زعم مندوب حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف الفرنسي) في إقليم لامايين الفرنسي في تغريدة له في تويتر أن 80٪ من سائقي التاكسي في باريس مسلمون. هذا الادعاء ردت عليه صحيفة "لوموند" في مقال، مشيرةً إلى أنه "رقم كاذب" وأن المندوب اليميني حاول تبرير رقمه المزعوم بالاستناد إلى أرقام أخرى مخطئة، مؤكدة أن "الإحصاءات الإثنية في فرنسا ممنوعة”.
فلنا أن نتساءل من أين أتى هذا المسؤول اليميني بذاك الرقم؟
الرقم الذي أورده ممثل حزب التجمع الوطني المتطرف جان ميشيل كادنا في تغريدته يعود مصدره إلى مقال نشرته مواقع اليمين المتطرف في النمسا في آب/أغسطس.
كذب وتحريض
كادنا كتب في تغريدته: "80٪ من سائقي التاكسي في باريس هم مسلمون، يرفضون نقل المكفوفين مع كلابهم لأن هذه الحيوانات ‘نجسة‘. القانون الإسلامي فوق القانون الفرنسي. تحيا التعددية ويحيا جبن سياساتنا العديمة السند".
وتعليقاً على ادعاء كادنا، ذكرت "لوموند" أن "مواقع نمساوية لليمين المتطرف نشرت في وقت سابق ادعاء بأن "سائقي التاكسي المسلمين يرفضون نقل الكلاب في سياراتهم، فدفع ذلك بجمعية للمكفوفين إلى الاحتجاج".
ونشر هذا الادعاء في 8 آب/أغسطس مستنداً إلى ما قال الموقع إنه تجربة سيدة كفيفة رفض السائق نقلها مع كلبها، وإن شركة سيارات أجرة نمساوية تحدثت عن رفض بعض سائقيها نقل الكلاب "لدواعٍ عقائدية".
وجاء في المقال المنشور في الموقع النمساوي: "هذه حقيقة… 80٪ من السائقين ينحدرون من المهاجرين، المسلمون يعتبرون الكلاب نجسة"، ولفتت لوموند إلى أن الموقع النمساوي لم يذكر أي مصدر لهذا الرقم.
أما في فرنسا حيث نقل كادنا عن الموقع النمساوي هذا الرقم المزعوم، فيمنع القانون إجراء إحصاءات إثنية وفق قانون صادر في 6 كانون الثاني/يناير عام 1978 وينص على أنه "يمنع جمع وتحليل البيانات ذات الطابع الشخصي التي تشير بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الأصول العرقية أو الإثنية أو التوجهات السياسية أو الفلسفية أو الدينية أو الانتماء النقابي للأفراد أو المعطيات ذات العلاقة بالحياة الجنسية للأشخاص".
وتوضح الصحيفة الفرنسية أنها حين اتصلت بكادنا لمعرفة مرجع الرقم الذي يدعيه، أخبرها بأنه يستند إلى قائمة بأسماء سائقي تاكسي المتعاقدين مع شركات نقل وهي قائمة متوفرة على الإنترنت.
وأضافت الصحيفة أن كادنا ممثل حزب مارين لوبان استنتج ديانة السائقين من خلال أسماء بعضهم على قوائم متعاقدين مع شركات نقل خاصة، معتبرةً أنه "استنتاج من الريح"، مشددةً على أنه "من المحال معرفة ديانة السائق في غياب إحصاءات إثنية هي ممنوعة أصلاً في فرنسا".
عن أعداد المسلمين وصورتهم النمطية
يحيلنا ما سبق للتطرق إلى بعض التناقضات بشأن تحديد أعداد الجاليات الدينية في فرنسا. من أين تأتي إذن إحصاءات صادرة عن مراصد دينية تشير إلى ارتفاع أعداد المسلمين في فرنسا إذا كان الإحصاء على أساس الانتماء الديني ممنوعاً؟ ما هو مصدرها؟ ثم أليست هذه الصور النمطية عن المسلمين والتخمين بأن الشخص مسلم من خلال اسمه "علي أو منذر أو مروان" أمراً مضحكاً وغير جاد لا سيما أن بعض هذه الأسماء -التي توحي أنها لمسلمين- نجدها في مجموعات أخرى ليست مسلمة؟
سبق أن كذبت فرانس برس، في العام 2018، ادعاءات اليمين المتطرف بأن هناك قرابة 20 مليون مسلم في فرنسا، مؤكدةً أن العدد يراوح بين 5 و 6 ملايين "في أحسن التقديرات"، وينحدر 70% من مسلمي فرنسا من دول المغرب العربي. ويعد الإسلام ثاني أكثر الأديان رواجاً في فرنسا، التي تحتضن العدد الأكبر من المسلمين في أوروبا بحسب فرانس برس.
مندوب لحزب التجمع الوطني الفرنسي (اليمين المتطرف) يزعم أن "80% من سائقي التاكسي في باريس مسلمون ويرفضون نقل المكفوفين مع كلابهم لأن هذه الحيوانات ‘نجسة”. صحيفة لوموند دحضت هذه المزاعم مستندة إلى غياب إحصائيات بشأن عدد المسلمين في فرنسا… أين تقف الحقيقة وأين تبدأ الخرافة بشأن مسلمي فرنسا؟
والتناقض بين منع إحصاء الأشخاص بحسب دياناتهم وطرح أرقام من مصادر متنوعة بشأن أعداد المسلمين ليس التناقض الوحيد، فلطالما كانت هناك صور نمطية عدة تلاحق المسلمين بسبب شكلهم، وما يرتدونه، وعاداتهم التي تختلف أصلاً بين قطر مسلم وقطر مسلم آخر.
فرنسا حيث سقف الحريات الشخصية أعلى من دول كثيرة هي كذلك أول دولة تحظر النقاب في الأماكن العامة بموجب قانون طُبق في العام 2011، إذ لا تُغرّم المرأة التي ترتديه فقط، بل يُغرّم من يجبرها على ارتدائه بـ43 ألف دولار أمريكي أو يُسجن.
البوركيني والحجاب الرياضي
وشهد مطلع العام 2016 ضجة واسعة في فرنسا حول "إتاحة الحريات للجميع" بعد حظر مدن ساحلية عدة ارتداء "البوركيني" أو ثوب السباحة "الإسلامي"، قبل أن تقرر المحكمة العليا في البلاد تعليق العمل بالقرار.
ونهاية شباط/فبراير الماضي، تراجعت شركة ديكاتلان الفرنسية المختصة في بيع الملابس الرياضية عن تسويق "حجاب رياضي” مخصص للمحجبات للركض بعد تلقيها "رسائل تهديد" عدة.
واتهم المهددون الشركة بالمساعدة على "الغزو الإسلامي لفرنسا" و"نشر الأفكار القامعة للمرأة" و"الترويج للمبادئ الإسلامية"، ملوحين بمهاجمة ممثليها في المتاجر المختلفة لدى ترويج المنتج، فدفع ذلك بالشركة إلى التراجع.
كما شكت سيدتان فرنسيتان منعهما من المشاركة في سوق للسلع المستعملة أقيم في إحدى ضواحي مدينة ليل (شمال فرنسا) في نيسان/أبريل الماضي، بسبب ارتدائهما الحجاب، وهو تمييز على أساس اللباس تكرر في فرنسا في مناسبات مختلفة.
وقبل يومين، أثير في فرنسا جدل واسع داخل البرلمان بشأن "تعريف الإسلاموفوبيا" (رهاب الإسلام) فانقسمت البلاد فريقين، أولهما يراه "من حق أي شخص" وثانيهما يعتبره "مدعاة لكراهية الإنسان".
الجدير بالذكر أن مركز بيو للأبحاث توقع، عام 2017، أن يصبح الإسلام أكثر الأديان انتشاراً في العام عام 2070، متكهناً أن تصل أعداد المسلمين في فرنسا وحدها (من 12 إلى 18% من إجمالي السكان) عام 2050.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...