مرة أخرى، يبتكر اللبنانيون وسيلة جديدة لممارسة حق الاحتجاج السلمي ودعم استمرار انتفاضتهم الشعبية حتى تنفيذ جميع مطالبهم.
هذه المرة لجأ الذين تعذر عليهم النزول إلى ساحة تقاطع إيليا في مدينة صيدا إلى "قرع الطناجر" تعبيراً عن الفقر والجوع وليُسمع صوت وجعهم عالياً.
في توقيت واحد، الثامنة مساء 4 تشرين الثاني/نوفمبر، خرج العديد من مواطني صيدا إلى الشرفات وقرعوا الطناجر. كذلك سُمع صوت القرع من داخل المباني المختلفة، محاكاةً لإطلاق أبواق السيارات من قبل دعماً للمسيرات والوقفات الاحتجاجية.
حتى أن بعض الذين نزلوا إلى الشارع حملوا طناجرهم وقرعوا عليها، وأرفقوها بهتاف الثورة اللبنانية الأبرز "كلن يعني كلن" مصاحبةً "كلن فقرونا… كلن نهبونا".
تهويل بـ"الصدفة"
الطريقة الشعبية السلمية البسيطة، وكما جرت العادة منذ بداية الانتفاضة اللبنانية، لم تسلم من تأويلات "نظريات المؤامرة"، إذ علق الإعلامي ومدير مركز الإرتكاز سالم زهران عليها عبر حسابه في تويتر بالقول: "منذ 7 سنوات طلب شيخ ‘الفورة‘ في سوريا (عدنان) العرعور أتباعه بقرع الطناجر ليسقط النظام... واليوم للصدفة قرع طناجر في لبنان!!".
قرع الطناجر في صيدا ومحيطها pic.twitter.com/AYQFmfmWRK
— Habib. Bazih (@BazihHabib) November 4, 2019
ثم أردف متمنياً "ألا يحصل في لبنان ما حصل في سوريا".
منذ 7 سنوات طلب شيخ "الفورة" في سوريا #العرعور أتباعه بقرع الطناجر ليسقط النظام..
— سالم زهران (@salemzahran05) November 4, 2019
واليوم للصدفة قرع طناجر في لبنان!!
نأمل ان لا يحصل في لبنان ما حصل في سوريا..??
#لا_لقطع_الطرقات
ملاحظة:القرع ظاهرة قديمة جدا،ولكن نأمل ما حصل في سوريا ان لا يحصل في لبنان pic.twitter.com/zesBC95O3t
وبرغم أن زهران اعترف في تغريدته بأن قرع الطناجر "ظاهرة قديمة جداً"، لم تكن انطلاقتها في سوريا، رآها "فأل شؤم" على البلد. ورد عليه لبنانيون كثر مؤكدين أنهم ملتزمون السلمية في حراكهم وأن محاولات تخويف الناس من مصائر بلدان أخرى لن تجدي نفعاً.
صيدا تتضامن مع الثورة بطريقتها.
— الثورة اللبنانية (@lebaneserevol) November 4, 2019
قرع الطناجر اعلاناً ببدأ بمرحلة جديدة من الثورة. #صيدا #لبنان_ينتفض pic.twitter.com/qoclCiuiUW
طقس شعبي عالمي
معلوم أن قرع الأواني أو الطناجر طقس شعبي عالمي للاحتجاج السلمي، تختلف الروايات بشأن نشأته.
ينسبه البعض إلى شيلي عام 1971 خلال حكم سلفادور أليندي، بعدها بات شائعاً مع تولي الديكتاتور أوغستو بينوشيه، وآخرون يقولون إنه انطلق في الجزائر خلال الثورة ضد المستعمر الفرنسي، وفريق ثالث يرده إلى أعوام ما قبل الميلاد.
وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية قد علقت على طقس "قرع المهارس"، أي قرع الأواني، في الجزائر واعتماده خلال الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 شباط/فبراير الماضي، مذكرةً بأنه كان "سلاح التعبئة" ضد الاستعمار الفرنسي عام 1960.
لكن الثابت أنه أكثر انتشاراً في أمريكا الجنوبية، خاصةً فنزويلا والأرجنتين وشيلي وكولومبيا وأوروغواي والإكوادور وكوبا وبيرو والبرازيل.
انتقل في السنوات الماضية إلى فرنسا وكندا (تحديداً في مقاطعة كيبك خلال تظاهرات طلابية عام 2012) وتركيا وعدد من البلدان العربية.
ويمتاز هذا الشكل الاحتجاجي بأنه يمكن حتى أولئك الذين يخشون الخروج إلى الساحات أو لا يستطيعون ذلك، من التعبير عن موقفهم من المنازل.
فلسطين
يعد قرع الطناجر أكثر شيوعاً في فلسطين، فمنذ العام 2010، باتت "مسيرات الطناجر" وسيلة الفلسطينيين لرفع صوتهم إلى الحكومات المختلفة، وربما العالم.
مسيرة " قرع الطناجر " في مدينة رام الله مساء اليوم تضامناً مع الأسير الصحفي المضرب عن الطعام محمد القيق. pic.twitter.com/zf0kfPwQGG
— وكالة شهاب (@ShehabAgency) February 8, 2016
وفي عام 2012، خرجت مسيرة "قرع الطناجر" في الضفة الغربية اعتراضاً على الغلاء وارتفاع الضرائب، تلتها عدة مسيرات في مدينة نابلس في عامي 2013 و2015. وقد شاءها المشاركون رمزاً إلى الفقر والجوع والبطالة.
في نيسان/أبريل 2017، انطلقت مسيرة "قرع الطبول" في فلسطين أيضاً، تحديداً في رام الله تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين الذين كانوا في إضراب مفتوح عن الطعام على مدى أكثر من أسبوع، داعين إلى مقاطعة بضائع الاحتلال. ورمز ضرب الطناجر حينذاك إلى شعورهم بالجوع الذي يعيشه الأسرى.
كذلك قرعت في مخيم جباليا (شمال شرقي غزة) احتجاجاً على أزمة الكهرباء وانقطاعها المستمر.
قرع الطناجر... أسلوب جديد لجأ إليه اللبنانيون للاحتجاج السلمي، فلم يسلم من الحديث عن "مؤامرة" وراءه ربطته بـ"العرعور" في سوريا، فما أصل هذا الأسلوب وكيف بدأ؟
اعتمد اللبنانيون قرع الطناجر كوسيلة للتعبير السلمي، وسبقهم إلى ذلك كثر في فلسطين والمغرب وتركيا ودول أخرى في العالم... فكيف تحوّل هذا التقليد إلى وسيلة احتجاجية ومن أين بدأ؟
المغرب
في عام 2017، في خضم حراك الريف المغربي، بمدينة الحسيمة تحديداً، قرعت الأواني ربع ساعة، احتجاجاً على ما وصفه ناشطون بـ"الانزال الأمني المكثف" و"عسكرة الريف" و"سياسات الحصار" والتضييق عليهم.
وعرف هذا الطقس في المغرب باسم "الطنطنة" (مشتقة من كلمة طنين).
#كلنا_ناصر_الزفزافي انطلاق #الطنطنة فوق سطوح المنازل ب #الحسيمة #الريف 27/06/2017 الاحرار الان من سطوح منازلهم طنطنة وشعارات وزغاريد #Hirak pic.twitter.com/pMuP45Aony
— ❤ZafzafiNasser❤️ (@ZafzafiNaser) June 27, 2017
تركيا
قرع الطناجر احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية معروف أيضاً في تركيا. فبعد أن اعتُمد أسلوباً للتعبير عن الغضب من سياسات رئيس الوزراء في عام 2013 والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، تكرر استخدامه في السنوات اللاحقة.
وفي عام 2017، قرع الأتراك الطناجر اعتراضاً على نتائج استفتاء شعبي يمنح الرئيس أردوغان صلاحيات غير مسبوقة.
وفي أيار/مايو الماضي، تظاهر المئات من سكان إسطنبول ضد أمر السلطات بإلغاء انتخابات جرت في آذار/مارس، بعدما فاز فيها مرشح المعارضة. المتظاهرون قرعوا الطناحر من نوافذهم تعبيراً عن استيائهم من إعادة الانتخابات.
احتجاجات من الشرفات وفي الشوارع على قرار إلغاء نتائج الانتخابات المحلية التي خسرها الحزب الحاكم - حزب العدالة والتنمية وإعلان إعادة الانتخابات مجدداً. قرع على الطناجر والقلايات وزمامير وتصفير بعد ساعات قليلة فقط من الإعلان. pic.twitter.com/sZyU5i2mlL
— Shaden شادن (@Shad84) May 6, 2019
الطناجر تقرع في العالم كله
ومطلع العام الجاري، خرج آلاف المواطنين في فنزويلا إلى شوارع العاصمة كراكاس اعتراضاً على سياسات الرئيس نيكولاس مادورو، قارعين الأواني ومطلقين أبواق السيارات.
وقبل نحو أسبوعين، قرع المواطنون في بوليفيا الأواني تنديداً بإعلان فوز الرئيس إيفو موراليس، مؤكدين حدوث تزوير في الانتخابات.
وفي تموز/يوليو الماضي، قرع الآلاف في إقليم بورتوريكو الأمريكي الطناجر مطالبين باستقالة حاكم الإقليم ريكاردو روسيلو بسبب فساد حكومي ورسائل مسيئة. ورضخ روسيلو لمطالبهم بعد نحو أسبوعين من الاحتجاجات المستمرة.
تكرر القرع على الأواني أيضاً في إسبانيا احتجاجاً، لا سيما في كتالونيا، وكان آخر اعتراض بهذه الوسيلة لدى زيارة الملك فيليبي السادس والعائلة المالكة إلى برشلونة قبل يومين. وسبق أن قرع الكتالونيون الأواني مراراً خلال السنوات الماضية، مطالبين بالانفصال عن إسبانيا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...