هو واحد من أجمل القصور المصرية، إن لم يكن أجملها على الإطلاق، يحتوي على 500 غرفة، وبضعة متاحف تحوي مئات الكنوز المهمة. نتحدث عن قصر عابدين، الذي اتفق العديد من المتخصصين على أنه "جوهرة المتاحف الملكية" في مصر.
يقع قصر عابدين على بعد أمتار من محطة محمد نجيب للمترو. أقيم على مساحة 15 فداناً، وتبلغ مساحة حديقته 19 فداناً، لكن اللافت وجود هذا القصر الراقي وسط مبانٍ شعبية، لأن منطقة عابدين واحدة من المناطق الشعبية في العاصمة المصرية لكنها منطقة آمنة بشكل جيد.
بوابة القصر أشبه بفتحة للسفر عبر الزمن من خلالها يتنقل الزائر عبر فترات مهمة من تاريخ مصر، من عهد أسرة محمد علي وحتى ثورة تموز/يوليو 1952. بداية قصة قصر عابدين تعود إلى العام 1863، وهو تاريخ إنشاء القصر، حين أمر الخديوي إسماعيل ببنائه فور توليه حكم مصر، وقد سكنه لاحقاً كما سكنه ابنه الخديوي محمد توفيق ثم الخديوي عباس حلمي الثاني ثم السلطان حسين كمال ثم الملك فؤاد.
لكن قبل تشييد هذا القصر كان يقع في المكان نفسه قصر آخر صغير يملكه أحد القادة العسكريين، ويدعى "عابدين بك"، وبعد وفاته اشترى الخديوي إسماعيل القصر والأرض المحيطة به، وقرر هدمه لتشييد "قصر عابدين" حتى يتخذه رسمياً مقراً للحكم، منذ افتتاحه عام 1872 حتى عام 1952، ولهذا السبب سمي القصر بقصر عابدين، وليس قصر الخديوي إسماعيل برغم أنه هو من بناه.
بحسب ولاء الدين بدوي، الأكاديمي المتخصص في القصور الملكية ومتاحفها في مصر، فإن قصر عابدين هو البداية الحقيقية لظهور القاهرة بشكلها الحديث، إذ إن بناءه تبعه ظهور النهضة المعمارية في مصر بشكل عام، وفي القاهرة بشكل خاص، مضيفاً لرصيف22 أن القصر كان خطوة أولى قادها الخديوي إسماعيل في تخطيط القاهرة على الأسلوب الأوروبي.
يتابع بدوي أن رغبة الخديوي إسماعيل في إعادة بناء القاهرة على الطريقة الحديثة جعلته يلجأ إلى المهندس الفرنسي دى كوريل روسو، ويطلب منه وضع تصميمات القصر الذي استغرق بناءه نحو 10 أعوام، مضيفاً أن تكلفة القصر وصلت إلى نحو 40 ألف دولار، وهو مبلغ ضخم جداً وقتذاك، في حين بلغت تكلفة تأثيث القصر 120 ألف دولار وهو رقم كبير جداً يبيّن عظمة هذا القصر.
أسوار وبوابات
قصر عابدين محاط بأسوار وبوابات حديدية عملاقة، وبحدائق جميلة، ويطل على ميدان واسع هو ميدان عابدين الشهير. البداية من شارع "باب باريس"، الذي يحتوي على مدخل الزوار وهو بوابة جميلة مصنوعة بدقة شديدة، تحوي نقوشاً بديعة، وقد أمر الخديوي إسماعيل بصنعها خصيصاً للقصر في العاصمة الفرنسية باريس، ومن هنا جاء اسم البوابة.
بعد المرور من "بوابة باريس” نجد بهواً كبيراً، تتوسطه نافورة مياه محاطة بتماثيل لملوك من أبناء محمد علي باشا.
القصر أقرب لمدينة كاملة وليس مجرد مبنى، فهو يحتوي على 500 غرفة، و5 قاعات كبرى للاحتفالات، تتضمن كل منها 100 قطعة من روائع الفن العالمي، كما يحتوى على قاعات وصالونات، ومسرح يضم مئات الكراسى المذهبة، وفيه أماكن معزولة بالستائر خاصة بالسيدات، يطلق عليها "الحرملك"، والسبب في التسمية أنها منطقة محرمة على الرجال الغرباء.
يحتوي قصر عابدين على 500 غرفة و5 قاعات كبرى للاحتفالات ومسرح يضم مئات الكراسي المذهبة، إنه واحد من أجمل القصور المصرية، إن لم يكن أجملها على الإطلاق
"قصر عابدين" هو البداية الحقيقية لظهور القاهرة بشكلها الحديث، إذ إن بناءه تبعه ظهور النهضة المعمارية في مصر بشكل عام، وفي القاهرة بشكل خاص وكان خطوة أولى قادها الخديوي إسماعيل في تخطيط القاهرة على الأسلوب الأوروبي. تعالوا معنا لنأخذكم إلى أسرار هذا القصر
في القصر أجنحة فخمة عدة، منها الصالونات التي تتميز بلون جدرانها، فهناك الصالون الأبيض الموجود في غرفة ضخمة لون جدرانها أبيض، وهناك الصالون الأحمر الذي تحيط به جدران حمراء اللون، والغرفة ذات الصالون الأخضر، وجميع هذه الغرف كانت تستخدم في استقبال الوفود الرسمية.
وإلى جانب هذه الصالونات توجد في القصر مكتبة تضم أكثر من 55 ألف كتاب في مجالات مختلفة، وجميعها نادرة مكتوبة بلغات عديدة.
داخل القصر أيضاً العديد من الأجنحة الملكية، مثل الجناح البلجيكي الذي صمم لإقامة ضيوف مصر المهمين، وسمي بهذا الاسم لأن ملك بلجيكا هو أول من أقام فيه، ويضم سريراً من التحف النادرة لما يحويه من زخارف مدهشة تم نقشها يدوياً.
متاحف القصر
يحتوي قصر عابدين على العديد من المتاحف، منها المتحف الحربي، الذي يضم بضع قاعات تحتوي على مجموعات نادرة من الأسلحة، نفذها صناع مهرة من بلاد العالم الإسلامى وأوروبا، في عصور مختلفة.
هناك أيضاً متحف النياشين والأوسمة، ومتحف الفضيات، وبهما العديد من الأوسمة والنياشين الخاصة بالأسرة الملكية، وأدوات وأوانٍ من الفضة والكريستال والبلور الملون، وغيرها من التحف النادرة المصنوعة في مصر ودول أخرى.
وهناك متحف الوثائق التاريخية، الذي يحتوي على مجموعة كبيرة من الوثائق النادرة، التي تحكي قصة تطور مصر تاريخياً، منذ تولي محمد علي باشا الحكم في العام 1805، حتى نهاية حكم فاروق الأول في العام 1952.
بين متحف وآخر زُينت الحيطان في الممرات بلوحات تحمل تواقيع فنانين فرنسيين، لمشاهد حربية أو للأزياء العسكرية المصرية عبر العصور، إلى جانب صور فوتوغرافية للأسرة المالكة وصورة زفاف الملك فاروق، وهو ما يجعل حتى ممرات القصر متحفاً في ذاتها.
بإمكان زائر القصر احتساء مشروب في حديقته، مثلما فعل الملوك والأمراء والأميرات في عصور سابقة، حيث يوجد مقهى على الطراز الملكي يقدم مشروبات ساخنة وباردة بأسعار مناسبة جداً، وكأن الزائر ينهي فسحته بربط الحاضر بالماضي ليخرج “عابدين" من صمت القصور إلى ضجيج الحياة اليومية المعاصرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...