في كتابه "جوهر الدعابة: استخدام الفكاهة لعكس هندسة العقل" يطرح الكاتب الأمريكي ماثيو إم هرلي، الباحث في جامعة إنديانا، فكرته حول حس الفكاهة وأسباب الضحك، وملخصها هو الاستمتاع بالحماقة كاستجابة طبيعية لدعابة يكون بطلها أحمق ما، لا تربطك به علاقة ودية. كتب "ترتبط الفكاهة بخطأ من نوعٍ ما؛ فكل تورية، أو مزحة، أو حدث كوميدي يبدو أنه يحتوي على أحمق ما، أي أضحوكة المزحة. وعادةً ما تكون الاستجابة الطبيعية هي الاستمتاع بالحماقة، وهذا أمر مفهوم عندما يكون الأحمق شخصاً آخر أو منافساً لك، ولكن ليس عندما يكون أنت أو أحد أحبائك".
لكن يبدو أن هرلي لم يطّلع على نوع جديد من الفكاهة، أي السخرية من الكارثة. الضحك على المصيبة التي قد تطالك أنت وأحباءك. يبدو هذا النوع رائجاً الآن في ما ينتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتحديداً التصميمات الساخرة Memes من تفشي فيروس كورونا في العالم.
"أن جزءاً كبيراً من موجة السخرية محاولة للتصالح مع الفيروس، والتكيّف معه، خاصة مع الغياب التام للثقة في قدرة الحكومة على التعامل مع الموقف، أو لفقدان الأمل في أن يكون للناس دور مدني أو اجتماعي فعّال"... أنديل في حديث لرصيف22
شر البلية ما يضحك
مع بداية تفشي كورونا امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالعديد من التصميمات والتعليقات الساخرة من الأزمة، إذ شكّل الفيروس في مصر مادة دسمة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي. فقد تعامل المصريون مع الموضوع بالنكات والسخرية تحديداً من "إصرار" مصر على عدم الإعلان عن ظهور كورونا في البلاد. وسادت حالة من التشكيك في التصريحات الرسمية بهذا الخصوص واتهم البعض السلطات بممارسة التعتيم.
ففي الوقت الذي لم تعلن فيه البلاد ظهور أي إصابة لديها، برزت حالات في بلدان أخرى قادمة من مصر. إذ تداول عدد من المستخدمين والنشطاء ميمز ساخرة ونكاتاً موضوعها هو تكتم مصر على طبيعة الوضع الصحي. حتى أن دولاً خليجية قررت عدم السماح للمصريين بدخول أراضيها، قبل أن تعلن مصر رسمياً ظهور الفيروس لديها.
لاحقاً تغيّرت طبيعة التصميمات والمميز الساخرة بالتزامن مع تغير الموقف في مصر.
متنفس للقلق والتوتر
وحول نزوع المصريين نحو السخرية والتهكم، يعلق رسام الكاريكاتير والكوميدي المصري أنديل لرصيف22 قائلاً إن "الضحك كثيراً ما يرتبط بالتوتر أو المآسي، وهو أمر لا مفر منه برغم كلاسيكيته وكليشيهيته المفتعلة".
ويوضح صاحب شخصية "أخ كبير" الساخرة أن "فيسبوك المصري مكان هيستيري عموماً في أي شيء يتناوله، سواء كان مزحاً أو جداً. هو المتنفس الوحيد لهم في ظل اختناق المجال العام في صوره التقليدية الأخرى مثل التلفزيون، والصحافة، وحتى الشارع".
ويتابع أنديل: "في حالة الخوف من الكورونا النتيجة أيضاً إسهال من التعليقات الساخرة". يفسرها رسام الكاريكاتير بـ"أن جزءاً كبيراً من موجة السخرية محاولة للتصالح مع الفيروس، والتكيّف معه، خاصة مع الغياب التام للثقة في قدرة الحكومة على التعامل مع الموقف، أو لفقدان الأمل في أن يكون للناس دور مدني أو اجتماعي فعّال"، ويوضح أن "مفيش متنفس للتوتر غير بالهزار وده منطقي".
رقصة الكورونا
لم تقف حدود السخرية والتهكم عند جمهور مستخدمي الشبكات الاجتماعية فحسب، فقد امتدت إلى البرامج التليفزيونية. بعض البرامج اليومية كان لها صوت في موجة السخرية. قدم الإعلامي المصري جابر القرموطي "رقصة الكورونا" وهي إعادة تقديم لـ"رقصة المجنونة" إحدى رقصات فرقة رضا المصرية للفنون الشعبية. جاءت بصوت توعوي حول غسيل اليدين. والحفاظ على النظافة العامة كإحدى سبل مواجهة تفشي الفيروس. وقدم اسكتشاً ساخراً عبارة عن لقاءٍ تخيلي مع فيروس كورونا.
عدّ البعض تجربة الإعلامي جابر القرموطي محاولة توعوية ضد الفيروس، يسعى بها للوصول إلى المواطن البسيط عبر أغنية بصيغة مدرسية. غرد أحدهم أن "جابر القرموطي أوصل الموضوع بطريقة حلوة وأسلوب بسيط للمواطنين".
وكتب أحمد ثناء عبر تويتر: "جابر القرموطي أحسن واحد عمل توعية ضد الكورونا بجد توصل للغلابة واللّي دماغهم على قدّهم".
واعتبر آخر أن أغنية القرموطي محاولة لملء فراغ الأغنية الشعبية التوعوية التي مارسها المغني الشعبي الراحل شعبان عبد الرحيم. كتب حساب باٍسم نور الهدى: "لو شعبان عبدالرحيم عايش كان عمل أغنية حلوة وتسمع أكتر… الله يرحمه ساب فراغ وجابر القرموطي بيحاول يملاه".
وقال أنديل: "الفيديو طريقة فعّالة للفت انتباه الناس للقضية، وعلى حد علمي كوريا الجنوبية مثلاً عملوا أغنية برضه للكورونا عشان يوعوا الناس وهكذا. بالفعل لفت الانتباه. لكنه مش مضحك قوي".
ويتابع: "في النهاية، فإن "النكتة" أو الـ "ميم" وظيفتها الأساسية هي النسخ والتكرار، والاتصال بأكبر عدد من الناس، بغض النظر عن التوظيف العملي أو النفع". ويضيف: "مواسم الانشغال العام في مصر أصبحت فرصة للتشابك من خلال النكات، وهو أمر مثير للاهتمام لكون رغبة الناس في التواصل والتشابك مسألة مهمة جداً، خاصة في اللحظات الكارثية الراهنة".
"مع الكورونا، يأتي الخوف من الإصابة بالفيروس، ولهذا الخوف علاقة بغريزة البقاء. اللجوء إلى السخرية يسهل التعامل مع الخوف. كوننا في عصر يصعب على الكثير من الناس أن يواجهوا مشاعرهم مباشرة" ... الأخصائية النفسية نرمين مطر في حديث لرصيف22
إنكار الخوف
في حديث مع الأخصائية النفسية الفلسطينية نرمين مطر حول علاقة السخرية بالخوف، قالت: "يحاول الناس تغطية مشاعرهم، وإخفاءها. السخرية هي إحدى هذه الآليات، فهي تأتي في أحيانٍ كثيرة من إنكار ذاتي لكل هذا الخوف، فيلجأ الإنسان إلى تقييد مشاعره، لأن الذهاب إلى الفكاهة والسخرية لدى التعامل مع الخوف أسهل من لمس المشاعر الحقيقية التي تنتجها مواقف حياتية صعبة".
وأضافت: "في حالة الكورونا، يأتي الخوف من الإصابة بالفيروس، ولهذا الخوف علاقة بغريزة البقاء. اللجوء إلى السخرية يسهل التعامل مع الخوف. كوننا في عصر يصعب على الكثير من الناس أن يواجهوا مشاعرهم مباشرة، مثل الذنب والغضب والخوف، تأتي السخرية رد فعل انقاذي لمواجهة مخاطر الحياة، منها فيروس كورونا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون