شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
السخرية في عالم بلا حقيقة

السخرية في عالم بلا حقيقة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 5 يوليو 201905:08 ص

أعدّ المادة باسل النابلسي وندى إسماعيل ومحمد البوغديري، من برنامج زمالة رصيف22 "You22" الذي ترعاه D-Jil، بالاعتماد على منحة مشتركة بتمويل من الاتحاد الأوروبّي، تشرف على تنفيذها CFI.

ما يميّز الأخبار ومضمونها وجديّتها، هو شكلها وأسلوب تقديمها، اللذان يجعلانا نصدّق أن ما نراه أو نقرأه "حقيقي"، فهذا الشكل القائم على مجموعةٍ من الخصائص الأسلوبيّة، والكلمات والأداء، يتكرّر ويخلق "تقليداً" في التلقّي، يجعل الكثيرين يصدّقون كلام ترامب حين يقول إن الاحتباس الحراري "أكذوبة"، الأهمّ، أن سلطة الأخبار تنشأ من جدّيتها المفترضة، كونها تدّعي نقل "حقيقةٍ" ما، ببساطة لأنّ من "ينطق" أو "يكتب" موجود ضمن إطار جدّي.

الآن، في ظل التشكيك بالجديّة بل حتى بالحقيقة، تظهر الصحافة والإعلام الساخر، لا كبديلٍ عن الأخبار، بل كدعوةٍ للتأمّل بالشكل الجديّ لها، فالتجارب الشهيرة للصحافة "اللاجدّيّة"، لا تدّعي الحقيقة، بل تقدّم شكلاً من أشكالها، الذي يتبنّى السخرية والنقد الساتيري كمضمون، ونركّز على كلمة صحافة، كون العمل ضمن هذه المؤسّسات يتطلّب نفس مهارات إنتاج "الأخبار الجديّة"، من تحريرٍ وتدقيقٍ واختيار الموضوعات ونشرها، كحالة موقع "البصلة-The Onion" الذي انطلق عام 1988، ومازال مستمرّاً في تقديم محتوى يتابع الشأن العام الأمريكي والعالمي>

ونقصد بكلمة محتوى، كلّ الأشكال الصحفيّة الجديّة، كالأخبار، التقارير، الحوارات، أرقام البورصة والتحليلات، إلى جانب نشر أحدث الإنتاجات السمعيّة و البصريّة والتكنولوجيّة.

صحراء الصحافة العربيّة لا تخلو من الصحافة والإعلام الساخر، الذي يعتبر الأخطر من وجهة نظر السلطة كونه يزعزع جديّتها وسطوتها، سواء كانت إعلاميّة أو سياسيّة أو حتى اجتماعيّة

صحراء الصحافة العربيّة لا تخلو من هذا الشكل الصحفيّ، الذي يعتبر الأخطر من وجهة نظر السلطة كونه يزعزع جديّتها وسطوتها، سواء كانت إعلاميّة أو سياسيّة أو حتى اجتماعيّة، من هذه المنصّات الصحفيّة نتعرّف على:

1- الحدود : نحو مستقبل ما

كثيرون منا، قرّاء صحف أو متصفحي وسائل تواصل اجتماعيّ، وقعوا على واحدةٍ من مقالات "شبكة الحدود" التي تأسّست عام 2013.

فالنكات اللاذعة والعناوين والأخبار الساخرة التي تنشرها الشبكة، تتحرّك ضمن فضاء وسائل التواصل الاجتماعي كشكلٍ مغايرٍ لما اعتدناه من أخبار جديّة، والأهمّ، أن الكثير من مقالات وأخبار الحدود، تسلّلت إلى الصحافة "الجديّة" و اعتُمدت كأخبار "حقيقيّة"، ما يكشف قدرة "الحدود" على محاكاة الحقيقة من جهةٍ، ويكشف مقدار العطب في الصناعة الصحفيّة العربيّة، وآلية إنتاجها للخبر من جهةٍ ثانية، علماً أن "الحدود" توضّح دوماً بأنها شبكةٌ ساخرة ولا جديّة.

