شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ما بين

ما بين "الله يفرّح أهلك فيكِ" وقناعتي بأن الزواج ليس إنجازاً للمرأة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 6 مايو 201910:24 ص

بعد مدّةٍ قليلةٍ سيصبح عمري ربع قرن، وبالنسبة لعائلتي ومحيطي، أمر كارثي أن تصل فتاة إلى هذا العمر وهي تطرد من رأسها فكرة الزواج، وتجد نفسها لا تزال صغيرةً على تحمّل مسؤوليّة منزلٍ، في مجتمعٍ يرمي على المرأة ثِقَلَ الولادة، التربية، تنظيف المنزل، الطهي، صنع الحُبّ في هندامها وبيتها، بالإضافة إلى بَذْلِ جهدٍ كبيرٍ لردِّ الرّجل عن التفكير بامرأةٍ أخرى، تسدّ فراغاً ما في ميوله.

هذه الفكرة تؤرّقني، وأنا أجد نفسي في هذا العمر، لم أعمل شيئاً يستحقُّ الذكر كما يجب، لم أُغيّر رأي شخصٍ في حياته، ولم أترك أثراً كافياً ليُقال أنني مررت من هنا، من مكان ما، لا يهمّ إن كان مثاليّاً أو لم يكن، ولا أظنني قادرة على أن أجد نفسي أمّاً لرجلٍ وأطفاله في آنٍ واحد، خاصّة وأنني شغوفة بأن أصير أمّاً يوماً ما، لي طفل أو اثنان أو أكثر، أستطيع احتضانهم كلّ ليلةٍ، وأنا أسرد عليهم قصصاً كثيرة كتبتها أو قرأتها، وأخرى في مخيّلتي تخلقها الأحداث من حولي، أن أستطيع الوقوف أمامهم بهدوء وهم يهمسون لي بأخطائهم التي ارتكبوها في مراهقتهم، دون أن أشعر بالعار الذي يمسّ الأهل في هذا الوقت، وأن أهرب من فراش أبيهم لأنام بجانبهم، أو يفعل هو ذلك، كلّما شعرنا أنّهم يظنّون أنفسهم وحيدين في هذا العالم المليء بالتغيّرات، ولا أجدني تقليديّةً لو قلت أنّ واحداً من أهمِّ أحلامي هو أن ألدَ طفلاً وأهتمّ به ليكبر على الحبِّ، شغوفاً بالحياة، ربما هي غريزة الأمومة التي تولد معنا منذ الصغر، وتظلّ تكبرُ فينا بشكلٍ عاطفي وهادئ، أو جنوني بعض الشيء، لكنّ هذه العاطفة عليها أن تنضج أوّلاً معي، كي أستطيع أن أوجّهها بوعي تام في الوقت المناسب.

في هذا الصيف مثلاً، لدي الكثير من حفلات الزفاف التي سألبس فيها فساتين أنيقة وكعباً عالياً، وأنا أضع مكياجاً خفيفاً لا يشدّ وجهي فيمنعني من الابتسام، سأرقص فرحاً لهنّ دون أن أفكّر أنني شارفت على الوصول إلى سنّ "العنوسة" حسب مقاييس المجتمع، بل سأتمنّى لهنّ حياةً هادئةً وفرحاً أبدياً بجانب الرجال الذين اختاروهنّ بقلوبهنّ أو عقولهنّ، ولن أعود من زفافهنّ وأنا أبحث مع نفسي إن كان علي إعادة التفكير بكلّ هذا والارتباط قريباً، بل سأنام غالباً متعبة من الكعب العالي الذي ارتديته، ومن الرقص الذي يستهلك مني عادةً طاقةً أكبر، حين تكون العروس واحدة من صديقاتي المقرّبات.

هذه الفكرة تؤرّقني، وأنا أجد نفسي في هذا العمر، لم أعمل شيئاً يستحقُّ الذكر كما يجب، لم أُغيّر رأي شخصٍ في حياته، ولم أترك أثراً كافياً ليُقال أنني مررت من هنا، من مكان ما، ولا أظنني قادرة على أن أجد نفسي أمّاً لرجلٍ وأطفاله في آنٍ واحد.

لا أجدني تقليديّةً لو قلت أنّ أحد أحلامي هو أن ألدَ طفلاً، ربما هي غريزة الأمومة التي تولد معنا منذ الصغر، وتظلّ تكبرُ فينا بشكلٍ عاطفي، لكنّ هذه العاطفة عليها أن تنضج أوّلاً معي، كي أستطيع أن أوجّهها بوعي تام في الوقت المناسب.


مع ذلك، أتعامل مع دعوات النسوة لي بطيب نيّة، ولا أحاول أن أبيّن ردّات فعلٍ أعكس من خلالها مدى استيائي مما تتلقّفني به ألسنتهنّ، في الكثير من المناسبات الاجتماعيّة الملغومة بالمجاملات، مثلاً: "الله يبعتلك ابن الحلال!"

لكنّني مع كلّ هذا أتعامل مع دعوات النسوة لي من الأقارب والجارات والغريبات بطيب نيّة، ولا أحاول أن أبيّن ردّات فعلٍ أعكس من خلالها مدى استيائي مما تتلقّفني به ألسنتهنّ، في الكثير من المناسبات الاجتماعيّة الملغومة بالمجاملات، مثلاً: "الله يبعتلك ابن الحلال"، "الله يسترك"، "الله يفرّح أهلك فيكي"...إلخ، لأنني أعلمُ أنهن كُنّ يردن أن يقلن لي: "تبدين جميلة"، وهذا إطراء علي الاعتراف به، لكن تكملة المعنى حقيقة هو: "أنت جميلة، كيف لم تتزوّجي حتى اليوم؟"، وأفهم أن هذه هي ثقافة مجتمعي ومن يحيطون بي، ولا أنبذها أبداً، لأن طيبة قلوبهم تجعلني أردّ بابتسامةٍ ومجاملةٍ بسيطة لن تسرق من عمري شيئاً، ثم من قال أن الجميلات هن من يتزوّجن فقط، ألم يقل مجتمعنا المتناقض ذاته عن الجميلة التي يطلبها الكثيرون فترفض أن ترتبط بواحدٍ منهم، أنها لن تتزوّج أبداً، أو كما يقول المثل: "من كثر خطّابها بارت"*، وهذا التناقض قد يختفي مع الوقت، حين يُصبح لكلِّ امرئ حرية الاختيار، وأقصد هنا أن يختار طريقه بما سيمرّ فيها من خطأ أو صواب، انهياراته وصلابته، خوفه وأمانه، قوّته وضعفه، أحلامه وكوابيسه وتمايل حياته بين قلبه وعقله.

بعد مُدّة قصيرة سأبلغ ربع قرن، وأنا لم ألِد حتّى الآن كتاباً يبعثر قلب أحدِهم فيعود إلى غلافِه ليقول في نفسه: ماذا شعرت هذه "الداهية" قبل أن تكتب لنا ما خطّت أناملها، بينما تسري فيه رعشَة نتج عنها خطأ لغوي فاضح أو سال الحبر إلى الأسفل قليلاً إثر دمعة، فكيف سألد طفلاً!

*مثل شعبي فلسطيني يُقصد به، أن الفتاة التي يطلبها الكثير من الرجال للزواج وتواصل الرفض، لن تتزوّج أبداً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image