شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"عندما أشاهدها أصاب بالاكتئاب"... لماذا لم تعد الكوميديا الأردنية تُضحكنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 30 أبريل 202005:31 م

أبو عواد، مرزوق، سمعة، عليوة وغيرها الكثير من الشخصيات، جسّدها ممثلون أردنيون من جيل قديم، أبت أن تفارقنا ونحن على مشارف منتصف 2020، وأبت، دون قصد، أن تعطي المساحة لغيرها من ممثلي جيل آخر أن يؤثروا علينا، ولو كان موقع يوتيوب ينطق لكان خير دليل على ما أقول.

إن يوتيوب بالنسبة للكثير من الأردنيين/ات الذين يبحثون عما يحيي ضحكاتهم، هو السبيل السهل الذي يمكّنهم من البحث أو "التنكيش" عن روابط حلقات مسلسلات ومسرحيات أردنية كوميدية قديمة، لا شك بأن الحنين لتلك الأيام هو عامل مهم للبحث عن تلك الشخصيات التي غاب أغلبها، ولا شك أيضاً أن أزمة الكوميديا الأردنية اليوم هي عامل مهم كذلك.

 "كوميديا جيل اليوم لا أعتقد أنها ستكون عابرة للأجيال، فهي في عصر فيه كل شيء سريع، وبصراحة عندما أشاهدها أصاب بالاكتئاب!".

يتكرر سؤال يطرحه أردنيون/ات عن سبب فشل بعض الممثلين الكوميديين الأردنيين اليوم في إضحاكهم، هو ذات السؤال الذي طرحته على نقاد، كتاب وصحفيين/ات، اتفقوا معي بأن هناك أزمة حقيقية وملموسة تمر بها الكوميديا الأردنية، أما عن الأسباب، فلكل منهم رؤيته النقدية.

"ما نراه ونشاهده لا يمكن أن نسميه كوميديا"

سامية عايش، صحفية وكاتبة، عندما سألتها عن أسباب أزمة الكوميديا الأردنية، عادت فوراً بذاكرتها إلى حارة "أبو عواد" التي عاشت أجيال أردنية فيها، ومع الممثلين/ات الذين جسدوا/ن شخصياتها، وفي زقاق تلك الحارة التي تشبه بيوت الأردنيين حد الواقع لا المبالغة.

وتابعت سامية عايش، قبل أن تقدم تحليلها النقدي لما يحدث مع كوميديا الأردن اليوم: "منذ صغرنا، اعتدنا على قصص حارة أبو عواد وكل شخصياتها الجميلة، من أبو عواد نفسه إلى مرزوق وسمعة، ومن الحارة ذهبنا إلى قصص عليوة وسلامة وغيرهم".

"ولكن اليوم، المشهد اختلف"، كما تضيف، "فما نراه ونشاهده لا يمكن أن نسميه كوميديا، بل هو تهريج لا أكثر، ومن يعتقدون أنهم يقدمون أعمالاً كوميدية، أي مضحكة، فعليهم مراجعة حساباتهم، لأن إضحاك الناس بهذا الشكل السطحي لن يكسبهم إلا شهرة زائفة تزيد من سخرية الناس منهم".

وتضيف سامية عايش: "أعتقد أن الأزمة التي تعانيها الكوميديا الأردنية، سواء في المسلسلات أو البرامج تعود لسببين: الأول هي النصوص، فأصعب أنواع الكتابة هي الكوميديا، لأن عليك أن تتخيل الموقف المضحك، تكتبه على الورق ومن ثم على الممثل أن يقدمه بطريقته الخاصة أمام الكاميرا، بشكل لا يظهر فيه أي ابتذال".

"وهناك سبب يجب ألا نغفله"، كما تضيف، "وهو التمثيل، فكثيرون ممن يقدمون أعمالاً (كوميدية) هذا العام يميلون للمبالغة والإفراط في الأداء، ظناً منهم أن صفعة أو رفع الصوت ليصم الآذان سيكون أمراً مضحكاً، ناهيك عن اللغة المستخدمة في النصوص، والتي غالباً ما تكون منفرة لدى الكثيرين، مثل تلك الحوارات بين شابين يعاكسان فتاة بألفاظ دنيئة ومسيئة، أو التحدث عن ذوي الاحتياجات الخاصة بصورة مسيئة".

يتكرر سؤال يطرحه أردنيون/ات عن سبب فشل بعض الممثلين الكوميديين الأردنيين اليوم في إضحاكهم، هو ذات السؤال الذي طرحته على نقاد، كتاب وصحفيين/ات، اتفقوا معي بأن هناك أزمة حقيقية وملموسة تمر بها الكوميديا الأردنية... هُنا، يرصد رصيف22 بعض الآراء

"القصص مؤخراً حزينة بسبب ما يحدث معنا"

المخرجة سوسن دروزة، ووفق تحليلها النقدي للخلل الذي يحدث في الكوميديا الأردنية، تستغرب، وفق ما قالته لرصيف22، هذا الخلل، في الوقت الذي يمتلئ "الواتس أب" في الأردن، برسائل ذات حس فكاهة عال، وأغلب محتواها هو السخرية من الحالة الأردنية، سواء الاجتماعية أو السياسية، أو حتى عن أزمة كورونا الحالية، حيث تشكل شيئاً من النكتة الحاذقة، وتتخللها سرعة في البديهة وذكاء في الالتقاط المضحك.

"وهنا أستغرب: لماذا لا يستطيعون تأليف تلك النكات على شكل نص يجسد مشهداً كوميدياً كاملاً؟"، تسأل سوسن، وتجيب على سؤالها بأن الكوميديا عبارة عن موقف كامل ليست فقط كلمة عابرة، وترتبط بطول الجملة، والأهم توقيت تلك الجملة، بحيث إذا ابتعدت الجملة عن توقيتها، مثل أن تقال قبل عشر ثوان أو دخلت بطريقة خاطئة لن تكون مضحكة، هو ما يدلّ على أهمية عامل التوقيت في الكوميديا.

ورداً على سؤال: لماذا تلك العوامل غائبة في كوميديا الأردن اليوم؟ رجحت المخرجة سوسن ذلك إلى الاستعجال في كتابة النصوص، وقالت: "من خلال ما أتابعه هذا العام من أعمال كوميدية، فمن الواضح جداً أن هناك حالة من الاستعجال في الكتابة، والإطالة أيضاً، ذلك لأن التلفزيون يفرض وقتاً معيناً، بالتالي عندما تحدث إطالة في المشهد يسقط حس الطرافة فوراً، وتصبح النكتة ثقيلة، رغم أن أهم شروطها الخفة والسرعة".

ومرت سوسن دروزة في تحليلها النقدي، إلى حالة الحزن العامة التي فرضت نفسها في الأعوام الماضية، فالقصص مؤخراً حزينة جداً، كما تقول، بسبب ما يحدث معنا كمجتمع أردني أو مع من حولنا، وبالطبع هذا عامل مؤثر على حالة الكوميديا الأردنية، بيد أنه يمكن استغلال هذه الحالة، من خلال اللجوء إلى الكوميديا السريالية، مستشهدة بمسرحية "الحادثة"، التي أخرجتها قبل خمسة أعوام، وأدى بطولتها كل من صبا مبارك وأحمد السرور، والتي تناولت قضايا محزنة بطابع مضحك، أو كما وصفته سوسن بالـ"بفطس ضحك".

وختمت حديثها: "وصلنا لحالة نفاذ للضحك بسبب الأحوال التي نمر بها في الأردن أو مع محيطنا، أحوال فيها تعاطف مع ما يحدث حولنا في البلاد الأخرى، فيها تعب اقتصادي عال، وحروب كثيرة ومتواصلة، وكثير من اللجوء… كل ذلك يقلب المزاج العام".

"وصلنا لحالة نفاذ للضحك بسبب الأحوال التي نمر بها في الأردن أو مع محيطنا، أحوال فيها تعاطف مع ما يحدث حولنا في البلاد الأخرى، فيها تعب اقتصادي عال، وحروب كثيرة ومتواصلة، وكثير من اللجوء… كل ذلك يقلب المزاج العام"

"لا ترسم أي ابتسامة"

سميرة الأسعد، متابعة أردنية ومحبة للكوميديا، علمت عن إعدادي لهذا التقرير وأحبت أن تعبر عن رأيها بأزمة الكوميديا الأردنية، وقالت: "للأسف الكوميديا الأردنية لا تضحك ولا ترسم أي ابتسامة، ابتداء من اختيار ملابس غريبة للممثلين ولهجة غريبة على أساس أنها شعبية، بالإضافة إلى استخدام ألفاظ مسيئة، وصولاً إلى مواضيع لا تتعدى تمثيل نكات قديمة".

وأضافت: "هناك مقولات تتكرر تعليقاً على الحالة الكوميدية الأردنية وأنا من مؤيديها، بأن أي شخص يقول نكتة ويضحك أصدقاؤه عليها يصبح ممثلاً كوميدياً!".

"الكتّاب غائبون اليوم"

سألت الناقد ناجح حسن "إحنا ليش بطلنا نضحك؟"، أجاب بأن المشكلة ليست في نوع الكوميديا إنما أزمة في الدراما الأردنية عموماً، فقبل 30 سنة وأكثر، كان الأردن مصنع الدراما العربية، وبعض من صناع الدراما الأردنيين انتقلوا بعدها إلى بلدان عربية أخرى، عندها، بدأنا نلحظ اختفاء العنصر الدرامي الأردني، بشقيه البدوي والكوميدي.

وأضاف الناقد حسن: "في السابق، كانت المسلسلات الأردنية الكوميدية، مثل حارة أبو عواد والعلم نور وغيرها، تتحدث عن مكونات المجتمع الأردني، بحيث كانت مرآة لهذا المجتمع، لكن اليوم غابت روح مثل تلك الأعمال عن الكوميديا الأردنية، والأسباب كثيرة، أهمها اختفاء المنتج الأردني أيضاً، فضلاً تقصير التلفزيون الأردني الذي لم يقم بدوره في دعم الكوميديا الأردنية، لذلك تجدين الأعمال تذهب إلى الإنتاج الضئيل مادياً".

"بيئتنا مليئة بالدعابة والمفارقات"، يقول ناجح حسن، لكنها بحاجة إلى كاتب، فحتى الكتّاب غائبون اليوم، سواء لأسباب مادية أو غياب الخيال الواسع لدى الكثير منهم.

أما الكاتب الأردني الساخر يوسف غيشان، فرجح أن سبب أزمة كوميديا الأردن اليوم، أن "الجيل الحالي يختلف عن كل الأجيال التي سبقته، حتى عن الجيل الذي هو بين البينين، أي الذي عاصر القديم ومطلع على الجديد"، وكان صريحاً عندما قال: "أنا لا أفهم على كوميديي هذا الجيل، ولا أعلم إذا كانوا مضحكين بسبب الفجوة العمرية بيني وبينهم".

وأضاف أن الكوميديا في أعمال تشارلي تشابلن وموليير، عابرة لكافة الأجيال، وتابع: "كوميديا جيل اليوم لا أعتقد أنها ستكون عابرة للأجيال، فهي في عصر فيه كل شيء سريع، وبصراحة عندما أشاهدها أصاب بالاكتئاب!".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard