شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
قد تنجو من الـ

قد تنجو من الـ"كورونا" ولكن ماذا عن معنِّفها في هذه العزلة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 18 مارس 202002:54 م

العنف قد يكون "كلمة" مسيئة تتلقاها المرأة من زوجها. ولا استهانة بتلك الكلمة. فقد يسمعها الابن ويُطبّق الأمر ذاته على شريكته/اته المستقبلية/ات باعتباره أمراً عادياً. قد تسمعه الابنة التي تنفر تباعاً من صنف الرجال لاعتقادها بأنهم جميعهم متشابهون. الأهم: ماذا عمّا تتركه الكلمة في نفسيهما؟ 

العنف لا يأتي معلباً بطريقة واحدة. بل له "وصفات"/طرائق متعددة تصل إلى قلع العيون مثلما حصل مع سيدة أردنية اسمها فاطمة أبو عكليك التي قلع زوجها عينيها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعدما توسلت إليه بترك عين واحدة كي ترى أطفالها. ولكنه أفقدها بصرها بعد سنوات من تعنيفها. 

الكثير من القهر يحوم حول هذه الحادثة بالتحديد. كانت فاطمة "تُرجَع" إلى بيت معنّفها كلما لجأت إلى أهلها شاكيةً العنف. لماذا؟ لأن "المرأة ما إلها إلا بيت زوجها". من دواعي الأسف أن تكون قد تربّت أجيالنا على سماع هذه العبارة حتى ظنّت الفتيات العازبات بأنهن ناقصات. لا يقتصر أمر إرجاع المرأة إلى "بيت زوجها" (لا منزلهما معاً) على هذا السبب فقط. فالخوف من الطلاق لا يزال أمراً مهولاً في الكثير من المجتمعات مهما ادعينا التطور والانفتاح. 

أين يكمن القهر حقاً؟ يكمن في ردّ فعل البعض حيال حادثة قلع عينَيْ فاطمة. فقد سمعت من قال: "بس شو عِمْلَت؟". وهنا لم يعد للنقاش معنى. 

الكلام عن التعنيف بشكل عام، وتعنيف المرأة بشكل خاص، كتاب واسع. له فصول عديدة وكتّابه وكاتباته كُثر، منهم من لم تتسنَّ له فرصة الكتابة كـإسراء غريّب التي لا يزال صراخها في المستشفى عالقاً في أذهان كثيرين.

هذه مقدمة طويلة بعض الشيء للكلام عن العالقات والعالقين في المنازل مع معنّفيهم أو معنّفاتهم في "زمن الكورونا"، وكأننا في هذه المرحلة بالتحديد نحتاج إلى ما يُدمّر ما بقي فينا من سلام.

"وجود منازل آمنة تحمينا هو امتياز لا تملكه الكثير من النساء". عزلة الكورونا فرصة للتفكير في المعنَّفات: من يستطيع النجاة حقاً؟

"المنزل أحد أخطر الأماكن"

"في ألمانيا، الشخص المجبر على البقاء في الحجر الصحي مع معنّفه/شخص يسيء إليه نفسياً و/أو جسدياً، #أنت_لست_وحدك. بإمكانك الاتصال بهذا الرقم: 08000 116 016. الخدمة متوفّرة بكل اللغات". 

هذا ما تناقله أشخاص في ألمانيا للتوعية حول خدمة توفرها منظمة ألمانية منذ عام 2013، على مدار الساعة، وبشكل سرّي ومجّاني، لحماية المرأة من العنف (Hilfetelefon - Gewalt gegen Frauen).

ماذا عمّن يعانون وتعانين في بلدان أخرى، سراً؟ الحجر الصحي الذي يطبّقه الكثيرون حالياً ليس شرطاً أن يكون طعاماً لذيذاً ونتفليكس. والمنزل في ذاته ليس شرطاً أن يكون "آمناً" لكلّ منّا. 

اعتبر تقرير للأمم المتحدة أن "المنزل هو أحد أخطر الأماكن بالنسبة للمرأة"، نظراً إلى أن 4 دول من 10 فحسب تجرّم الاغتصاب الزوجي، علماً أن ليس بينها دولة عربية واحدة. هنا نتحدث عن شكل آخر من أشكال العنف الذي قد يطبّق في هذه الفترة. 35% من النساء يتعرضن لاعتداء جسدي أو جنسي من الشريك الحميم، وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة. 

