شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"صحفة الثوم" طبق الأجداد يزدهر في تونس بسبب كورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 25 مارس 202006:12 م

وصل فيروس كورونا إلى تونس، وتملك الناس الخوف، وهرعوا إلى المحلات التجارية لادخار المؤن ومواد التنظيف وغيرها، فيما سارع البعض إلى الصيدليات لتخزين الأدوية، والمضادات الحيوية، بينما اختار شق آخر التوجه إلى بعض مطاعم الأكل الخفيف، حيث تباع "صحفة الثوم"، التي يعتقد الكثير منهم أنها ستقيهم خطر فايروس كورونا المستجد.

ليس بعيداً عن محطة المترو، وسط العاصمة تونس، تحديداً في شارع الهادي شاكر، القريب من الجامعات ومحلات الملابس، يلفت نظرك أحد المطاعم المميزة، تأخذك قدماك لدخوله، فتأسرك رائحة الطعام التي تفوح من داخل المحل المزين بصور الأكلات الخفيفة والفرق الرياضية.

في هذا المكان يحتشد الناس من أجل الظفر "بصحفة ثوم" التي أصبحت بدورها بطلة في زمن كورونا، حيث يأتي الزبائن إلى هذا المكان، وما يشابهه في العاصمة من المطاعم التي تقدم وجبات خفيفة، من أنحاء تونس.

الجميع في أيامنا هذه يبحث عن أكلة تقوي مناعته، والحال أنّ خبر "الثوم يقوّي المناعة" الذي صرح به طبيب، على موجات إحدى الإذاعات الخاصة، قد انتشر بين التونسيين بسرعة انتشار فيروس كورونا في العالم، وهو ما جعل ثمنه يرتفع من 1،5 دولار قبل ظهور كورونا، إلى قرابة 8 دولارات للكيلوغرام الواحد، حسب المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك.

وعزَّز عجز الدول المتقدمة عن إيجاد لقاح للفيروس من مخاوف المواطنين الذي عجلوا بالذهاب إلى الأكلات التراثية والطبيعية، للتحصّن من هذا الوافد الجديد، الذي صنَّفته منظمة الصحة العالمية كوباء فتَّاك.

خبر "الثوم يقوي المناعة" على موجات إحدى الإذاعات الخاصة، قد انتشر بين التونسيين بسرعة انتشار فيروس كورونا في العالم، ليرتفع ثمنه من 1،5 دولار إلى قرابة 8 دولارات للكيلوغرام الواحد

يقف زوار المحل في طابور طويل بانتظار دورهم لشراء" صحفة الثوم"، وهي أكلة شعبية تونسية، مكوّنة من ثوم مهروس، زيت زيتون، بيض مسلوق، هريسة "فلفل معجون حار"، سلاطة مشوية، زيتون، أجبان، تونة وبصل، يقبل عليها التونسيون عادة في فصل الشتاء توقياً من نزلات البرد.

وتشهد المحلات المتخصصة في إعداد "صحفة الثوم" هذه الأيام، إقبالاً استثنائياً مع تفشي "كوفيد -19" الذي أصاب وقتل الآلاف حول العالم، اعتقاداً منهم بأن الثوم يقتل الفيروسات ويقوي مناعة الجسم.

يقف صاحب المحل وراء طاولة بلاستيكية كبيرة، صفف عليها مكونات "صحفة الثوم"، وصحاف فخارية يقدم فيها طلبات الزبائن، مرتدياً قفازات بلاستيكية للحفاظ على النظافة، ويمسك ملعقة بيمناه وشوكة بيسراه، يضع بهما مكونات الأكلة بسرعة، دون أن يتغافل عن اللمسات الفنية.

دواء طبيعي

"لو كنت أحد الذين يصابون بنوبات عطس، ويشتكون من نزلات برد متكررة في فصلي الخريف والشتاء، فعليك بالإقبال على صحفة الثوم، هي سبيلك الوحيد لتقوية المناعة، وتعزيز قوة جسمك بمضادات حيوية طبيعية"، يقول وديع عثيمني، صاحب محل "الأكلة الخفيفة"، لرصيف22.

ويضيف عثيمني: "هناك تزايد كبير هذه الأيام في عدد الزبائن الذي يقبلون على تناول هذه الوجبة البيولوجية نظراً لفوائدها الصحية، واعتقاداً منهم أنها حل من الحلول لتقوية مناعة الجسم".

وتخطى عدد الإصابات بالفيروس حول العالم 300 ألف إصابة، فيما تزايد عدد الضحايا إلى نحو 13 ألف حالة وفاة، مرجحة للارتفاع، يأتي ذلك فيما وصل عدد حالات الشفاء إلى أكثر من 95 ألفاً.

واستدرك وديع، بملامح سمراء وابتسامة هادئة، وكلمات عربية مبعثرة: "يقبل الناس على صحفة الثوم من جميع الشرائح العمرية ومن شتى الطبقات الاجتماعية، نظراً لما يُميّزه عن بقية الأطباق من ناحية القيمة الغذائية والمادية".

يقول عثيمني مبتسماً: "أعتقد أنني سأغير اسم المحل إلى صحفة ثوم".

ويتراوح سعر الطبق بين دولار ودولار ونصف، كل حسب المميزات والإضافات التي يريدها، كما يتم توفير تسعيرة خاصة للمواطن الذي يشتري مشروب غازي مع طبقه.

"عودة لأكلات الأجداد"

وارتفعت أسعار الثوم بشكل كبير في الأسواق التونسية، مع تسجيل الحالات الأولى للمصابين بمرض كورونا، حيث بلغ سعر الكلغ الواحد 22 ديناراً (8 دولارات)، حسب المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك، بعد أن كان سعره يتراوح بين 9 و10 دنانير (بين 3.2 و3.5 دولار).

وتابع عثيمني، وهو بصدد تقديم طبق ثوم لأحد الزبائن: "التونسي يقبل دائماً على الوجبات الطبيعية، كالثوم وزيت الزيتون والعسل، فهي عادة الأجداد، إضافة إلى ما تتميز به من فوائد صحية".

يقاطعه زبون بصدد أكل وجبة الثوم، يثني عليه، ويُعدِّد للبقية مزايا مكونات تلك الوجبة، متباهياً بارتياده المحل منذ سنوات.

وبعد برهة من الزمن، بدأ المكان يغصّ بالزبائن، فلا تسمع سوى ضجيج الكراسي، وقعقعة الملاعق في الصحاف الفخارية.

"لا أمرض بنزلات البرد"

يقول حامد الفارسي، موظف بشركة اتصالات، الذي جاء من منطقة الكرم التي تبعد 6 كلم عن العاصمة تونس، معبراً عن ولعه بـ"صحفة الثوم": "هي مضاد حيوي طبيعي، وعن تجربة، فأنا لا أمرض بنزلات البرد منذ أن أدمنت هذه الوجبة الشعبية، فمكوناتها صحية وطبيعية 100٪ وهي بمثابة الدواء الفعال، وأجزم أنها ستهزم فيروس كورونا المستجد، ولن يدخل ذاك اللعين جسماً اعتاد على مثل هذه المضادات الحيوية".

ابتسم أحد الزبائن قائلاً: "تعال أدلك على سر وستدعو لي ليل نهار"، اقترب وهمس بصوت خافت، كيلا تسمع الفتيات اللاتي كن بالقرب من طاولته حديثه: "صحفة الثوم هذه ليست فقط مجرد مضاد حيوي، إنما هي مقوٍّ جنسي فعال جداً".

وتحدث الزبون عن شخص كان يعاني من ضعف جنسي قبل أن يواظب على هذه الأكلة التي ساهمت، حسب قوله، في الحفاظ على عائلته، وأرجعت له الثقة التي افتقدها.

"أعتقد أنني سأغير اسم المحل إلى صحفة ثوم" صاحب مطعم في أحد شوارع وسط العاصمة تونس

وينهي الفارسي حديثه لرصيف22 قائلاً: "صحفة الثوم بالنسبة لي خط الدفاع الأول ضد كل الميكروبات والجراثيم، وستثبت مرة أخرى نجاعتها في الوقاية من خطر فايروس كورونا".

ويقبل التونسيون هذه الأيام، في المطاعم أو في منازلهم، بكثافة على "صحفة الثوم"، يقول فريد التبيني (33 عاماً)، وهو سائق تاكسي: "بعد القرارات التي اتخذتها رئاسة الجمهورية، بفرض حضر التجول بعد السادسة مساء، أصبحتُ أعدّ صحفة الثوم بمفردي في المنزل، خاصة في ساعات الليل".

"قررت الابتعاد عن المأكولات التي تحتوي على الزيوت والدهون والعجين".

وعن سر إقباله غير المعتاد، يرى فريد أن في ذلك شفاء ودواء ووقاية، يقول لرصيف22: "قد قررت الابتعاد عن المأكولات التي تحتوي على الزيوت والدهون والعجين، الذي سيسبب لي السمنة والمرض".

ويضيف فريد أنه يعمل في مهنة حساسة، ويتعامل يومياً مع العشرات من المواطنين، لذلك يتناول "الثوم" وغيره من الوجبات الدسمة لتقوية مناعته، والتصدي لمخاطر فيروس كورونا.

وتابع فريد: "تناول الوجبات الصحية وطبق الثوم يبدو لي غير كاف للوقاية من هذا الفيروس، لذلك أقوم يومياً، وخلال ساعات العمل، بتعقيم سيارتي، مع الحفاظ على نظافة اليدين وارتداء قفازات وكمامة، وهو ما أنصح به الجميع، خاصة زملائي في قطاع التاكسي".

"قضاء الثوم على كورونا خرافة"

بعيداً عن فيروس كورونا، أثبتت دراسات علمية فوائد كثيرة للثوم، وهي على سبيل المثال، احتواؤه على خواص مضادة للبكتيريا، ما يجعله نافعاً في تخفيف التهاب الحلق الناتجة عن تكوم البكتيريا، كما أنه مفيد للتصدي لنزلات البرد والسعال، وذلك بفضل خصائصه المضادة للبكتيريا أيضاً.

وحول جدوى تناول طبق الثوم للوقاية من فيروس كورونا، يقول الدكتور منير البرزلي، وهو طبيب عام، لرصيف22: "هذا الفيروس جديد، ولم يتم بعد الكشف عن لقاح له، وخرافة أن الثوم يقضي عليه أو يقلل من الإصابة به غير صحيحة".

من ناحية أخرى، يرى البرزلي أن الثوم يساهم في تقوية المناعة، ما يمنح الجسم قدرة أكبر على المقاومة، لكنه لا يوجد إثبات حتى الآن على أنه يقي من الفيروس.

وأشار البرزلي إلى أن الثوم يعد وجبة صحية دون شك، محذراً من الإفراط في تناوله، خاصة عندما تكون الأمعاء خاوية، أو بكميات كبيرة، لأنه يسبب الحرقة والغثيان والتقيؤ والإسهال.

"الإفراط في تناول الثوم والأمعاء خاوية يسبب غثيان وإسهال".

كما أثنى على فوائده، والمتمثلة في خفض مستويات الكوليسترول والدهون في الدم، والتقليل من خطر الإصابة بتصلب الشرايين، وخطر الإصابة بسرطان البروستاتا، إضافة إلى تحسين حالات المصابين بالسكري من النوع الثاني.

ونصح الدكتور بالنظافة والمداومة على غسل اليدين، وعدم الاقتراب من الأشخاص الذين يعانون من ضيق التنفس، أو تبدو عليهم مظاهر الحمى والسعال، داعياً الجميع إلى الالتزام بالحجر الصحي للقضاء على انتشار وتفشي الفيروس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image