لكن يبقى السؤال عن مدى احتراف القائمين على صناعة الصحافة، الذين من الممكن أن يصدّقوا خبراً كـ "الكشف عن مخططٍ للإخوان لإغراق مصر باستخدام صلوات الاستسقاء" والتعامل معه بجديّة، المثير للاهتمام أن "الحدود" بدأت بإصدار صحيفةٍ ورقيّةٍ شهريّة في محاولة "تأبين لموت الصحافة الورقيّة".

2- عرابيش-ثورة الخبر البديل

"السيسي ينتخب نفسه رئيساً لمصر"، هذا العنوان من موقع "عرابيش" الذي يقدّم نفسه كموقعٍ للحقائق البديلة، في سخرية من المواقع الإخباريّة نفسها، التي تتفاخر بحجم مراسليها ومعدّلات القراءة لديها، ويعترف "عرابيش" بأنه موقع يحاكي الأخبار التقليديّة التي تقدّمها وسائل الإعلام الكبرى بفيضٍ من السخرية السوداء.

يدّعي عرابيش في "عشرة حقائق بديلة"، بأنه "أكبر تجمّع عربي على الإنترنت، حيث يزوره أكثر من 300 مليون متصفّح يوميّاً، من العالم العربي والمهجر والشتات"، وأن نسخته الورقيّة ظهرت "في مطلع 1916، أو عام تقسيم الكعكة العربيّة في مطبخ سايكس بيكو، وذلك بمنحةٍ سخيةٍ من دار عربتوبيا: المؤسّسة العربيّة للإعلام السحري"، وبأنه واكب "ما لا يقلّ عن مئة ثورة وانقلاب وتمرّد وعصيان ومؤامرة في العالم العربي، من الثورة العربيّة إلى الثروة الخليجيّة إلى ذروة الربيع العربي."

لا يسرد الموقع خبراً من لا شيء، إنما يضيف لمسة سخريةٍ واضحة وأحياناً لاذعة من الخبر وعناصره، فيورد مثلاً خبر شراء الأمير محمد بن سلمان لوحة "مخلّص العالم" لدافنشي، ولا ينسى أن يتساءل إن كان يعتبر بن سلمان نفسه "مخلّصاً للعالم"، أو حين يورد خبر اعتراف النظام السوري بتكساس كجزء من المكسيك ردّاً على اعتراف ترامب بالجولان كجزءٍ من إسرائيل، وبالرغم من تصميمه البسيط، وعدم نشاطه اليوميّ، إلا أن المتابع له يشعر أنه ما زال قيد التأسيس، علماً أن أوّل خبرٍ فيه يعود إلى تاريخ 2017.

نسخته الورقيّة ظهرت "في مطلع 1916، أو عام تقسيم الكعكة العربيّة في مطبخ سايكس بيكو، وذلك بمنحةٍ سخيةٍ من دار عربتوبيا: المؤسّسة العربيّة للإعلام السحري"،  وقد واكب "ما لا يقلّ عن مئة ثورة وانقلاب وتمرّد وعصيان ومؤامرة في العالم العربي، من الثورة العربيّة إلى الثروة الخليجيّة إلى ذروة الربيع العربي.": موقع عرابيش، ثورة الخبر البديل 

3- دخلك بتعرف/ خسّة: القبلة بالقبلة والبادي أظلم

عناوين موقع "دخلك بتعرف/خسّة"، تسخر من مفهوم المعرفة نفسه، وبالأخصّ تلك القوائم السريعة التي تمتلئ بها شبكة الانترنت، والتي، على سطحيّتها، تنال أعلى معدّلات القراءة، إذ نقرأ في خسة "هل شعرت يوماً أنك بحاجة للتغوّط (قضاء الحاجة) عند دخول المكتبة؟ إليك رأي علماء النفس بالموضوع".

لا يكتفي الموقع بإيراد أخبارٍ سياسيّة أو اجتماعيّة أو فنيّة، بل يقوم أيضاً بتبنّي وجهات نظر اجتماعيّة ودينيّة ساخرة، جاعلاً إياها محط غضب وسخريّة ونقاش، ولو كان الأخير ساخراً وأحياناً عنصريّاً، لكنه يبرز هذه "الحقائق" ويحوّل ذاك الشفهي الخفيّ إلى مادّةٍ علنيّة للتداول.

تحت شعار القبلة بالقبلة والبادي أظلم، يعلن الموقع أيضاً انحيازه بوضوح نحو حقوق المهمّشين والمستضعفين، النساء والأطفال، المثليين والأقليات، ويقدّم نظرةً ساخرة عن الأساطير المؤسّسة للنظرة التقليديّة تجاه العالم برمّته، ولا يكتفي بالمقالات المكتوبة بل يتعدّاها لإنشاء فيديوهات وصور وكاريكاتورات تدعم توجهه هذا، هو يخاطب مزاج المتصفّحين والساخرين من الأخبار الجديّة، المتهكّمين الذين يدركون، ولو بشكل عام، سوء المنظومة الصحفيّة العربيّة وأسلوب تقديمها "للحقيقة العلميّة" بوصفها خبراً ينشر في الصفحة الأخيرة في الجريدة و مصدره دائماً "دراسة بريطانيّة".

4- الكشري اليوم:

يبدو موقع "الكشري اليوم" للوهلة الأولى كأنه يعود لصحيفةٍ لندنيّةٍ عريقة، لكن بعد نظرةٍ سريعة عليه نكتشف أنه موقع مصري ساخر باللغة الإنجليزيّة، على غرار موقع "البصل"، ففي الكشري اليوم نقرأ انتقاداً لجميع الأطراف السياسيّة في مصر، وكأنه تأريخ صحفي ساخر للاضطرابات والفوضى التي أصابت مصر في الفترة ما بين 2011 الى 2013، إذ يتهكّم على النظام الإسلامي ونظام السيسي، وسياسته في إدارة ملفات حقوق الأنسان والاقتصاد.

نقرأ مثلاً في واحدة من أخباره "موجة استقرار كاسحة تغزو مصر ... تخلف ملايين القتلى" وكأن الموقع يتهكّم من موجات الفوضى وعدم الاستقرار التي تركت أثرها في جميع جوانب الحياة المصريّة، في فترة اتسمت بالمواجهات بين النظام الرسمي والشعب، وما تلاها من فشل الأطراف المصريّة في التوصّل الى نظام حكمٍ ديموقراطي، وكأن الاضطرابات جزء طبيعي من الحياة المصريّة فيما بعد 2011.

5- المنشار: نصلح العالم بالمناشير

بدأ موقع المنشار الجزائريّ نشاطه كصفحة فايسبوك، ثم تحوّل عام 2013 إلى موقعٍ إخباري ساخر باللغة الفرنسيّة، يتناول القضايا الجزائريّة والعالميّة بصورة ساتيريّة على غرار "الحدود" و"البصل"، وبالرغم من أن الموقع لم ينل شهرةً كبيرةً في المشرق العربيّ بسبب استخدامه للغة الفرنسيّة، إلا أنه ذو شهرةٍ واسعةٍ في فرنسا و كندا و المغرب العربيّ، وما يميّزه أنه يقدّم أخباراً بصيغة المحاكاة الساخرة، أي أنه يعتمد على أحداثٍ حقيقيّةٍ، سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة، و يقدّمها بصورةٍ أشدّ سخرية، أي هناك شكل من أشكال الحقيقة التي يقدّمها، والتي لا بدّ للقارئ أن يدركها كي تصله النكتة، أو النقطة التي يسخر منها المنشار، خصوصاً أنه يراهن على الشكل الجدّي في تقديم أخباره، ما يجعلها في الكثير من الأحيان موضع التباس إن لم يعلم القارئ أن الموقع ساخر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image