وتراوح أشكال العنف المنزلي في دول مثل الأردن بين الضرب باليد أو الرِجل (76.6%)، والسب والشتم والتحقير (51.4%). والصراخ (20.3%). ومنع المصروف عن أفراد الأسرة (18.5%). وإهمال الزوج متطلبات الزوجة (18.1%). هذا ما أشار إليه المجلس الوطني لشؤون الأسرة.

"حجِر عن حجِر بفرق"

أطلق حراك "طالعات" الذي تقوده شابات فلسطينيات تحت شعار "لا وجود لوطن حرّ إلّا بنساء حرّات" سلسلة تغريدات للقول: "في ظل الطوارئ الصحية يعتبر الكثيرون الحديث عن العنف تشتيتاً في غير مكانه، إلّا أنّه تحديداً في هذه الفترة تتضاعف الحاجة للتذكير بهذا العنف والتضامن المجتمعي مع ضحاياه".

ولفت الحراك إلى أنه عند الحديث عن السلامة العامة والنجاة من الوباء، "علينا أن نسأل أنفسنا عن مفهوم هذه السلامة ومن يستطيع النجاة فعلاً"، مشدداً على ضرورة تذكّر أن "وجود منازل آمنة تحمينا هو امتياز لا تملكه نساء كثيرات في فلسطين والعالم". 

وشدد على أن غالبية النساء في فلسطين والعالم يتعرضن لأشكال متعددة من العنف، "معظمها داخل البيت وفي إطار العائلة". وأضاف: "بحسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء، عام 2019، تتعرض نحو 24% من النساء في الضفة الغربيّة لأحد أشكال العنف على أيدي أزواجهنّ، مقابل 38% منهنّ في غزّة. وترتفع النسبة إلى 58% حين يكون الحديث عن التعنيف النفسيّ".

أما في ما يتعلق بغير المتزوجات، فأربع من كل 10 نساء تعرّضن للعنف النفسي على يد أحد أفراد الأسرة. ونقل الحراك عن تقرير لجمعية "نساء ضد العنف" (2018) أن في 81% من حالات العنف الجسدي يكون المعتدي هو الزوج، وفي 17% يكون المعتدي أحد الوالدين أو أحد الأخوة.

و"يزداد واقع التعنيف هذا خطورةً حين تشكّل الإجراءات التي من المفترض أن تقدم حماية للناس من الفيروس تهديداً جدياً لأرواح العديدات وأجسادهن لأن البيوت التي نسكنها اليوم للوقاية من الوباء تتحوّل بالنسبة إلى الكثيرات مساحات تعنيف وترويع مستمرين"، وفق حراك "طالعات" الذي تساءل: "ما الذي يعنيه الحجر الصحي والتزام البيت لامرأة مُعنفة مع مُعنفها؟ ما الذي يعنيه لأطفال وطفلات كثيراً ما يجدون أنفسهم ضحايا هذا الواقع المروّع أيضاً؟".

"البيوت التي نسكنها اليوم للوقاية من فيروس كورونا تتحوّل بالنسبة إلى العديد من النساء مساحات تعنيف وترويع مستمرين. ما الذي يعنيه الحجر الصحي والتزام البيت لامرأة مُعنَّفة مع مُعنِّفها؟"

"كل الحبّ…"

من المنطلق نفسه، نشرت صفحة "خرابيش نسوية" المعنيّة بمحاربة الذكورية عبر رسوم هزلية منشوراً في فيسبوك يحثّ على "الحب والدعم" لمن يضطر إلى الحجر الصحي مع المعتدي عليه، قائلةً: "لست وحدك".

ودعت إلى التواصل مع أحد الأصدقاء احتجاجاً على العنف. وهي رسالة لكلّ من تلتزم الصمت ظناً أن هناك ما هو أبشع. 

وأوضحت الصفحة أنها تقصد بشكل أساسي "العائلة المعنِّفة". وحصد المنشور على بعض التعليقات اللافتة (بشكل سلبي)، أحدها من سيدة اسمها شذى، وهو: "هو ده وقته؟"، فجاء الردّ من "خربشات نسوية": "طب لو مش وقته، وقت إيه بالزبط. ممكن نحدد إيه أهم من أن الناس تبقى بتتعذب وبتموت من العنف بالمنازل والسجون؟".

وقالت أخرى بسخرية: "يا جدعان اهدوا بقى، ستات و رجالة هيموتو". 

من زاوية أخرى، نشرت إحدى المعلّقات على المنشور رابط موقع إلكتروني (HotPeachPages) يضم قائمة بأسماء منظمات تعمل ضد العنف المنزلي في دول عدة ،منها نحو 14 دولة عربية، على أمل أن تكسر الكثيرات صمتهنّ. 



إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image