مع تفاقم أزمة كورونا التي شلّت العالم إلى مدى بعيد، بدا قطاع الطيران أحد أكثر المجالات تضرراً، خاصةً مع الإغلاق شبه الكامل لمعظم بلدان العالم في آذار/مارس الماضي.
على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تكبّد قطاع الطيران خسائر ضخمة، إذ حذّر الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، في 23 نيسان/أبريل الماضي، من أن خسائر شركات الطيران في المنطقة من إيرادات الركاب قد تقفز مقارنة بالعام 2019 إلى 24 مليار دولار أمريكي. وهو ما يزيد على ما كان متوقعاً مطلع الشهر نفسه بنحو خمسة مليارات دولار.
ولفت الاتحاد إلى أن قرابة 1.2 مليون وظيفة في قطاع الطيران والصناعات المتصلة، ونصف وظائف القطاع في المنطقة البالغة 2.4 مليون، ستتأثر سلباً بالظروف الراهنة إذا لم تتدخل الحكومات لدعم شركات الطيران.
خسائر الطيران ومحاولات تجاوزها
ونبّه الاتحاد إلى أن حركة المرور لعام 2020 قد تنخفض بنسبة 51% مقارنة بالعام السابق، وهذا ما يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي المدعوم بالطيران في دول المنطقة حوالي 66 مليار دولار من أصل 130 ملياراً.
كذلك أبرز انخفاض حركة الطيران في السعودية بمعدل 35 مليون مسافر بإجمالي خسائر في الإيرادات بلغت 7.2 مليار دولار، وتهديد أكثر من 287 ألف وظيفة. وفي الإمارات، انخفض عدد المسافرين بمقدار 31 مليوناً بخسارة تصل إلى 6.8 مليار دولار وتهديد أكثر من 377 وظيفة في القطاع.
أما مصر فانخفضت حركة الطيران فيها بمقدار 13 مليون مسافر، وحصلت خسارة في الإيرادات مقدارها 2.2 مليار دولار، وتهديد أكثر من 279 وظيفة.
ودفع ضعف الطلب على السفر جواً شركات الطيران في المنطقة إلى محاولة السيطرة على وضعها المالي أو تقليل الخسارة بطرائقها المختلفة، فلجأت شركة الخطوط الجوية القطرية، في 6 أيار/مايو، إلى التحذير من أنها ستضطر إلى تسريح عدد كبير من الموظفين من أجل "حماية مستقبل الشركة" على خلفية "الصدمة غير المسبوقة التي يواجهها قطاعنا" منذ تفشى فيروس كورونا عالمياً.
ولم تحدد الشركة التي تضم 45 ألف موظف وعامل، وتمتلك أسطولاً جوياً ضخماً يصل عدد طائراته إلى 240، الوظائف التي سيُسرّح أصحابها، لكنها لفتت إلى أن التسريح سيشمل "أطقم المضيفين" أيضاً.
وسبق أن أعلنت مصر، في 4 أيار/مايو، استئناف الطيران الداخلي اعتباراً من 15 أيار/مايو، مع اتخاذ التدابير اللازمة لمنع التكدس في المطارات والبقاء على مسافة آمنة لا تقل عن مترين بين راكب وآخر، وتطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية في المطار، وعلى متن الطائرات وفي تعامل أطقم الطائرة خلال الرحلات.
وقالت الحكومة المصرية إن القرار جاء بعد التنسيق بين وزارات الطيران المدني والسياحة والآثار والصحة، واتّساقاً مع القرار الخاص بالتشغيل الجزئي للمنشآت الفندقية بمعدل لا يتجاوز 25% من طاقتها الاستيعابية على أن تزيد النسبة تدريجياً إلى 50%.
خبراء الطيران يتوقعون تغيرات جذرية في بنى المطارات وعلى متن الطائرات بعد كورونا: روبوتات عوضاً عن الموظفين، تقنيات التعرف بالوجه بدل الباسبور، وبلوتوث لتحريك المقاعد
أما شركة طيران الإمارات فقد لجأت، في 15 نيسان/أبريل، إلى تدبير احترازي قضى بإجراء فحص سريع (تظهر نتائجه خلال 10 دقائق) للكشف عن كورونا لجميع ركابها. وهي أول هيئة نقل في العالم تتبع هذا الإجراء إلى جانب "خطوات إضافية في الإجراءات الوقائية" التي تلتزمها الشركة، بعدما نالت موافقة على تسيير عدد محدود من الرحلات إلى 12 وجهة خارجية بدءاً من 6 نيسان/أبريل.
وجاء ذلك في إطار محاولاتها استعادة العمل وتقليل الخسائر.
متى يُستأنف السفر دولياً؟
يتوقع غالبية الخبراء الدوليين في مجال السفر والسياحة بأن عودة حركة الطيران الدولية ستكون تدريجية وبطيئة، مع تجنب الرحلات الطويلة جداً، على أن نشاطها "العادي"، كما كان قبل تفشي الفيروس، لن يكون قبل عام 2023.
وبحسب جدول التوقعات الزمني لـ"Atmosphere Research Group"، فإن الأشهر التسعة بعد عودة الطيران ستشهد حركة محدودة، تقتصر على السفر الضروري لرجال الأعمال وما شابه.
وفي المرحلة التالية، من ثمانية إلى 16 شهراً (حتى منتصف 2022)، من المتوقع تصاعد موجة "الرواد"، أي المسافرين من رجال الأعمال، بالإضافة إلى معتادي السفر، الذين يتخطى دخل أسرهم 125 ألف دولار فصعوداً.
وخلال الفترة الممتدة من 12 إلى 18 شهراً، ستنضم إلى هؤلاء جماعات مما أسمتهم المنظمة "المتابعين السريعين".
بعد ذلك، أي من 16 إلى 24 شهراً، عقب اعتبار الفيروس التاجي تحت السيطرة (نهاية عام 2022 في حال نجاح جهود السيطرة عليه)، يستأنف المسافرون من أجل الترفيه رحلاتهم بشكل جماعي لتصل الصناعة إلى 80 أو 90 % من حجم الترفيه قبل الفيروس"، وتصل إلى الذروة عام 2023 ببلوغ معدلاتها السابقة أو تخطيها.
رجّح "إياتا" ارتفاع تكاليف السفر بعد استئناف حركة الطيران، فبينما تبرز عوامل تُسهم في خفض التكلفة، منها تراجع أسعار الوقود وقلة الطلب والرغبة في تحفيز الأشخاص، ستُرغم عوامل أخرى الشركات على رفع أسعارها، أبرزها تدابير التباعد الاجتماعي والتعقيم
وأوضح موقع"هارفرد بيزنس ريفيو" أن قدرة شركات الطيران على اجتياز هذه الأزمة "غير المسبوقة" تختلف بين شركة وأخرى، إذ إن الشركات التي تمتلك طائراتها أو ليست عليها ديون ستكون أكثر قدرة على البقاء.
ولفت الخبراء إلى أنه "لا يمكن أن تنجو أية شركة من تلقاء نفسها أو من دون دعم حكومي، خاصةً في ما يتعلق بالسيولة التي تحتاجها لدفع الرواتب".
تغيرات ما بعد عودة الطيران
وبدأت عدة اتحادات محلية وإقليمية في وضع اشتراطاتها لاستئناف رحلات الطيران ما بعد انتهاء الأزمة، في حين أوصى إياتا بارتداء الكمامات على متن الرحلات الجوية لمنع انتشار كورونا لدى استئناف حركة الطيران، مع الإبقاء على التخصيص المعتاد للمقاعد باعتباره أمراً مكلفاً للمسافرين والشركات.
ورجّح إياتا، في أحدث تقرير له، ارتفاع تكاليف السفر بعد استئناف حركة الطيران، لافتاً إلى أنه بينما تبرز عوامل تسهم في خفض الأسعار، منها تراجع أسعار الوقود وقلة الطلب والرغبة في تحفيز الأشخاص للسفر، ستُرغم عوامل أخرى الشركات على رفع أسعار خدماتها، أبرزها تدابير التباعد الاجتماعي والتطهير والتعقيم.
ونبّه إلى أن التكاليف قد ترتفع أكثر فأكثر لدى إبقاء بعض الشركات مقاعد فارغة على متن طائراتها لزيادة فرص الحماية من العدوى.
وتوقع خبراء أن تعمد شركات الطيران إلى تدابير وقائية قصوى لدى استئناف الرحلات، منها ارتداء أقنعة الوجه والقفازات وزيادة التعقيم والنظافة لمرافقها.
وهنالك أيضاً تغيرات متوقعة، أهمها: مقاعد لا تعمل باللمس تتصل بالبلوتوث على هاتف المسافر للتحكم في خفض المقعد أو إعادته للخلف أو طي الدرج، مراحيض لا تحتاج إلى اللمس، تعديلات في إجراءات ما قبل الصعود إلى الطائرة تفادياً للتزاحم مثل تقنية التعرف على الوجه والتتبع من خلال الجمارك والصعود إلى الطائرة، حتى لا يلمس العملاء والموظفون البطاقة نفسها (وثيقة السفر)، اعتماد الروبوتات في بعض أدوار الموظفين.
وتوقع آخرون زيادة الاعتماد على "التأمين على السفر" من قبل الشركات والمسافرين على السواء، وتطوير شركات الطيران منشآتها ومرافقها لتكون أكثر سعة من أجل تأمين التباعد الاجتماعي الآمن.
وفيما أجمع خبراء على أن استئناف الطيران الداخلي في العديد من البلدان سيسبق عودة حركة الطيران الدولية لصعوبة التحكم في التدابير الصحية، رأى بعضهم أن "فقاعات السفر" قد تكون النهج الوحيد الآمن للرحلات الجوية بين الدول.
ويبحث المسؤولون في نيوزيلندا وأستراليا إمكان فتح الأجواء والسماح بتبادل الرحلات الجوية بينهما بعد تمكنهما من السيطرة على تفشي فيروس كورونا.
ويعتقد خبراء أن هذه "الفقاعة" التي يتوقع أن تبدأ في آب/أغسطس المقبل قد تكون نموذجاً يحتذى به في العالم.
بموازاة ذلك، طُرحت فكرة "جوازات سفر المناعة" أو "جوازات السفر الصحية" كوسيلة لمنح بعض الأشخاص حرية أكبر في السفر والتنقل بعد ثبوت إصابتهم بالفيروس وتعافيهم منه. لكن منظمة الصحة العالمية ردّت على ذلك بالإشارة إلى عدم وجود ما يؤكد أن المتعافين سيكونون بمأمن من إصابة ثانية بالفيروس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون