلال دولة تعرف نفسها كـ"الوطن التاريخي للشعب اليهودي"، وفيها "ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي"، كما ينص قانون أساس- القومية الذي صادق عليه البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في التاسع عشر من تموز/ يوليو 2018 بغالبية أعضائه، هو بالضرورة واقع مليء بالعنصرية والتمييز المباشرين وغير المباشرين.
إحدى هذه التمييزات يلاحظها ويعيشها الفلسطينيون بشكل واضح في المدارس، الجهاز التعليمي والبرامج اللامنهجية للأطفال والشباب. المدارس العربية في مناطق الـ48، وفي ظل الحكم الإسرائيلي، لا تحظى بالدعم المادي أو المؤسساتي المطلوب للاحتياجات أساسية، مثل بناء أو تطوير المكتبة، شراء معدات إلكترونية مثل شاشات عرض، أو توفير دورات أو فعاليات منهجية وغير منهجية للطلاب.
ما لا تتمكن المدرسة من توفيره، يبحث عنه الشباب خارجها، في البلدات والمدن العربية، من حاجة إلى أطر أو فعاليات لملئ أوقات الفراغ
استناداً إلى ورقة عمل أصدرها مركز الأبحاث والمعلومات في البرلمان الإسرائيلي عام 2019 بالعبرية، فإن هناك تمييزاً واضحاً وتفرقة في الميزانيات الممنوحة للطالب العربي مقارنة بالطالب اليهودي. فمثلاً، الطلاب العرب المصنفون في فئة اقتصادية/اجتماعية "قوية"، لا يحصلون على ميزانية من الحكومة، بعكس الطلاب اليهود المصنفون تحت الطبقة الاقتصادية/الاجتماعية نفسها.
على كل حال، أغلبية الطلاب العرب ينتمون، حسب هذا البيان، إلى المجموعات الضعيفة اقتصادياً واجتماعياً. الفرق في الميزانية للطالب العربي مقارنة باليهودي قد يصل إلى حوالي العشرين ألف شاقل (ما يقارب الـ5.700 دولار).
ما يبحث عنه الشباب الفلسطيني خارج المدرسة
ما لا تتمكن المدرسة من توفيره، يبحث عنه الشباب خارجها، في البلدات والمدن العربية، من حاجة إلى أطر أو فعاليات لملئ أوقات الفراغ، يجد الشباب أنفسهم عادة أمام الخيارات التالية: الانتماء إلى حزب سياسي ومجموعته الشبابية، حيث الفعاليات محصورة في السياسة الحزبية ما يطيح بالثقافة والأمور الاجتماعية جانباً، أو زيارة دورات ومؤسسات عبرية في البلدات الإسرائيلية القريبة، حيث يشعر الفرد الفلسطيني عادة بعدم الانتماء، الوحدة والغربة، كما ويواجه أحيانا العنصرية، أو اللجوء إلى الشارع والتسكع في الحدائق والمباني الخالية، ما يولد العنف والمشاكل. وأخيراً، المبادرات الشخصية، الحراكات، المؤسسات والجمعيات المستقلة.
تعتبر حيفا مدينة "مختلطة"، يعيش فيها عرب فلسطينيون ويهود إسرائيليون، في أغلب الأحيان دون اختلاط مباشر. فالتعليم المدرسي مثلاً منفصل، مدارس عربية ومدارس عبرية، كذلك يعيش الكثيرون منفصلين: العرب الفلسطينيون في الحارات العربية واليهود الإسرائيليون في حارات عبرية. من تجربتي الخاصة كفتاة من حيفا، فإن الفعاليات المتاحة للشباب الفلسطيني في المدينة تأتي من مبادرات خاصة، مجموعات شبابية مستقلة أو أحياناً مدعومة من جمعيات غير تابعة لأحزاب سياسية. عمل هذه الحركات في أغلبه تطوع، يهدف لبناء وتوفير المساحة والأطر للشباب والصبايا الفلسطينيين ليقوموا بفعاليات ونشاطات في مجالات مختلفة.
حركة شباب حيفا… مبادرة مستقلّة
إن أبرز المبادرات في حيفا اليوم، هي المبادرة الشبابية المستقلة "حركة شباب حيفا"، التي أسسها شباب وشابات عرب فلسطينيون عام 2014، تحت إطار "مشروع حيفا"، بمبادرة كل من جمعية "بلدنا"، جمعية "كيان"، وجمعية التطوير الاجتماعي في حيفا.
يُذكر في موقع الحركة أنها جاءت "لتشكل مرجعاً ومنبراً لجيل الشباب العرب في المدينة، لتنهض بهم وتربطهم مع هوية مدينتهم الفلسطينية وتاريخها العريق. لذا، نهدف في الحركة إلى تعزيز انتمائنا للمدينة وتقوية العلاقات بين سكان حيفا العرب، وخاصة جيل الشباب، عن طريق أمسيات، جولات، مشاريع تطوعية ونشاطات مختلفة من أجل البلد".
منذ تأسيس حركة شباب حيفا، شهدت المدينة العديد من الفعاليات المتنوعة والأعمال التطوعية التي قام بتنظيمها شباب وشابات الحركة، مثل: تنظيم مسرح شارع تحت عنوان "مسرحيفا"، طرح من خلاله مشاكل يعاني منها سكان المدينة.
إحياء ذكرى نكبة المدينة على مدار 4 سنين متتالية، من خلال محاضرات في المدارس وفعاليات مختلفة داخل المدينة وخارجها. زيارات مستمرة لأطفال مرضى في مستشفيات المدينة وتوزيع الهدايا عليهم، خاصة الأطفال المرضى من غزة. جمع تبرعات ومواد غذائية لتوزيعها على عائلات محتاجة في عيد الميلاد. إقامة وإدارة ورشات في القيادة الشابة لطلاب المدارس، فيها تمرر فعاليات وتحفز النقاشات بمواضيع مختلفة، كما وتعمل الورشات على تقوية المهارات التنظيمية والقيادية للطلاب، بهدف بلورة جيل شاب يؤمن بالعمل التطوعي، الأهلي والوطني، وغيرها.
إن أبرز المبادرات في حيفا اليوم، هي المبادرة الشبابية المستقلة "حركة شباب حيفا"، التي أسسها شباب وشابات عرب فلسطينيون عام 2014، لتشكّل مرجعاً ومنبراً لجيل الشباب العرب في المدينة
للحديث عن "حركة شباب حيفا"، التقى رصيف22 بأعضاء الحركة. يقول فراس حبيب: "نحن كحركة نعمل على إحياء وتقوية الحيز الفلسطيني في المدينة بهدف أن تعود المدينة في جوهرها فلسطينية"
المكتبة النقّالة ومجلة محلّي
من بين الفعاليات المستمرة للحركة والتي حظيت باهتمام ونجاح كبيرين إضافة إلى ما ذكر سابقاً، هو مشروع تأسيس "المكتبة النقالة"، والذي جاء ليغطي النقص في المكتبات العامة العربية في المدينة. ينقل شباب وشابات الحراك "المكتبة النقالة" كل فترة إلى حارة عربية فلسطينية أخرى في المدينة، وهناك تمنح الكتب وتوزع لسكان الحارة والحاضرين دون مقابل. لهذا الغرض قام أعضاء الحراك بتجميع كتب من أفراد متبرعين وجمعيات، وصل عددهم إلى أكثر من 1000 كتاب.
آخر فعاليات الحراك كان إطلاق معرض ومجلة تحت عنوان "محلّي"، في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
وخلال حدث الإطلاق، التقيت أعضاء الحركة، منهم سما حدّاد، التي تحدثت إلى رصيف22 عن مشروع "محلي" قائلة: "تشكّل حيفا ملتقى للفنانين الفلسطينيين، لكن الفرص المتاحة لممارسة الفن محدودة جداً وتسنح عادة لطبقة معينة فقط من الملقبين بالفنانين. بالرغم من ذلك، إن مجال الفن واسع ووجدنا فيه درجات واتجاهات مختلفة للمبدعين والعاملين في الفن، من هناك جاءت الفكرة حتى نجمع هذا التنوع الفني تحت إطار واحد، لفتح المجال وإتاحة المساحة لشريحة أوسع من المهتمين بالفن لتبدع وتحقق نفسها".
أقامت الحركة معرضاً عرض فيه 11 فنان وفنانة أعمالهم/ن من مجالات فنية مختلفة، تحت عنوان "محلي"، بحيث عبّر كل من المشاركين في المعرض عما تعنيه له كلمة "محلي"، إن كان شخصي، عائلي، سياسي أو غيره.
وكان الجزء الثاني من المشروع/ المعرض، هو تأسيس المجلة. عن هذا تقول حدّاد: "لاحظنا أنه بالإضافة إلى أنواع الفنون الأخرى، فإن فن الكتابة منتشر أيضاً في حيفا، ورغبنا جمع بعض الكتاب المحليين تحت سقف مشروع واحد. لذلك تواصلنا مع كتاب محليين ليكتبوا تحت عنوان كلمة "محلي" ومعانيها، ثم جمعنا النصوص في المجلة". ومن الجدير بالذكر أن المجلة عُرضت للمعنيين باقتنائها دون تكلفة، مع إمكانية التبرع المادي للحركة.
