تشهد مواقع التواصل الاجتماعي حالة استنكار شديد ظهرت في تعليقات ومنشورات الفلسطينيين الذين علّقوا على حادثة اغتصاب سائحة بولندية في إحدى ضواحي مدينة بين لحم، في الضفة الغربية.
الحادثة وقعت قبل أسبوع تقريباً، ولكن الرأي العام عرف بها فقط في الرابع من آذار/ مارس، وفي التفاصيل، قام عدة شباب تقول مصادر إنهم أربعة فيما تقول أخرى إنهم خمسة، باستدراج سائحة بولندية ودليلها سياحي من بلدة العبيدية إلى منطقة المخرور في بلدة بيت جالا، و"هناك قيّدوا الدليل السياحي، وتناوبوا على اغتصاب السائحة".
تأخرت الشرطة في الحديث عن القضية التي أحيلت على النيابة العامة بتاريخ 29 شباط/ فبراير لاستكمال الإجراءات القانونية بحق المتهمين الذين أوقفوا، وفي حديثها العلني لم تذكر أن المسألة هي جريمة "اغتصاب"، مكتفية بالحديث عن "اعتداء".
وفي حين اتهم ناشطون الشرطة بمحاولة التستر على الجريمة، وبأنها لطالما تقوم بذلك، بررت مصادر أمنية خاصة تحدثت لرصيف22 أمر التأخر في الإفصاح عن الجريمة بأنه إجراء روتيني عادي، فـ"الشرطة غير مجبرة قانونياً على نشر تفاصيل كل الأحداث التي تتعامل معها، واتخاذ قرار إصدار البيان الإعلامي والتعقيب على الحادثة جاء بعد انتشار القضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتزايُد أعداد الصحافيين الذين تواصلوا مع جهاز الشرطة، لمعرفة حيثيات القضية".
ولكن شريحة واسعة من الفلسطينيين تنتقد غياب الشفافية في مثل هذه الحالات. ويشير المحامي عبد الله شرشرة إلى أن "حالة اغتصاب السيدة البولندية ستحظى بمعاملة رسمية مميزة، بالمقارنة مع ضحايا الاغتصاب في فلسطين، نظراً لكونها أجنبية"، ويضيف لرصيف22: "لو أنها لم تكن كذلك، لتمت معالجة هذه المسألة بشكل سري، لأسباب اجتماعية"، مبيناً أن هذه "ليست حادثة فريدة، فسنوياً هناك عدد كبير من جرائم الاغتصاب التي تصل إلى المراكز الأمنية والنيابة العامة".
حالات عدّة
وفقاً لمعلومات حصل عليها رصيف22 من إحدى العاملات في مركز نسائي يقع مقره في محافظة الخليل، جنوب الضفة الغربية، سجّل المركز خلال عام 2019 أكثر من ست حالات اغتصاب داخل المحافظة.
وأضافت الناشطة التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها: "تلك الحالات هي التي وصلت إلينا لطلب الرعاية القانونية والاجتماعية، بعدما دخلت الضحايا في حالة يأس وخوف شديدين، فمعظمهنّ يعتقدن أن الإفصاح عما واجهنه يمكن أن يزيد الأمور تعقيداً".
وأشارت إلى واقعة عايشتها خلال شهر أبريل/ نيسان 2019، و"هي لطالبة جامعية، تعدى عليها ثلاثة من زملائها بينما كانت في طريق عودتها إلى منزلها الذي يقع في إحدى قرى مدينة الخليل، والذي تمرّ بعدد من الشوارع التي تكون شبه خالية من السكان لتصل إليه في أوقات الظهيرة".
وذكرت أن الاعتداء تم، وفق إفادة الشابة، "بعد تخطيط مسبق من زميلها"، إذ لاحظت أنه كان يراقبها على مدار أيام طويلة قبل الجريمة.
وروت أن الفتاة "كانت رافضة بشكل مطلق الإفصاح عما حصل معها، لولا أن إحدى زميلاتها لاحظت عليها تغيّراً في نمط حياتها وأصرت عليها بشدة لتخبرها بما حصل، ونصحتها على الفور بزيارة المركز حتى تعرف كيف تتعامل مع الأمر جيداً".
وأكدت أن الفتاة "رفضت بشكل مطلق فكرة تقديم شكوى لدى الشرطة بالحادثة، لأن ذلك قد يسبب لها مشكلة عائلية كبيرة".
"حالة اغتصاب السيدة البولندية ستحظى بمعاملة رسمية مميزة، بالمقارنة مع ضحايا الاغتصاب في فلسطين، نظراً لكونها أجنبية. ولو أنها لم تكن كذلك، لتمت معالجة هذه المسألة بشكل سري، لأسباب اجتماعية"
وخلال عام 2018، ضج الشارع في غزة بقصة اغتصاب طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها 12 عاماً، واعتُدي عليها في منطقة الصبرة، جنوب المدينة، عندما استغل الشاب المغتصِب خلو الشارع من المارة، واستدرج الطفلة التي كانت متوجهة للمشاركة في حفل زفاف أحد أقاربها، واقتادها إلى مكان مهجور حيث ارتكب جرمه الذي سبب للضحية وضعاً صحياً حرجاً وأدخلها في حالة نفسية لا تزال تعاني من آثارها حتى هذه اللحظة.
وروى مواطن من مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة، لرصيف22، أنه كان شاهداً في منتصف عام 2016 على جريمة تحرش كان من الممكن أن تتحول إلى اغتصاب لولا تدخله هو وصديقه في اللحظات الأخيرة، مشيراً إلى أن المعتدي كان سائق سيارة أجرة، والمجني عليهما شابتين في العشرينات من العمر.
تؤكد مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة زينب الغنيمي، إن أمر وجود حالات الاغتصاب في فلسطين قائم، مثلها مثل أي مكان في العالم، مشيرةً إلى أن "هناك مشكلة حقيقية في مسألة الإفصاح بشكل صريح عن الحالات، لا سيما إذا كان المغتصب من أفراد عائلة الضحية".
وتوضح أن من بين الحالات التي رصدوها، واحدة جرت قبل سنوات لأختين عمريهما 16 و18 عاماً على التوالي، تعرضتا لاغتصاب من الأب، الأمر الذي أفقدهما عذريتهما، و"حينذاك رفضت العائلة إحالة القضية إلى الجهات الحكومية المختصة بمتابعة الأمر، خشية على سمعة العائلة ومكانتها بين الناس".
وتروي قصة حالة أخرى لفتاة اغتصبها سائق قبل أعوام، في شرق مدينة غزة، و"آنذاك توجهت الفتاة وعائلتها إلى الجهات القانونية الرسمية التي تعاملت مع الحادثة واعتقلت المجرم"، مؤكدة أن "الفتاة لا زالت حتى هذا الوقت تعاني من أزمات نفسية وآلام جسدية على الرغم من مساعدة طواقم من المختصين في المعالجة النفسية والبدنية لها، على مدى وقت طويل".
مراكز النيابة العامة في محافظات الضفة الغربية سجّلت، خلال عام 2019، حوالي 20 حالة اغتصاب، وفي قطاع غزّة، لم يتسنَّ لنا الحصول على أيّة أرقام، لأنّ هذا النوع من الجرائم يُعتبر "من الأمور المحظور تداولها خارج الغرف المغلقة"
الأسباب والردع القانوني
وعن أسباب استمرار تسجيل حالات اغتصاب في الواقع الفلسطيني، بيّنت الغنيمي لرصيف22، أن ضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى كثيرين من الأشخاص الذين يرتكبون تلك الجرائم هو السبب الرئيسي لكلّ ذلك.
وأشارت إلى أن "البعض يتحجج بشماعة الظروف المعيشية والمشكلات التي تواجه الشباب والأزمات وحصار قطاع غزة وغيرها، ليمارس فعله الشنيع، لكنّ ذلك أمر مرفوض فالجميع يعيش في نفس الظروف".
وأضافت: "هناك أسباب أخرى لها علاقة بالطبيعة المجتمعية والاكتظاظ السكاني داخل البيوت، لأن الأطفال هناك يكونون معرّضين للاطلاع على تفاصيل العملية الجنسية التي تجري بين الأزواج بشكل غير مباشر، ما يرفع من احتمال انحدارهم نحو ممارسات جنسية غير مشروعة"، لافتة إلى أن عوامل أخرى مثل تعاطي المخدرات هي من بين الأسباب أيضاً.
على الصعيد القانوني، قررت السلطة الفلسطينية قبل عامين إلغاء بعض الأحكام القانونية التمييزية ضد النساء الفلسطينيات، ووقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس القانون قرار رقم 5 لسنة 2018، وينص على إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات لعام 1960 النافذ في الضفة الغربية.
وكانت المادة الملغية تعطي المغتصبين المدانين فرصة الإفلات من السجن إذا ما أقدموا على الزواج من ضحاياهم.
ولكن مؤسسات حقوقية ونسوية عدّة قالت إن هذه الإجراءات غير كافية وهناك حاجة لتكون رادعة أكثر، خاصة مع استمرار حالات الاغتصاب التي تسجلها المدن الفلسطينية المختلفة، إذ تسجّل تلك المؤسسات دورياً حالات نساء يطلبن الإرشاد النفسي والقانوني لمعرفة كيفية التعامل مع وقائع اغتصاب تعرّضن لها.
وأفاد مصدر خاص لرصيف22 بأن مراكز النيابة العامة في محافظات الضفة الغربية سجّلت، خلال عام 2019، حوالي 20 حالة اغتصاب، وهو رقم مساوٍ تقريباً للأرقام التي كانت تسجل في الأعوام السابقة.
وفي قطاع غزّة، لم يتسنَّ لنا الحصول على أيّة أرقام، لأنّ هذا النوع من الجرائم يُعتبر "من الأمور المحظور تداولها خارج الغرف المغلقة التابعة للنيابة العامة"، بحسب تعليق أحد الأشخاص العاملين في السلك القضائي في القطاع.
وفي وقت سابق، أشارت مؤسسة "سوا"، وهي جمعية مدنية تعمل على مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى عدم وجود إحصاءات دقيقة حول التحرش الجنسي والاغتصاب بسبب قلة حالات التبليغ الرسمي عنه، مؤكدة أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن 30% مما يصلها من حالات مرتبطة بالعنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...