وصلتني مؤخراً، بحكم ومهنتي وعبر صديقات لي، قصص عديدة عن عنف لفظي وجسدي يمارس على النساء، أثناء حظر التجول المفروض في الأردن بسبب أزمة فيروس كورونا، منها قصص نشرت عبر صفحات فيسبوك "جروبات" تضم نساء أردنيات، يطرحن من خلالها مواضيع عديدة، وقصص أخرى عرفتها من خلال حديثي مع نساء يعملن في حقول تعنى بقضايا المرأة، حقوقها ومناهضة العنف الممارس عليها بأشكال عديدة، في عمان، العاصمة الأردنية، وخارجها.
من هذه القصص انطلقت في إعداد هذا التقرير، حول خطورة ارتفاع العنف المنزلي، وتحديداً ضد الزوجة، خلال فترة حظر التجول، ووفق خبيرات في هذا الشأن، أجمعن جميعهن أنه بالفعل هناك خطورة، كما أن هناك حاجة للبحث عن آليات سريعة لمواجهة العنف ضد المرأة، في فترة حظر التجول في الأردن.
ارتفاع في معدل العنف الأسري
الخبيرة في مجال العنف الأسري والدعم النفسي الاجتماعي، سماح الضمور، وفي حديث لرصيف22، تبين أنه من أبجديات دراسات علم النفس أن العنف المنزلي يرتفع جداً بوجود الأوبئة، وأضافت: "حتى الصين وفي أزمتها مع فيروس كورونا، تحدثت عن ارتفاع في معدل العنف الأسري في تلك الفترة، وارتفاع نسبة الأمراض النفسية أيضاً، والتي أدى بعضها إلى الانتحار".
فكرة العنف ضد المرأة بشكل عام تأتي من استخدام السلطة الذكورية تجاه المرأة، تقول سماح، ذلك إن المجتمع الأردني، هو في هذا مثله مثل المجتمعات العربية الأخرى، منح الرجل سلطة ومكانة اجتماعية أعلى من منزلة ومكانة المرأة، وتضيف: "وهنا أشير إلى خطورة هذا الشيء في مرحلة حظر التجول المفروض على الأردنيين".
وتتابع: "فمن لديه تلك العقلية السلطوية الذكورية تجاه المرأة، من الطبيعي أن يتعزز لديه مفهوم العنف ضدها، ففي حظر التجول، الرجل والمرأة متساويان، كلاهما في المنزل ذاته، كلاهما مفروض عليهما عدم الخروج إلى الخارج، وكلاهما يترتب عليه واجبات منزلية وأسرية، الأمر الذي لا يتقبله الرجل الذي يتحلى بسلطة ذكورية ومكانة أعلى، حسب ما يرى نفسه، لذا تجدينه يترجم احتقانه من حقيقة أنه متساو مع زوجته، من خلال تعنيفه لها، حتى لو كان عنفاً لفظياً وليس فقط جسدياً".
ومن بين الشكاوى التي تلقتها سماح الضمور خلال فترة حظر التجول في الأردن، أكثر من شكوى تكررت من نساء يتعرضن للتهديد من أزواجهن، بأنه وبعد انتهار أزمة فيروس كورونا وحظر التجول في الأردن، سيقوم بتطليقها.
يروي هذا التقرير خطورة ارتفاع العنف المنزلي في ظل حجر التجول، وتحديداً ضد الزوجة، ووفق خبيرات في هذا الشأن، أجمعن جميعهن أنه بالفعل هناك خطورة، كما أن هناك حاجة للبحث عن آليات سريعة لمواجهة العنف ضد المرأة، في فترة حظر التجول في الأردن
العنف النفسي العاطفي
"والله بعد هالأزمة لأطلقك"، واحدة من العبارات التي تلقتها إحدى السيدات اللواتي لجأن إلى سماح من قبل زوجها، والذي تعلق عليه سماح بقولها، إن سماع هذه السيدة أو غيرها لهذه العبارة يعزز من شعور فقدان الأمان، فالتهديد بأنها قد "تُرمى في الشارع" أو أن علاقتها الزوجية سوف تنتهي فور انتهاء حظر التجول، هو من أخطر أشكال العنف العاطفي على المرأة، مشيرة في الوقت ذاته أن أعلى درجات العنف ضد المرأة في الأردن هو العنف النفسي العاطفي.
وبالعودة للحديث عن الأزمة، فهناك نوع آخر من أشكال العنف، تضيف سماح الضمور، حيث تلقت، خلال فترة حظر التجول، شكاوى من نساء يواجهن رفض أزواجهن القيام بعلاقة زوجية جنسية معهن، وتفسره علمياً أن الرجل السلطوي يرى بأن زوجته ملك له، مثلها مثل أي شيء يمتلكه، فنفوره الجنسي منها أثناء فترة حظر التجول، يأتي من رؤيته أنها "شيء" يمتلكه، وعلاقته الجنسية معها تأتي وفق رغبته وقراره هو فقط وليس رغبتها.
وواحدة من النساء التي تعاني من ذلك خلال فترة حظر التجول، والتي لجأت إلى سماح الضمور، ذكرت في قصتها، أن المفارقة تكمن أنه في الوقت الذي يرفض فيه زوجها ممارسة علاقة جنسية معها أثناء فترة حظر التجول، كان في السابق يفرض عليها ذلك، رغم تعبها من جراء ساعات عملها في وظيفتها الطويلة والتزاماتها الأسرية في المنزل، "قومي بلاش ما الملائكة تلعنك"، وفق ما قالته لسماح الضمور، على لسان زوج تلك السيدة، عندما كان يجبرها على الممارسة الجنسية معها قبل أيام حظر التجول.
التحرّش بالنساء
كما تحدثت سماح الضمور عن بعض أشكال العنف ضد المرأة ظهر خلال فترة حظر التجول في الأردن، من بينها التحرش اللفظي، حيث رصدت حالتين لجأتا إليها لأخذ النصيحة، الأولى حالة فتاة كانت موجودة في المخبز عندما سمحت الحكومة الأردنية بالخروج يوم الجمعة الماضي، وأثناء وجودها هناك ووسط التزاحم في المخبز قال لها شاب: "مش حرام ما يكون حجري في حظر التجول معك في غرفة وحدة؟".
حالة أخرى عن أم عزباء، كانت أيضاً في إحدى المخابز، وعندما اعترضت على عدم تنظيم الطابور هناك، قال أحدهم بصوت عال: "لو كنت مرة محترمة بتطلعي من البيت في هاد الوقت؟"، المؤلم أكثر، بحسب سماح الضمور، أن تلك السيدة لم تستطع الدفاع عن نفسها وفق ما قالته لها، ليتضاعف العنف بحقها في هذه الحالة، تعرّضها للتحرش والإهانة اللفظية، وخوفها من الدفاع عن نفسها.
وتبدي الخبيرة سماح الضمور تخوفها من أن يتحول العنف ضد المرأة من قبل بعض الرجال، خلال فترة حظر التجول في الأردن، إلى سلوك، فطول فترة فرض البقاء في المنزل قد يجعل من العنف ضد المرأة شيئاً "عادياً" بالنسبة لبعض الرجال، وأقرب للسلوك الروتيني، خصوصاً في ظل انشغال أجهزة الدولة في أمور متابعة حصر انتشار فيروس كورونا، وأمور تأمين المواد الغذائية للأردنيين أثناء فترة حظر التجول، بحيث يصبح متابعة الأجهزة الأمنية لقضايا العنف الأسري أقل شدة مما كان عليه في السابق.
أن إدارة حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام في الأردن، أعلنت أنها على أهبة الجاهزية في التعامل مع العنف الأسري خلال فترة حظر التجول، لكن المشكلة تكمن بأن المرأة التي تتعرض للعنف في هذه الفترة تخاف من تقديم شكوى بحق زوجها، ذلك لأنها "محشورة" في المنزل معه
الخوف من تقديم شكوى
وعن هذه الزاوية تتحدث الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة، الدكتورة سلمى النمس، لرصيف22، حيث تبين أن إدارة حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام، أعلنت أنها على أهبة الجاهزية في التعامل مع العنف الأسري خلال فترة حظر التجول، لكن المشكلة تكمن بأن المرأة التي تتعرض للعنف في هذه الفترة تخاف من تقديم شكوى بحق زوجها، ذلك لأنها "محشورة" في المنزل معه، وتخاف على نفسها بعد الشكوى، كأن تخاف من الانتقام مثلاً، أو أن يحرمها من رؤية أولادها، وغيرها من أشكال الانتقام.
وتتابع الدكتورة سلمى النمس: "عندما نعبر كلجنة، أو كمدافعات عن حقوق المرأة، عن تخوفنا من ارتفاع نسبة العنف تجاه المرأة في فترة حظر التجول فنحن لا نتحدث من فراغ، فكل الدراسات والتجارب السابقة أثبتت صحة ذلك"، وتضيف: "في السابق، كانت المرأة المعنّفة تستطيع الخروج من منزلها لتقديم شكوى بحق زوجها الذي يضربها مثلاً، أما اليوم فهي غير قادرة، ومتخوفة أصلاً من تقديم شكوى عن طريق الهاتف، فحظر التجّول عليها يجعلها تستسلم لأمر واقع مؤسف وتفضل الصمت".
وبينت النمس أن اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، وخلال فترة حظر التجول، وصلها عدة شكاوى عن عنف أسري، وقامت اللجنة بدورها في تحويلها إلى جهات المتابعة المختصة، لكن بعض الشكاوى والتي لا تفضل أن يتم تحويلها إلى إدارة حماية الأسرة يتم تحويلها إلى منظمات مجتمع مدني مختصة بهذا الشأن، بيد أن المؤسف أن أغلب هذه الشكاوى تراجع أصحابهن عن متابعة ملفاتهن، خوفاً على أنفسهن من عواقب ذلك.
وكشفت النمس لرصيف22 أن اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، وخلال الفترة القليلة المقبلة، بصدد إطلاق حملة رسائل توعوية إلكترونية، كجزء من جهدها في مواجهة العنف ضد المرأة خلال فترة حظر التجول، كما أن اللجنة بصدد إرسال ورقة توصيات إلى الحكومة الأردنية، بحيث تشمل إجراءات الحكومة إجراءات تتعلق بالبعد الاجتماعي والأسري، إضافة لخطر الفيروس.
وفي تغريدة لها على تويتر قالت النمس: بالرغم من أن المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني أثارت كثير من القضايا حول القضايا المرتبطة بالحماية من العنف والحماية الاجتماعية للنساء من الفئات الأكثر هشاشة، ولا محطة غلبت حالها تلتقط القضية وتخصص 10 دقايق من برامجها على الموضوع، أو حتى توجه سؤال للوزير حوله فـ #الدخان_أهم".
صعوبة الوصول للنساء
وتتوقع رئيسة اتحاد المرأة الأردنية، الدكتورة آمنة الزعبي، وفق ما قالته لرصيف22، أن الظروف الضاغطة التي بدأت تظهر على السطح من جراء تبعات حظر التجول في الأردن، بالتأكيد ستخلق حالة من التوتر والتي ستزيد بدورها من حالات العنف ضد المرأة، مشيرة إلى أن اتحاد المرأة، وخلال الأيام الماضية، تلقى اتصالات من نساء تعرضن لعنف من أزواجهن، لكن صعوبة الوصول إليهن بسبب حظر التجول حال دون متابعة ملفاتهن.
وقالت: "أعتقد أنه بات من الضرورة الملحة التنسيق بين الجهات الرسمية والمعنية بقضايا العنف الأسري وقضايا العنف ضد المرأة، من أجل الوصول إلى آلية لمساعدة الضحايا في فترة حظر التجول".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون