"إنها صديقتي أحبها كما أحب أختي وأعز"، "نحن صديقان لا أكثر ولا أقل"، "تربطني به صداقة أخوية وأعز". هي عبارات تتردد غالباً على مسامعنا في المجتمع العربي.
وفي حين يؤمن البعض بوجود ما يسمى "العلاقة الأفلاطونية"، المنزهة عن كل مآرب ومصالح، يعتبر البعض الآخر أن الصداقة بين شاب وفتاة هي قناع يقف وراءه رجل وامرأة، لديهما مشاعر قوية مدفونة، قد تتحول في معظم الأحيان إلى علاقة حب.
من هذا المنطلق، هل يمكن الحديث عن صداقة أفلاطونية مع الجنس الآخر؟ وهل تتحول الصداقات مع الوقت إلى علاقات حب، أو أن الصداقة الحقيقية تبقى بعيدة كل البعد عن الرغبات الجامحة؟ أين يقف العلم والدين من مسألة الصداقة العذرية؟
صداقة حقيقية أم علاقة "مبطّنة" في العالم العربي؟
تتسم العلاقات في المجتمع الشرقي بالحذر والخوف من المجهول. فالصداقة بين شاب وفتاة تمرّ بالكثير من العقبات، خصوصاً في ظل وجود مجتمع "تقليدي"، ينظر بريبة إلى هذه العلاقة، وقد يصل به الأمر إلى توجيه أصابع الاتّهام إلى الأشخاص المعنيين، على اعتبار أنهم "يقعون في فخ الحرام". وهذه حال بعض المجتمعات المحافظة، التي ترفض ما يسمّى صداقة بحتة بين جنسين، في حين نجد في بعض البلدان العربية، خصوصاً في لبنان، انفتاحاً على مثل هذا النوع من العلاقات، مع وجود بعض التحفظات وفق تجارب وخبرات شخصية.تعتبر غنوة (27 عاماً)، طالبة طب، أنه في ظل الانفتاح الذي نشهده، وبعض التغييرات التي طرأت على المجتمع مثل انتشار المدارس المختلطة، ووجود نشاطات مختلفة تجمع الجنسين، تغيّر مفهوم العلاقات بين الناس، وبتنا نشهد ما يسمى الصداقة الصافية والبريئة بين شاب وفتاة. صداقة لا تتجاوز حدود "الأخوة". وتقول: "ليس هناك رغبة مشبوهة تولد بين أخ وأخت، كذلك الحال بالنسبة إلى صداقة حقيقية تنشأ بين شخصين".
وتشير إلى امتعاضها من نظرة المجتمع، الذي يحكم على الناس بطريقة سطحية وعشوائية. وتضيف: "كلما خرجت مع شاب يزوجونني منه، ويعتبرونه العريس المنتظر، ومع مرور الوقت تنكشف الحقيقة، ويتأكد الجميع أنه مجرد صديق، أستمتع برفقته وأحاديثه وأشكو له همومي ومشاكلي".
من جهتها، تؤكد عليا، طالبة هندسة في بريطانيا، أن مفهوم الصداقة يختلف وفق تقاليد المجتمع وعاداته. وترى أن معظم العلاقات في لبنان تقوم على قاعدة الاهتمام المتبادل بين الطرفين، لتتحول في ما بعد إلى الكشف عن المشاعر الحقيقية المرتبطة بالإعجاب والرغبة في خوض علاقة عاطفية. وتقول: "لم أتمكن يوماً من بناء صداقة حقيقية مع شاب لبناني، فغالباً تبدأ علاقتنا بصداقة بحتة، وسرعان ما تنتهي ببوح الشاب عن مشاعره المخفية". وتتابع: "وقعت في فخ بعض الشبان، الذين كنت أعتبرهم أصدقاء حقيقيين، إلى أن اكتشفت أنهم يستغلّون صداقتي للوصول إلى أبعد من ذلك". وترى أن العمر عامل مؤثر في هذه المسألة: "ليس هناك صداقة حقيقية وبريئة بين شخصين، في حال كان هناك فارق عمر بينهما". وتعتبر أن نجاح الصداقة مرتبط بالوضع الاجتماعي، فمن الأسهل إقامة صداقة فعلية مع رجل متزوج، أو على علاقة عاطفية، من الانخراط في صداقة مع رجل عازب، يبحث في الغالب عن المتعة أكثر من أي شيء آخر.
وبالنسبة إلى تجربتها مع الشباب في الخارج، تؤكد أن الوضع مختلف: "الشبان في البلدان الأجنبية يؤمنون بالصداقة الحقيقية، وبناء علاقات متينة مع الطرف الآخر، بغض النظر عن لونه وجنسه وعرقه. في البداية كنت أسيىء الظن بالشاب الذي يدعوني إلى احتساء مشروب معه أو الخروج برفقته، لكن مع الوقت إكتشفت أن الأمر لا يتعدى حدود الصداقة البريئة، والاستمتاع بالوقت والدردشة". via GIPHY
يؤمن سامي (30 عاماً)، وهو موظف في مصرف، أن الصداقة موجودة بالفعل بين الرجل والمرأة، وهو من المحبذين لهذا النوع من العلاقات. يقول: "أفكار ومواضيع كثيرة أحب أن أشاركها مع صديقتي أكثر من رغبتي في مشاركتها مع رفيقي الشاب. ربما لأن علاقتي معها مبنية على الثقة، وتعطيني أجوبة منطقية على أسئلتي، وفي الوقت نفسه، يريحني أن أحكي لها عن أشياء لا يمكنني إخبارها للفتاة التي أحبها، لأنني أحسب كل كلمة أقولها لها، بينما مع رفيقتي، ليس هناك حواجز". وعن أهمية دور الصديقة في حياته، يشير سامي إلى أن رفيقته ساعدته في الخروج من محنته بعد انفصاله عن حبيبته.
هل يمكن الحديث عن صداقة أفلاطونية مع الجنس الآخر في المجتمعات العربية؟ وما الذي يقوله العلم؟في المقابل، يعتبر جميل، وهو متزوج، أن معظم الصداقات تتحول مع مرور الوقت إلى علاقات حب، خصوصاً أن الشاب حين يتخذ فتاة صديقةً ويبوح لها بأسراره، تنكسر كل القيود، وتتهاوى الحواجز بينهما، فيخبرها في البداية عن علاقاته، وحياته الشخصية، ويعتاد وجودها إلى جانبه وسماع رأيها، ويعجب بطريقة تفكيرها، فتظهر حينها شرارة الحب، وتنقلب الصداقة إلى انجذاب جسدي وفكري. ويقول: "ليس هناك صداقة حقيقية في العالم العربي. بل علاقة تبدأ صداقة وتتحول إلى إعجاب وحب. وأحياناً يكتم الشخص مشاعره كي لا يخسر صديقه".
ما رأي الدين؟
مفهوم الصداقة أعمق من مجرد علاقة تعارف، غير أن للدين كلمته في هذا الموضوع. إذ تخضع أي ظاهرة في مجتمعاتنا لمقاييس وقيم دينية بالدرجة الأولى، ثم القيم الإنسانية. لذا تعدّ علاقة الصداقة بين الرجل و المرأة مسألة شائكة وحساسة، خصوصاً بالنسبة إلى رجال الدين "المحافظين"، الذين يعتبرون أن هذه العلاقات قد تحمل في طيّاتها خفايا ونوايا سيئة. ويستندون في ذلك إلى ما ورد في الدين الإسلامي، ومفاده أن أي اجتماع بين رجل وأنثى، سيكون الشيطان ثالثهما.ويفتح موضوع الصداقة باب الاجتهاد بين فتاوى تحرّم الصداقة بين الجنسين، على اعتبار أنها توقع المرء في المحظور، وفتاوى تجيز الصداقة بين رجل وامرأة ما دامت النوايا صافية. كحال الفتوى التي أصدرها مؤخراً أمين عام الفتوى بدار الإفتاء المصرية الشيخ خالد عمران، التي أكد فيها أن الصداقة بين الرجل والمرأة فى الإسلام "حلال"، لافتاً إلى أن العبرة ليست في الصداقة بل بمضمونها، إذ إن البعض يزعم أنها صداقة في حين أنها تكون علاقة شهوانية.
العلماء يحسمون الجدل
استناداً إلى نظرية "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة"، يؤكد العلماء أنه من المستحيل أن تنشأ صداقة "حقيقية" بين الجنسين. ويشير هؤلاء إلى أن وسائل الإعلام عززت هذه النظرية من خلال ترويج عدة أفلام أجنبية، كانت تركز على مسألة تحوّل الصداقة بين الرجل والمرأة إلى علاقة حب جارفة. ويشير العلماء إلى أن الصداقة بين الجنسين غالباً تسير على طريق الرومانسية، وتقع في فخ "الرغبات الجنسية".وفي هذا السياق أكدت دراسة في مجلة "سيانتيفيك أميريكان" أن معظم الرجال ينجذبون بداية إلى شكل المرأة، وإن كانوا يعتبرونها مجرد صديقة، ويشعرون أنها تبادلهم الشعور نفسه، أي أنهم يحللون اهتمامها على أنه إعجاب متبادل. فيتلاشى مفهوم الصداقة تلقائياً كونه مبنياً على الانجذاب والإعجاب، وليس على مضمون الشخص الآخر.
ويعتبر العلماء أن الرجال والنساء يتشاركون في نشاطات مختلفة، ويعملون سوياً ويمرحون ويقضون معظم الوقت معاً، غير أنهم يتجنبون بطبيعة الحال النوم سوياً خوفاً من تحرك الغرائز. وهذا ما يشير إلى أن الصداقة الأفلاطونية قناع يخفي وراءه دوافع جنسية، تنتظر الوقت المناسب لتخرج إلى العلن.
وتجزم "دراسات" أخرى جزماً قاطعاً باستحالة بناء صداقة "حقيقية" بين الجنسين، بسبب الاختلاف في طريقة التفكير وتقييم الأمور. ففي حين أن المرأة تحلل تصرفات الرجل وتقرّبه منها على أنه مجرد اهتمام صادق وبريء، فإن الأخير يفسّر اهتمام المرأة على أنه انجذاب جنسي نحوه، وبالتالي من غير الممكن التحدث عن صداقة "عذرية" في ظل وجود مشاعر ورغبات جنسية مكبوتة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين