شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عصا اللذة السحرية بيد المرأة الخطيرة، الجميلة... تلك التي تقودك إلى التهلكة

عصا اللذة السحرية بيد المرأة الخطيرة، الجميلة... تلك التي تقودك إلى التهلكة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 30 أغسطس 201906:04 م

 ترتبط فئة من النساء حسب المنطق الذكوريّ بالرعب، هن قادرات على زعزعة العالم، وتخريب حياة "الرجل"، أي "رجل" تقع أعينهن عليه. الواحدة منهن، قد تودي به، وتُبطلُ لعبته و"حذلقاته" ومخططاته، معجمياً نلحظ هذا "الخطر" في بعض صفات النساء، حتى تلك التي تستخدم للمديح، إذ نقول "امرأة رائعة"، هي لا فقط جميلة، بل "تثير الفزع"، أو " تُذهب الروع" أي العقل، كذلك، نقول "فاتنة" فهي "بلاء وامتحان"، وكأن الرجولة، و"قوّتها" و"أدائها" في تهديد دائم، ضد تلك "الخطيرة" التي قد تضرب العقل وتستدعي الخراب.

قدّم لنا التاريخ نَماذجَ مختلفةً للنساء الخطيرات، اللاتي زعزعن صورة الرجل "البطل" و"الملك" و"الحكيم"، وتكمن "خطورة" هذه المرأة، في قدرتها على جعل من حولها فرائس محتملة، الكل يخاف من "بطشها الساحر"، فهي تدرك ألعاب الرجولة وتخيّلاتها وتوظفها لمصلحتها، ولا نتحدث فقط عن النماذج التي قدمتها السينما، للـ famme fatal التي يموت موضوع حبها، بل أيضاً تلك التي تحضر في التاريخ، والتي يهدّد "جمالها الخطير" كسلاح فتّاك، ولا نقصد أيضاً "الجمال" بالمواصفات الذكورية، بل تلك الهالة من الثقة والقوة، التي تثير الرعب في النساء والرجال على حد سواء.

نرى هذا النموذج في بلقيس، التي أسرت بجمالها وحكمتها نبياً ملكاً، لتُنسب إلى الجنّ، كونها تحدّت "عقل" الملك سليمان الحكيم، هي أيضاً هيلين طروادة، التي سحرت بعينيها رجال الإغريق، الذين أحرقوا طروادة لأجلها، وهي كليوبترا التي أسرت قلوب أشدّ قادة روما بأساً.

هي التي تحب للأقصى، تَقتلُ للأقصى، تَشتهي للأقصى، تتبدلُ مشيتها بين الثقل والخفّة، العنف والرقة، هي حرّة، تطفو فوق ألاعيب الرجال في ذات الوقت تمشي بشدة على الأرض التي صممها الرجال مرتدية الكعب الذي صممه الرجال أيضاً لـ"قمعها".

يوظف نموذج المرأة الخطيرة عادة كوسيلة للوقوف بوجه المرأة المستقلة، إذ يمارس عنف بأشكال مختلفة ضدها كونها "خطيرة"، ويمكن أن تختزل بجمالها أو عقلها أو شهوتها الأسلحة الموجهة ضد "العالم"، خصوصاً أنها "ساحرة"، لا تحقق الفانتازم الرجولي العلني، بل ذاك الشبقي السري الهذياني، هي التي "تظهر" كما تريد، دون أي حكم من أحد.

"المرأة الخطيرة، هي التي تحبّ للأقصى، تَقتلُ للأقصى، تَشتهي للأقصى، تتبدلُ مشيتها بين الثقل والخفة، العنف والرقة، هي حرّة، تطفو فوق ألاعيب الرجال في ذات الوقت تمشيّ بشدّة على الأرض التي صممها الرجال مرتدية الكعب الذي صممّه الرجال أيضاً لـ"قمعها"
"الجمال والمهارة لدى المرأة الخطيرة لهما وجه خفي مرتبط باللذة التي ترتبط تعاليمها بالنساء، فمنذ العصر النبوي وأحاديث عائشة ثم سقيفة حُبّى حتى الآن تظهر المرأة ماهرة في صناعة اللذّة، وخزّان لأسرارها، ذات الأمر نراه في المصنفات "الجنسيّة" العربيّة، التي ترتب وتأرشف وتصف سلوكيات الباه والآه، عبر جعل المرأة ذات سحر ومولّد لذة تأسر بها الرجل وتحبس قضيبه داخلها"


الجمال كطقس "تحضير السُمّ"

لا نقصد هنا أي إحالة إلى الجمال أو أي تقييم مرتبط به، لكن السلوك اليومي الذي تمارسه المرأة للعناية بذاتها، يُتهم أحياناً بأنه نوع من "السحر"، وسيلة تُستخدم لسلب الرجال عقولهم ووعيهم، أشبه بروتين استحضار الأرواح أو صناعة "جرعة سحرية"، وهذا ما نراه في الصور "المُسرّبة" التي تنتشر لنساء دون مكياج، وكأن هناك "كذبة" وقد انكشفت، ليأتي الردّ بحملات الفخر بالشكل مهما كان، و هنا تظهر الإشكالية، وهي مصادرة الحق بالعناية بالذات والشكل بوصفها "سحراً" أو سلاحاً نسائياً مصمماً ضد "الرجال"، لا خياراً شخصياً.

النظرة السابقة تفترضُ وجود "داخلٍ بَشع" تُسهم المرأة بإخفائه، لأن هذا الداخل يفضح حقيقتها "المُرعبة"، كالساحرة التي تُخفي وراء "جمالها" وجها "قبيحاً" لابد من كشفه، وهنا تظهر الحذلقة الرجولية، و نراها بوضح في حكاية بلقيس وسليمان، الذي نصب "فخّاً" لبلقيس ليكشف "حقيقتها"، إذ جعل أرض قصره من رخام تحته ماء، ليرى انعكاس ساقي بلقيس حين تدخل إليه، وهنا تأتي بعض التفسيرات الغريبة لتقول أن ساقيها مُشعرتان، بل ساقي "حمار"، وكأنّه يريد أن يكشف لنفسه ولمن كانوا حاضرين "حقيقتها" وأنه تمكن من إدخالها في دينه بعدما كشف ما تخبّئه.

اختبارات العالم الذكوري

تقول الأساطير التي كانت تحيط بالساحرات في أوروبا، إنه لاكتشاف الساحرة كانت ترمى في الماء، إن طفت فهي ساحرة وإن غرقت فهي بشرية، في التراث الإسلامي لا يوجد الكثير فيما يخص الساحرات، سوى الحادثة الشهيرة التي قتلت فيها حفصة زوجة النبي وابنة عمر بن الخطاب جاريةً لها سحرتها، لكن هذا الرعب والخراب الذي تسببه الساحرة نراه أكثر في صوره الفانتازمية في ألف ليلة وليلة، حيث تهيمن ساحرة على مدينة بأكملها و تسحر من فيها سمكاً ملوناً، لينتهي بها الأمر كغيرها من "الساحرات" اللاتي يقتلن في النهاية أو يصبحن عبدات مطيعات.

الساحرة خطيرة وتعاقب وتُختبر "حياتها"، لأنها قد تمتلك "مهارة" ما -خصوصاً الطبابة- وقدرة لا يمتلكها الرجل أو لم يألفها، والأهم، أن الرعب منها يظهر حين تتحدى بمهاراتها الرجال، و تطالب بمكانها و وتثبت "قدرتها" على إنجاز المناط بها، حتى لو كان ضمن اللعبة الرجولية، وهنا تظهر تهمة "الساحرة" مرة أخرى لتلاحق كل من تحاول اقتحام عالم الرجال، كالتهم الشعبية واللامنطقية التي يطلقها البعض على المصرية نوال السعداوي، ذات الأمر في الحملة الشعوبية ضد هيلاري كلينتون التي اتهمت بأنها "ساحرة" ولابد من "صيدها".

عصا اللذة السحرية

الجمال والمهارة لهما وجه خفي مرتبط باللذة التي ترتبط تعاليمها بالنساء، فمنذ العصر النبوي وأحاديث عائشة ثم سقيفة حُبّى حتى الآن، تظهر المرأة ماهرة في صناعة اللذة وخزّان لأسرارها، ذات الأمر نراه في المصنفات "الجنسية" العربية، التي ترتب وتأرشف وتصف سلوكيات الباه والآه، عبر جعل المرأة ذات سحر ومولّدة لذة تأسر بها الرجل وتحبس قضيبه داخلها.

هذه الخطورة مصدرها الرجولة التي ترى في المرأة كائناً يخاطب الجسد لا العقل، يأسرُ باللذة، بالتالي، لابد من كبح هذه اللذة ومنعها من التحقق، ثم امتلاكها، كونها "سلاحاً" بيد المرأة، لا سعي شخصي، بل تهديد لتكوين العالم وشكله الثقافي، فهذه اللذة تنتمي لعالم غرائبي يضرب في الرجولة، التي تنجذب لها وتهابها، ومن هذا الخوف نفسه تظهر تهم "الشبق"، التي لا تظهر بصورة علنية، لكن يلمّح لها ويشار لها سراً، وكأن هناك سيفاً خفياً موجهاً على أعناق الرجل، لابد من الحذر دوماً منه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image