بعدما سئما من العلاقات العاطفية ونهاياتها المخيّبة للآمال، وجد كل من ديلان وجيمي أنه من الأنسب لهما التوقف عن مطاردة شبح الحب وتحويل صداقتهما إلى تجربةٍ جديدةٍ من خلال الاستفادة من انجذابهما لبعضهما البعض، بشرط عدم الانغماس في ارتباطٍ عاطفي، بمعنى آخر، لقد اتفقا على الاستمتاع بالجنس بدون أي مشاعر أو التزام أو وعود.
هذا النوع من العلاقات جسّده الممثل جاستن تمبرليك والممثلة ميلا كونيس في الفيلم الكوميدي الرومانسي Friends with benefits (أصدقاء مع فوائد)، الصادر في العام 2011، والذي انتقده البعض على أساس أنه يشوّه العلاقات الإنسانية عن طريق إشباع الغريزة والسير وراء الشهوة، في حين أن البعض الآخر اعتبر أنه يشكّل متنفساً للحرية.
ولكن ماذا لو طبقنا بالفعل قاعدة أصدقاء مع فوائد في حياتنا الواقعية؟
مفهوم Friends with benefits
يعتبر الجنس ركناً أساسياً من أركان العلاقة العاطفية كما أن التشارك في لحظاتٍ مسلّية مع شخصٍ نجده جذاباً هو جزءٌ ممتع من التجربة الإنسانية، ولكن ماذا لو لم نجد هذا الشخص الممّيز حتى هذه اللحظة، وماذا لو لم يكن هدفنا في الأصل الانخراط في علاقةٍ جدية في الوقت الحالي؟ ماذا لو لم نكن في مزاجٍ يسمح لنا بتحمّل أوزار العلاقات الرومانسية؟ هل يعني ذلك أنه محكوم علينا أن نعيش الوحدة ونشبع لذّتنا بطريقةٍ فردية؟
هذه الاعتبارات غير موجودة على الإطلاق في حسابات الأشخاص الذين يطبّقون مبدأ "أصدقاء مع فوائد"، إذ أن هذا النوع من الارتباط يسمح للمرء بأن يحظى بهامشٍ من الحرية والتفلّت من القيود الاجتماعية والالتزامات التي قد تكون مرهقة في بعض الأحيان.
وبالرغم من انتشاره في العالم الغربي خاصة بين جيل الشباب، فإن مصطلح "أصدقاء مع فوائد" قد يكون غريباً على مسامع بعض الأشخاص في وطننا العربي، وهو يعني أن تكون هناك حالة من الإرتباط الأفلاطوني بين شخصين يقومان بممارسة الجنس مع بعضهما البعض، دون أن يكون هناك قصة حب أو مواعيد أو التزامات بينهما.
ولعلّ التعريف الأكثر شعبيةً لمصطلح "أصدقاء مع فوائد" هو الذي ورد على موقع Urban Dictionary، وجاء فيه:"صديقان مقربان يعتقدان أنه سيكون من الممتع ممارسة الجنس مع بعضهما البعض مراراً وتكراراً، لحين أن يقع أحدهما في الحب ويتحطم قلبه، عندما يكتشف أن الآخر لا يرغب في خوض غمار علاقة جدية معه".
هذا التعريف يأتي ليؤكّد ضمنياً أنه في معظم الأحيان عند ممارسة الجنس بين الصديقين تلعب الهرمونات دوراً لجهة تعزيز الشعور بالارتباط مع الطرف الآخر، مما يرجح فرضية أن يتطور شعور أحد الطرفين ويتطلع إلى ما هو أبعد من الجنس.
عيش اللحظة
على غرار ما يحصل في العلاقات العاطفية، فإن الأشخاص الذين اختاروا تطبيق مبدا أصدقاء مع منافع، قد يعانون بدورهم من المشاكل نفسها التي يعاني منها العشاق: إشتعال نار الغيرة، توقعات غير متطابقة، دوافع ونوايا غير معلنة... وبالرغم من المطبات الكثيرة التي قد تعترض طريقهم، إلا أن البعض يقرر خوض هذه المغامرة حتى النهاية بهدف عيش اللحظة الآنية والاستسلام للحب غير المشروط.
"أصدقاء مع فوائد" يعني أن يكون هناك ارتباط أفلاطوني بين شخصين يقومان بممارسة الجنس مع بعضهما البعض، دون أن يكون هناك قصة حب أو مواعيد أو التزامات بينهما
ففي أغلب الأحيان يُنظر إلى علاقة أصدقاء مع فوائد على أنها الحلّ المثالي للشخص الذي يريد إطلاق العنان لمشاعره وأحاسيسه، وممارسة الجنس مع شخصٍ يثق به ويثير إعجابه، إنما لا يريد في المقابل تقييد نفسه بأي التزام، إذ أن كل ما يريده هو عيش اللحظة الحالية من دون التفكير في الماضي أو التخطيط للمستقبل.
هذا هو حال زينا (اسم مستعار) وهي شابة لبنانية تبلغ من العمر 37 عاماً، عاشت تجربة "أصدقاء مع فوائد" قبل حوالي 5 سنوات.
تكشف هذه الشابة، التي تعمل في مجال الرقص المعاصر، أنها تعرفت على حبيب (اسم مستعار) في العمل، ومنذ اللحظة الأولى كان هناك أعجاب متبادل بينهما: "من أول ما تعرّفنا على بعض لاحظنا أنو في اعجاب بيناتنا وكنّا نفهم دغري على بعضنا"، وفق ما تؤكده لرصيف22.
ومع الوقت بدأ الاعجاب بينها وبين حبيب يزداد وتزداد معه لذة اللقاء حيث كانا يجتمعان على طاولة العشاء أو في إحدى الحانات الشعبية، لحين أن اقترب منها في إحدى المرات وقبّلها بشغف، وحينها بدأت العلاقة بينهما تأخذ طابعاً مختلفاً، أعمق من أي علاقة يمكن أن يتصوّرها المرء، على حدّ وصفها: "مع إنو كان كل واحد منّا مرتبط بس حسّينا إنو في شي ناقص بالعلاقات يلي كنا عايشينها...وقتا كنّا نلتقي سوا كنّا ننسى كل شي موجود برا، علاقاتنا، المجتمع، كنّا ننسى الوقت والمكان ونعيش بس اللحظة".
بنبرةٍ مفعمة بالحب، تروي زينا لرصيف22، عن لحظات اللذة التي كانت تعيشها في أحضان حبيب، واللقاءات البعيدة كل البعد عن هاجس التخطيط والحسابات المسبقة: "ما كان في قيود، شو ما كان يجي عراسنا منعملو من دون ما نحسب حساب لأي cadre (إطار) اجتماعي، وهالشي خلّانا نكتشف أكتر نفسنا، ونفهم شو يلي بدنا ياه".
تعتبر زينا أن هذا النوع من العلاقات جعلها تتعرّى من ذاتها من دون أن تشعر بالخجل من أي شيء، حتى حين مارست الجنس لأول مرة مع حبيب: "حسيت حالي حرّة، ما في حدا عم يحكم على التاني، واللذة بتكون لما نعيش كل مرة مغامرة جديدة ونكتشف إنو يلي عم بصير بيناتنا شي كتير حقيقي و pure (نقي) لأنو ما في أجمل من إنو الواحد يحسّ إنو في شخص تاني بحبو من دون ولا شي".
حرية أم مجرّد قناع لممارسة الجنس؟
بالرغم من التحرر الذي قد يشعر به المرء والمتعة غير المشروطة التي ينغمس فيها بعد انخراطه في علاقةٍ جنسية تجمعه بصديقٍ يثير أعجابه، دون أن يكون ملتزماً بأي شيءٍ تجاهه، إلا أن تطبيق مفهوم أصدقاء مع فوائد يثير مجموعة من التحديات بين الطرفين، بخاصة وأن حدود هذه العلاقة تكون في معظم الأحيان ضبابية وغير واضحة تماماً: ماذا لو أقدم أحد الطرفين على توسيع شبكة علاقاته العاطفية والجنسية؟ ماذا يحصل لو قرر أحدهما فضَّ هذا الاتفاق والانخراط في علاقةٍ عاطفية جدية مع أحدهم؟ ماذا لو حدث تطور في المشاعر وتحولت الصداقة إلى علاقة حب من طرف واحد؟
في أغلب الأحيان يُنظر إلى علاقة أصدقاء مع فوائد على أنها الحلّ المثالي للشخص الذي يريد إطلاق العنان لمشاعره وممارسة الجنس مع شخصٍ يثق به ويثير إعجابه، إنما لا يريد في المقابل تقييد نفسه بأي التزام، إذ أن كل ما يريده هو عيش اللحظة الحالية من دون التفكير في الماضي أو التخطيط للمستقبل
مثل هذه الهواجس لم تثنِ زينا عن المضي قدماً في هذه المغامرة المفعمة بالحرية والمليئة بالشغف وبالأحاسيس المشتعلة، معتبرةً أن لذة هذا النوع من العلاقات تكمن في مصيرها المجهول وبفقدان السيطرة على كل شيء، حتى على أنفسنا: "عندما نفقد السيطرة على أنفسنا وعلى غريزتنا وتصرفاتنا، نتحرر من قيودنا وتصبح العلاقة الجنسية أقوى وألذّ"، على حدّ قولها.
وعن إمكانية تحول هذه العلاقة إلى علاقة حب كلاسيكية، تعبر زينا عن خشيتها من أن تخسر هذه اللحظات الساحرة: "بحس معو إني بعالم من الخيال، ما بدي أخسر ابداً هالشي الحلو يلي عم عيشو".
هذا وقد أكّدت هذه الشابة أن الاتفاق الضمني الوحيد الذي كان بينها وبين حبيب هو أن يكون كل شخص على طبيعته ويتصرف بالطريقة التي تناسبه، بشرط الحفاظ على ديناميكية العلاقة بينهما: "لقيت شخص بيفهم عليي وعم نعيش سوى لحظات جميلة مننسى خلالها كل الدني...شو يلّي بيمنع إنو نبقى هيك كل حياتنا؟".
على غرار زينا وحبيب، يمكن القول إن البعض قد قرّر الخروج من المفهوم الضيّق والكلاسيكي للعلاقات الإنسانية، والبحث عن معنى وجوده خارج المفاهيم الاجتماعية السائدة، من خلال الإبحار في عالمٍ مليء بالسحر والشغف والفانتازم، يجمع ما بين الصداقة الحقيقية والحب المشتعل.
وبالرغم من أن الإشباع الجنسي يعتبر أمراً ضرورياً في هذا النوع من العلاقات، غير أن نجاح علاقة أصدقاء مع فوائد لا تعتمد فقط على المتعة الجنسية بين الطرفين، بحسب ما أكّدته دراسةُ أجرتها جامعة دنفر في العام 2017 والتي تبيّن من خلالها أن المفتاح الحقيقي لنجاح هذا النوع من العلاقات يرتكز على التضحية وتقديم التنازلات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...