شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
من

من "وعاء للإنجاب" إلى "مصاصة"... النظرة الدونية إلى النساء عمرها قرون كثيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 13 مارس 202004:44 م

صوتٌ يُطلب منه أن يبقى منخفضاً، ورأس يرى كثيرون أنه يجب أن يكون مطأطأ ومجبوراً على الطاعة، ولا يرتفع لتحدٍّ أو عصيان. هي جسد حرام ينظر كثيرون إلى أنه خُلق فقط للمتعة... هذه هي صورة المرأة التي استقرت في أذهان الكثيرين منذ قرون.

أدت تلك الصورة المتدنية للمرأة إلى تعرّضها للكثير من الاعتداءات والانتهاكات، بمختلف أشكالها، فكرياً أو جسدياً. وكشفت إحصائية رسمية صدرت عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة العام الماضي، عن تعرض واحدة من كل ثلاث نساء حول العالم لعنف جسدي، أي أن حوالي 35% من النساء حول العالم ارتكبت بحقهن جرائم قد لا يعاقب عليها القانون في بعض الدول.

البعض يعتقد أن هذه الأفكار المتدنية عن المرأة ظهرت مع اليهودية ووصلت إلى الإسلام واستمرت معنا حتى الآن، لكن جذورها تمتد تاريخياً إلى أبعد من ذلك.

وعاء للإنجاب

النظرة الحالية المنقوصة للمرأة ما هي إلا استمرار لأفكار الأولين، والتي بدأت مع الحضارة اليونانية القديمة التي استطاعت تحقيق تقدم في مجالات الفلسفة والعمارة والطب والرياضيات، إلا أنها رسخت في الوقت ذاته نظرة قاسية ومتدنية للنساء.

المرأة في المجتمع اليوناني كانت ضعيفة ومسلوبة الإرادة. كانت "ملكية" خاصة لأبيها، ثم لزوجها، ولا يجوز لها الخروج من المنزل إلا بإذن "مالكها"، وإنْ خرجت كان لزاماً عليها أن تضع شيئاً على وجهها ليكون بمثابة إعلان عن أنها ملكية خاصة، ولا يحق للناس النظر إليها، وذلك وفقاً لما ذكره أستاذ الفلسفة المصري إمام عبد الفتاح إمام، في كتابه "أفلاطون والمرأة".

بذل الفلاسفة قديماً جهداً واسعاً في نقد كثير من أفكار المجتمع غير المنطقية، كان أبرزها حول الآلهة والعبادات، إلا أن المرأة لم يكن لها نصيب من تلك المراجعات الفكرية، بل روّج معظم هؤلاء "العقلانيون" للتصوّرات القديمة عن النساء باعتبارها حقيقة.

اعتبر الفيلسوف اليوناني أفلاطون أن المرأة جنس متدنٍّ في البشرية، وأنها تحمل نقائص وتتسبب في فساد المجتمع، واحترامها مرتبط باحترامها لزوجها.

والمرأة عنده غير حرة في اختيار زوجها، ولا تستطيع المشاركة في المجتمع إلا بعد سن الخمسين، وبعد أن تتجرد مما أسماه بالنقائص الأنثوية.

لم يختلف الحال كثيراً عند أرسطو، ولكن الفارق الجوهري بينه وبين مَن سبقوه كان صياغته لأفكاره عن المرأة في شكل نظرية، وهو ما أعطاها صموداً في العصور التالية، كما أوضح الدكتور إمام عبد الفتاح إمام، في كتاب "أرسطو والمرأة".

ففي كتابه "السياسة"، زعم أرسطو أن الطبيعة خلقت المرأة في صورة متدنية، فهي مجرد وعاء لإنجاب طفل، وطفل ذكر بالأساس، وإنْ جاءت المولودة أنثى فهذا دليل على انحراف الطبيعة. أما عن علاقة المرأة بالعالم الخارجي، فقد أكد أن عليها الجلوس في المنزل، والطاعة الدائمة لزوجها، وألا تشكو ولا تتذمر، ولا تلومه على أخطائه.

الغواية والشر

استمرت هذه الصورة المتدنية عن المرأة في الحضارة الرومانية، ثم امتدت إلى المسيحية، تاركةً آثارها في نفوس أصحاب الدين الجديد.

كانت المرأة رمزاً للغواية والشر في العالم، وكارثة غير مرغوب فيها، عند يوحنا فم الذهب، وكانت أيضاً أداة الشيطان التي تُدخل الرجل النار، ولم يختلف الحال كثيراً عن الأب كليمنت السكندري، فالنساء برأيه أقل عقلاً ومكانة من الرجل، ويجلبن الخزي والعار دائماً، بحسب ما أوضحه أستاذ الفلسفة إمام عبد الفتاح إمام، في كتابه "الفيلسوف المسيحي والمرأة".

صوتٌ يُطلب منه أن يبقى منخفضاً، ورأس يرى كثيرون أنه يجب أن يكون مطأطأ، ولا يرتفع لتحدٍّ أو عصيان. هي جسد حرام ينظر كثيرون إلى أنه خُلق فقط للمتعة... هذه هي صورة المرأة التي استقرت في أذهان الكثيرين منذ قرون

وأكد كلمينت السكندري على ضرورة جلوس المرأة في المنزل، وعدم خروجها إلا للكنيسة أو زيارة مريض، مع تغطية جسدها بالكامل، حتى "لا تدعو غيرها للخطيئة".

أما القديس أوغسطين، فأكد أن المرأة تتساوى فقط روحانياً مع الرجل، لأنهما خلقا على صورة الله، أما جسدياً فالنساء أدنى مكانة من الرجل، فهنّ منبع الشهوات، وأفضل ما يمكن للرجل فعله هو الابتعاد عنهنّ.

واعتبر القديس توما الأكويني أن المرأة خُلقت من أجل الرجل، فهي كائن مشوه ومعيب، وتسببت في غواية آدم وأخرجته من الجنة، لذلك تستحق أن تصبح أقل منه مكانة.

هذا الفكر الكنسي الذي عرضه إمام في كتابه، استمر لفترات طويلة مسيطراً على العالم. وبالرغم من محاولة فلاسفة العصر الحديث الخروج عن سيطرة الكنيسة، إلا أن كثيرين منهم لم يختلفوا كثيراً عن سابقيهم في رؤيتهم للمرأة.

فنجد الفيلسوف جان جاك روسو يؤكد في كتابه "إميل أو عن التربية" أن المرأة خُلقت لأجل الرجل، وعليها دائماً أن تثير إعجابه وترضيه، فالرجل قائد ومتحكم للنساء بحكم قانون الطبيعة الذي يقتدي أن تكون النساء تحت حكم الرجال من أجل أنفسهن وأولادهن.

زعم أرسطو أن الطبيعة خلقت المرأة في صورة متدنية، فهي مجرد وعاء لإنجاب طفل، وطفل ذكر بالأساس، وإنْ جاءت المولودة أنثى فهذا دليل على انحراف الطبيعة...

أما نيتشه، فيتحدث عن المرأة، في كتابيه "إنسان مفرط في إنسانيته" و"هكذا تكلم زرادشت"، بطريقة أشبه بالتناقض، فهي خلقت ليسكن الرجل إليها، ولكنها غير قادرة على فهم قوته، وهي قادرة على التضحية بكل شيء في سبيل حبها، لكن سعادتها متوقفة على الرجل، بخلاف الرجل الذي تتوقف سعادته على إرادته، كما أنه اعتبر أن روح المرأة أقل من روح الرجل، فهي سطحية شفافة، ولكنها إذا تحوّلت إلى الإنسان الكامل، تصبح أرقى بكثير من الرجل.

المصاصة التي تخرب البيوت

الثقافة العربية الإسلامية، عبر حقباتها وتغيّراتها المختلفة، ورثت النظرة الدونية للمرأة، تلك النظرة التي عبّرت عنها الحملات التي تشبّه المرأة غير المحجبة بحلوى "المصاصة" المكشوفة التي تستدرج الذباب ليلتصق عليها.

وفي عالمنا العربي، حديثاً، اشتهرت آراء رجال دين كثيرين خصصوا أغلب ساعات برامجهم ومواعظهم عن مفاسد النساء وشرورها في المجتمع، فاعتبر الشيخ المصري محمد متولي الشعراوي، في تسعينيات القرن الماضي، أن المرأة إذا خرجت من منزلها تغوي الرجل، وتفسد البيوت.

وأشار الشعراوي في إحدى حلقات برنامج "خواطر إيمانية" إلى أن كرامة المرأة وعزتها تقتضي ألا تتزوج بعد وفاة زوجها وأن تكتفي برجل واحد في الدنيا، أما في الآخرة، فقد كرمها الله، ولم يجعل لها حور عين، حتى لا تصبح "نهباً" يطأها أي فحل.

وفي أحد دروسه، بعنوان "كيف تربي المرأة"، أكد الشيخ محمد حسين يعقوب أن وصاية الرجل على المرأة من صحيح الدين، فلا يصلح شرعاً أو عرفاً أن تعيش أي امرأة بلا رجل "وصي" عليها.

وأضاف يعقوب أن من واجب الرجل وضع الجلبات والخمار على ابنته بمجرد أن تبلغ العامين، فلا يرى منها الرجال في الشارع شيئاً، موضحاً أن للنساء وظيفتين فقط، "يسكن إليها الرجل، ويتغشاها"، ولا يجب عليها أن ترفع رأسها فيه أبداً.

واشتهرت السعودية في العقود الماضية بكونها واحدة من أكثر الدول انغلاقاً على النساء، فهي بنظر مفتيها تسبب الغواية والفتنة، لذلك كانت هيمنة "الوصي" الرجل على حياتها خانقة.

وأكد مفتي المملكة السابق، عبد العزيز بن باز، في مجموع الفتاوي على موقعه الرسمي، أن المرأة لا يحق لها السفر إلا بإذن وليها الرجل، ولا يجب أن تعمل في شركة حيث تختلط بالرجال، حتى ولم لم يكن لها مصدر رزق آخر، كما اعتبر أن قيادة السيارة للمرأة تؤدي إلى مفاتن كثيرة أهمها، خروجها عن سيطرة الرجل، وفساد أخلاقها.

الأمر في دولة السودان لم يختلف كثيراً في ظل النظام السابق ذي الطبيعة الإسلامية، فالمرأة أحد أوجه الفساد المجتمعي، عرفاً وديناً وقانوناً، وأعطى نظام الرئيس المخلوع عمر البشير للسلطات الحق في القبض على النساء وجلدهن 40 مرة، إذا ارتدين البنطال، أو رفضن وضع الحجاب على رؤوسهنّ في الأماكن العامة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image