إحياء الحيز الفلسطيني
عن بعض الدوافع لعملهم المستمر، قال فراس حبيب، عضو آخر في الحركة لرصيف22: "أحد الدوافع الأساسية لعملنا هو محاولات دولة إسرائيل المستمرة في "أسرلة" المدينة وفرض الهوية الإسرائيلية عليها، بالرغم من تشبث سكانها العرب الفلسطينيين بفلسطينية المدينة. نحن كحركة نعمل على إحياء وتقوية الحيز الفلسطيني في المدينة بهدف أن تعود المدينة في جوهرها فلسطينية وطابعها السائد فلسطيني. من الأسباب الأساسية الأخرى لقيامنا بهذا المشروع هو الشعور بالاستهداف والظلم، نتيجة لكوننا أفراداً فلسطينيين في دولة يقلقها ويزعجها وجودنا. في رؤيتنا نريد بناء وتقوية الصلة بين شباب المدينة وكذلك تنمية الشعور بالانتماء".
برغم التحديات، نجحت المجموعة في تطوير الحراك والاستمرار في فعالياته لمدة أكثر من أربع سنوات الآن
البداية لم تكن سهلة، كما قالت عضوة الحركة سما مسعد لرصيف22: "لقد بدأنا كشباب مستقلين في بناء الحركة لتسد فجوة أو فراغاً موجوداً في المجتمع الفلسطيني في المجالات الثقافية والاجتماعية. بسبب هذا النقص، لم نعرف بداية لمن نتوجه أو نسأل عن كيفية القيام في حراك مثل هذا أو فعالياته، ولنا كشباب لم نكن نملك الخبرة الكافية في إدارة مشروع مثل هذا".
بالرغم من ذلك، نجحت المجموعة في تطوير الحراك والاستمرار في فعالياته لمدة أكثر من أربع سنوات الآن. أحد الأشياء الذي يميّز عمل هذه الحركة اليوم، عن حركات ومجموعات شبابية سابقة توقف عملها وتشتت أفرادها، هو عمل الأعضاء المؤسسين للحركة نحو "بناء كيان مستقل، يستمر في المستقبل من دون الاتكال أو الاعتماد على أعضاء أو أفراد معينين. الرؤية المستقبلية للحركة هي أن تُكمل عملها في المستقبل بانفصال عن الأفراد المؤسسين لها"، كما ذكر فراس حبيب. لتحقيق ذلك يجرب ويستكشف أعضاء الحركة طرقاً مختلفة لتنهيج وتنظيم عمل الحركة، مثل تركيب جسم إداري، تنظيم المهمات وكتابة دستور. كما أن عدد الأعضاء في الحركة يزداد سنوياً ويشمل غير الطلاب الجامعيين أيضاً طلاب مدارس.
الدعم المجتمعي والمادي
نجحت الحركة تخطي المصاعب الاقتصادية التي واجهتها في البداية بطرق مختلفة ومبدعة. كما ذكرت سما حدّاد في حديثها لرصيف22، حيث قام الأعضاء أنفسهم بدعم الحركة مادياً في البداية، حتى بدأوا باستكشاف الطرق المختلفة لجمع الأموال والجهات الداعمة المتوفرة حولهم. تدعم اليوم الحركة بمنحة من صندوق "روى". كذلك تحظى بدعم من المجتمع الفلسطيني الحيفاوي، جمعيات، صناديق، مصالح خاصة أو أفراد، عن هذا يقول فراس حبيب: "حاسين إنه في همّة ورانا".
ختاماً، سأنهي مع اقتباس من مجلة "محلّي"، وهو من نص كتبه أمير طعمة، أحد الفاعلين في الحركة، والذي ذُكر فيه: "رسالتنا هي: أيها الناس، اعرفوا مكانكم، وحافظوا عليه، وامنحوه من أنفسكم، ولو شعرتم أحياناً بأنه لا يرد لكم شيئاً في المقابل. أصدقاؤكم وشركاؤكم سيكونون دائماً على استعداد لتقديم المساعدة، ومنح الدعم الذي تحتاجون إليه، للحفاظ على محبتكم للمكان، الذي يمتد، في نهاية الأمر، إلى أماكن وثقافات وأشخاص آخرين. انظروا إلى المكان والمجتمع، تعرّفوه جيّداً، وابدؤوا العمل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع