من المفترض أن يكون وجود الأصدقاء في حياتنا أمراً مثمراً، ففي السنوات الأخيرة، أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين لديهم صداقات قوية يعانون من ضغوطات نفسية أقل ويتعافون بسرعة أكبر من الأزمات القلبية، ومن المرجح أن يعيشوا حياة أطول مقارنة بالأفراد الذين ليس لديهم أصدقاء.
ولكن لسوء الحظ، ليس لدى جميع الأصدقاء هذه الآثار الإيجابية، فبعضهم لا يتوقف عن الكذب والإهانة والخداع، والبعض الآخر يكون همه الأول والأخير، إرضاء ذاته وكيفية الاستفادة من المقربين منه واستغلالهم، وعندما تبدأ الأمور السيئة تطفو على السطح، فإن المرء يجد نفسه في خضم صداقة سيئة "تنهش" جسده وتدمر صحته النفسية.
تقليد الآخرين
"رفيق السوء مثل البعوض، لا تحسّ به إلا بعد اللّسع". (مصطفى لطفي المنفلوطي).
في تحليل 148 دراسة وفيات نشرت في مجلة PLoS Medicine، تبيّن أن خطر الوفاة المرتبط بعدم وجود شبكة اجتماعية قوية، كان يشبه تدخين ما يصل إلى 15 سيجارة يومياً، أو أكثر من 6 مشروبات كحولية في اليوم.
وفي حين تعتبر السجائر والكحول من الأسباب الرئيسية للوفاة، كما وأن حملات التوعية بشأن السمنة والنشاط البدني تحظى بأهمية كبيرة، فإن التوعية حول الصداقات الجيدة لا تحظى باهتمام كبير في مجال الصحة العامة، ولكن من الآن فصاعداً يجب علكيم أن تختاروا أصدقاءكم بحكمة، لأنه تبيّن أن الأصدقاء السيئين يؤثرون سلباً على صحتكم النفسية والجسدية.
مع بداية كل عام جديد، يعتزم الكثير من الأشخاص الاعتماد على نمط حياة صحي، فيقرر البعض مثلاً الحدّ من الوجبات الخفيفة الضارة بالصحة، أو المشاركة في التمارين الرياضية، وذلك عندما يقوم الأصدقاء بفعل الشيء ذاته.
ومع ذلك، ليست جميع القرارات التي تؤثر على صحتنا مقصودة، بحيث أننا نقوم بتقليد سلوك أصدقائنا وزملائنا وأفراد أسرتنا، وكل الأشخاص الذين نرتبط بهم ونحبهم.
ولكننا نقوم أيضاً بتقليد العادات الضارة بالصحة للمقربين منا، مثل التدخين أو تناول الكثير من الطعام، وفق ما ذكره موقع بي بي سي، والذي كشف أن ما تعنيه هذه الظاهرة هو أن الأمراض غير المعدية، مثل أمراض القلب، السكتات الدماغية والسرطان، يمكن أن تنتشر من شخص إلى آخر مثل العدوى.
وبناء على ذلك، طرح الموقع السؤال التالي: هل من المحتمل أن يتسبب الأصدقاء في إصابتكم بالسمنة؟
في الواقع، يشكل الأشخاص الذين نُقدرهم ونتواصل معهم بشكل منتظم ما يُعرف بـ"شبكة علاقاتنا الاجتماعية".
من هنا ركزت دراسة فرامينغهام للقلب، على دراسة قوة وتأثير العلاقات الاجتماعية منذ أواخر الأربعينيات، من خلال متابعة ثلاثة أجيال من سكان بلدة فرامينغهام الواقعة في ولاية ماساتشوستس، في الولايات المتحدة الأميركية.
وأشار البحث إلى أن المرء يكون أكثر عرضة للإصابة بالسمنة في حال أصيب شخص ما مقرّب منه بالسمنة.
وتُشير الدراسة إلى أن نسبة الإصابة بالسمنة تصل إلى 57% في حال كان هذا الفرد المؤثر صديقاً، و40% إذا كان شقيقاً، و37% إن كان أحد الزوجين.
هذا وقد كان التأثير أكثر وضوحاً إذا كان الشخصان من الجنس نفسه، كما وأن المسألة مرتبطة أيضاً بمدى شعور الفرد تجاه الشخص الآخر.
على سبيل المثال، أشارت دراسة فرامنغهام إلى أن وزن الشخص لم يتأثر بوزن أحد جيرانه الذين يراهم يومياً في حال لم يكن تربطه به علاقة وثيقة، في حين أنه في الصداقات غير المتوازنة، من المرجح أن يزداد وزن الطرف الذي يعتبر الصداقة مهمة إذا ازداد وزن الطرف الآخر، لكن لن يحدث العكس.
كما اتضح أن معدلات الطلاق، التدخين وشرب الكحول تنتشر بين مجموعات الأصدقاء والعائلة.
وقد اعتبر موقع بي بي سي أن تلك النتائج مهمة، فرغم كوننا نتأثر بالشيخوخة ونميل وراثياً إلى الإصابة بأمراض معيّنة، فإن خطر الإصابة بالأمراض غير المعدية يزداد كثيراً بسبب بعض السلوكيات، مثل: التدخين، الحمية الغذائية، مقدار النشاط البدني واحتساء الكحول.
العدوى الاجتماعية
بعض الصداقات قد تؤثر على سلوكنا وحالتنا المزاجية.
فكما هو معلوم، يعتبر التدخين أمراً شائعاً بين المراهقين وذلك تأثراً بالمشاهير.
وبشكل منفصل، تبيّن أن الشباب الذين عانى أصدقاؤهم من تدهور في حالتهم المزاجية يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات المزاجية والعكس صحيح، مع العلم أن تدهور الحالة المزاجية يؤثر على جودة حياة المراهقين، وقد يؤدي أحياناً إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب في وقت لاحق.
إذاً يمكن القول إن المشاعر "معدية"، وهي نظرية مدعومة بتجربة مثيرة للجدل أُجريت في السر على نحو 700 ألف من مستخدمي موقع فيسبوك.
بطريقة انتقائية، قامت التجربة بتصفية المنشورات التي يمكن أن تظهر للمستخدمين على الصفحة الرئيسية، من خلال الاعتماد على خوارزمية لإظهار المشاركات ذات الصلة بالمستخدمين من أصدقائهم على فيسبوك.
أُجريت تجربتان متوازيتان: الأولى خفضت من تعرض المستخدمين للمنشورات التي تظهر مشاعر إيجابية، بينما ركزت الثانية على تقليل المنشورات التي تطغى عليها المشاعر السلبية.
واتضح أن المستخدمين الذين تعرضوا لمنشورات إيجابية كانوا أكثر عرضة لنشر منشورات خاصة بهم تحمل طابعاً إيجابياً، والعكس بالعكس، الأمر الذي يشير إلى أن المشاعر قد تنتشر عبر الشبكات الاجتماعية الموجودة عبر الإنترنت، رغم عدم وجود تفاعل وجهاً لوجه أو إشارات للغة الجسد.
أحد الانتقادات الموجهة إلى مثل هذه الدراسات تقول إننا نميل في الأصل إلى تكوين صداقات مع الأشخاص الذين يتسمون ببعض السمات المماثلة لنا بالفعل، أو يتشابهون معنا في الظروف، لكن العديد من الدراسات تحاول تفسير تلك النظرية المعروفة باسم العدوى الاجتماعية.
في هذا الصدد، كشفت الأخصائية في علم النفس نرمين مطر، أنه في أغلب الأحيان لا تكون العلاقة بين الأصدقاء متكافئة، بحيث أن هناك طرف يبذل مجهوداً أكبر في العلاقة، مشيرة إلى أنه عند هذه الحالة تبدأ "أول خيبة أمل": "ما في شي مثالي في هذا النوع من الصداقات، لأنو في طرف بيكون عم بيعطي أكتر من الطرف الثاني"، على حدّ قولها.
وأوضحت مطر أن هناك صداقات تكون مؤذية إلى حدّ كبير، بخاصة في حال كان المرء منخرطاً في علاقة صداقة مع شخص يتمتع بشخصية مركبة، ولديه أعباء نفسية يحاول التخلص منها عن طريق رميها على الطرف الآخر، الأمر الذي يجعل الأخير يقوم بتصرفات لا تشبهه على الإطلاق.
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت نرمين لرصيف22:" في الكثير من الأحيان منلاقي حالنا عم نتصرف بطريقة ما بتشبهنا، بتشبه أكتر تصرفات صديقنا الذي رمى علينا ردود أفعاله السلبية، ما يجعلنا نتصرف بدورنا بشكل سلبي".
هذا وأكدت نرمين مطر أن الصداقات السيئة تنعكس سلباً على حياة المرء وذلك على الصعيدين النفسي والجسدي: تعب، إرهاق، توتر وتفكير سلبي مفرط...
مؤشرات الصداقة السيئة
يمكن أن تزيد الصداقات من شعوركم بالانتماء، تجعلكم أكثر سعادة، تزيد من ثقتكم بنفسكم وتساعدكم على التأقلم بشكل أفضل مع الصدمات، ولكن لسوء الحظ ليست كل الصداقات إيجابية.
فقد يكون لديكم صديق يجعلكم تشعرون بالسوء بدلاً من تحسين حياتكم، واللافت أن الأصدقاء السيئين لا يستنزفونكم من الناحية الذهنية فحسب، بل يمكنهم أيضاً تعريض صحتكم البدنية وسلامتكم للخطر.
إليكم بعض المؤشرات التي تكشف أنكم منخرطون بصداقة سيئة:
رفع مستويات التوتر: الصديق السيء هو الشخص الذي يجلب معه الشعور بالتوتر، بحيث أنه يجعلكم تشعرون بأنكم في منافسة دائمة معه، كما أنه يحاول تغييركم، وقد يكون متطلباً إلى حدّ كبير، هذه السلوكيات تؤدي إلى زيادة التوتر والقلق إلى مستويات خطيرة.
وفي هذا الصدد، وجدت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، على 122 من البالغين الأصحاء، أن الذين لديهم تجارب اجتماعية سلبية لديهم مستويات أعلى من البروتينات الالتهابية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب، ارتفاع ضغط الدم، تصلب الشرايين وأمراض القلب والسكري والسرطان.
الضغط لتحمل مخاطر خطيرة وغير صحية: لا شك أن البعض منّا، في وقت ما، قد شعر بأن صديقه يضغط عليه لاحتساء الكحول، التدخين، تعاطي المخدرات، القيادة بسرعة "جنونية"، وغيرها من السلوكيات الخطيرة الأخرى.
وفي مقابلة مع الدكتورة إليزابيث لومباردو، في مجلة Women's Health، أوضحت أن المؤشر الكبير الذي يدل على أن صداقتكم غير صحية، هي في حال تم إرغامكم على فعل أشياء مؤذية لا تريدون القيام بها.
عادات غير صحية: من السهل الاشتراك في النادي الرياضي أو الالتزام بنظام غذائي صحي، عندما يكون لديكم صديق يتمتع بلياقة بدنية، والعكس صحيح.
فقد وجد باحثون من جامعة هارفرد وجامعة كاليفورينا سان دييغو، أن المشتركين كانوا أكثر عرضة بنسبة 171% للسمنة، إذا كان صديقهم المقرب لديه مؤشر كتلة الجسم مرتفع، أي مصاب بالسمنة.
الانسحاب فوراً
يمكن تشبيه الصداقات السامة بـ"القنبلة الموقوتة"، والتي قد تنفجر في أية لحظة وتخلف وراءها الخراب والدمار.
في هذا الصدد، أوضحت إيلين هندريكسن، عالمة النفس ومؤلفة كتابHow to Be Yourself: Quiet Your Inner Critic and Rise Above Social Anxiety، أن العادات غير الصحية تنتشر في الكثير من الأحيان بين الأصدقاء.
وبالتالي اعتبرت هندريكسن أنه في حال قام صديقكم بسحبكم إلى الأسفل أو الضغط عليكم لشرب الكحول أو التدخين، بعد أن أوضحتم له أنكم تحاولون أن تتغيروا، أو سخر من محاولاتكم للعناية بأنفسكم، فقد يكون الوقت قد حان للابتعاد عنه.
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت عالمة النفس وصاحبة كتاب The Dance of Connection، هارييت ليرنر، لنيويورك تايمز، إن "الصداقة غالباً ما تكون مؤلمة للغاية"، مشيرة إلى أنه يتعيّن على المرء أن يقرر ما إذا كان من الأفضل أن ينظر إليها على أنها مرحلة في مسار صداقة قوية، أو أن يعتبرها مسيئة لصحته، وبالتالي يضع حدّاً لها، أما عالمة الاجتماع في جامعة كونكتيكيت، جان ياغر، فشددت في كتابها When Friendship Hurts على ضرورة التخلي عن الأصدقاء السيئين على قارعة الطريق: "هناك خرافة تقول إن الصداقات يجب أن تدوم مدى الحياة، ولكن في بعض الأحيان قد يكون من الأفضل لها أن تنتهي".
في الختام فكروا في الأصدقاء الأقرب إلى قلبكم: ما هي هواياتهم؟ هل يحبون ممارسة الرياضة؟ هل يعانون من زيادة في الوزن؟ هل يتناولون الطعام بشراهة؟ هل يعانون من صعوبة في الإقلاع عن التدخين؟ هل يفرطون في احتساء الكحول؟
في حال وجدتم أنهم يحاولون دفعكم إلى الهاوية، فاعلموا أنه آن الأوان لوضع حدّ لهذه الصداقة السامة، فنحن في نهاية المطاف لا نخسر الأصدقاء، بل نتعلم من هو الصديق الحقيقي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...