كلما ذُكر مصطلح ومفهوم "تعدّد العلاقات"، تذهب أذهاننا تلقائياً إلى صورة الرجل متعدد العلاقات أو الزوجات، إلا أن ببعض المصارحة سنجد أن التعدد ليس قاصراً على الرجال، حتى وإن كان أكثر انتشاراً بينهم، ولكن هناك من النساء من هن معدِّدات ويجمعن بين شريكين أو أكثر، في علاقات قد تكون طويلة أو قصيرة الأمد.
والعلاقات المتعدّدة، لا تعني بالضرورة الرغبة في تعدد الشركاء الجنسيين فقط، وإنما يمكن أن تكون تلك العلاقات قائمة على قواعد واتفاقيات محددة والتزامات بين أطراف العلاقة، فيمكن أن تكون رومانسية وعاطفية فقط، ويمكن أن تكون جنسية أيضاً، ورغم أنها قائمة على قواعد والتزامات، فهذا لا يضفي عليها صفة الاستمرارية للأبد، ولكنها يمكن أن تكون مؤقتة بالاتفاق بين الشركاء.
"أنا معدّدة.. ولست خائنة"
هاجر فؤاد (33 عاماً)، مصرية، خريجة هندسة زراعية ولا تعمل، تحكي قصتها: "كنت عضوة بأحد الكيانات السياسية بعد ثورة 25 يناير، وأعجبت بزميلي وأعجب بي، فارتبطنا بشكلٍ غير رسمي بهدف التعرّف على بعضنا البعض، وكنت وقتها أبلغ من العمر 25 عاماً، كنت أشعر طوال الوقت بشيء من النقصان فيما يخصُّ العاطفة، شريكي يبذل في سبيل إرضائي وسعادتي كل ما يقدر عليه، ولكنني لازلت أشعر ببعض النقص، خلال علاقتي به تعرّفت على أحد الأصدقاء من خلال شبكة التواصل الاجتماعي، وبدأت لقاءاتنا تتعدد، ولم يكن يعلم أني في علاقةٍ عاطفية بالفعل، ومع الوقت شعرنا بالانجذاب العاطفي، أصبحتُ متورّطة في علاقتين عاطفيتين في نفس الوقت".
تتابع في تصريحات لرصيف22: "كانت تلك أسعد لحظات حياتي، وأكثرها استقراراً من الناحية العاطفية، هي الفترة التي جمعت فيها بين علاقتين".
تكمل فؤاد: "لم يُكتب لتلك العلاقة النجاح، فقد اكتشف حبيباي الأمر وتركاني، ولكنَّني شعرت أنَّ هناك شيئاً ما خاطئ، كيف أشعر بهذا الكمال وهذه السعادة، وأنا أرتكب فعلاً خاطئاً ويُعتبر خيانة، حاولتُ مقاومة تلك المشاعر لفترة طويلة، حتى تعرّفت على شاب، وكان متزوجاً، ولكنه كان صريحاً معي، وقال لي إنه يميل للعلاقات المتعددة، وإن زوجته تعلم ولا تمانع، ولكن شرطها ألا يتزوج عليها، فرويت له أنني أيضاً أشعر بتلك الميول ولا أفهمها، فأمدني بعدة مراجع متخصصة حتى فهمت ميولي بشكل كامل".
تقيّم هاجر تجربتها قائلة: "لا أعتقد أنني أقوم بشيءٍ خاطئ ولا يمكن القول إنني خائنة، فأنا صريحة مع أي شريك لي بميولي تلك، ولا أخفي شيئاً أو أخدع أحداً، في النهاية هي ميول مثلها مثل أية ميولٍ أخرى".
أما كارما الكاشف (27 عاماً)، عراقية تعيش في الكويت، ممرضة، تحكي عن حبها لشخصين، وتفهمهما لرغبتها في الإبقاء عليهما معاً، رفضت أن تكشف ما إذا كانت هناك علاقة جنسية معهما، تقول لـرصيف22: "أنا مخطوبة لشاب وأحبه، وكذلك مرتبطة عاطفياً بشاب آخر وأحبه أيضاً، والاثنان يعلمان بشكل العلاقة التي تجمعنا سوية، وموافقان، ويحباني كما أحبهما، وهناك احترام متبادل بيننا، ولا ينظرون لي وكأنني عاهرة كما يعتقد أو يتوقع البعض، بل أني أعتقد أنني محظوظة بقدرٍ كبير، فكل منهما يملأ جزءاً من مشاعري، بل أنني أستمتع أحياناً برؤيتهما يتنافسان على إرضائي، وهو ما يظهر في مناسبات عدة، منها عيد ميلادي أو الفالنتاين وغيرها، ومن ناحيةٍ أخرى لا أشعر أبداً بقلّة الاهتمام، فأنا كنت أحتاج للحديث مع أحد على سبيل المثال، وكان خطيبي منشغلاً في العمل أجد شريكي الآخر متفرّغاً لي، وقادراً على إعطائي الاهتمام والحب الكافي".
تضيف الكاشف: "لا يمكن لأحد أن يهاجم ميل بعض النسوة إلى التعدّد، خاصة وإن كان لا يرى ضرراً في تعدد الزوجات أو تعدد علاقات الرجال، فالميول النفسية والعاطفية والتفضيلات لا تعرف التفرقة الجندرية، ولا يمكن لأحد أن ينكر حق النساء في الشعور بنفس المشاعر التي تصيب الرجال".
وبسؤالها عن مدى خوفها من مستقبل العلاقة، تجيب كارما الكاشف: "لا أخشى شيئا، فأكبر ما يمكن أن يحدث هو عدم استمرار العلاقة، وهو ما يحدث في العلاقات الأحادية أيضاً، أما عن نظرة الناس لي فلا تهمني كثيراً، في الأساس علاقتي العاطفية بحبيبي الثاني سرية، ولا يعلم أحد عنها شيئاً، سواء من الأهل أو الأصدقاء، فقط خطيبي يعرفها".
"فكرة التعدد مقبولة للرجال، بسبب سرعة الاستثارة البصرية، وموجودة لدى النساء خاصة في فترات التبويض، ولكن الثقافة الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في كبح ميول المرأة"
"شعاري.. رجل واحد لا يكفي"، رانيا الحلبي (29 عاماً)، لبنانية، تعمل بأحد الفنادق الكبرى في بيروت، تقول لـرصيف22، "أنا مرتبطة برجلٍ أحبه جداً وأقدّره وسعيدة معه بالفعل، ولكن هناك إحساساً داخلياً يسيطر عليّ طوال الوقت بأن العلاقة ليست كاملة، وأنه لا يعطيني كافة احتياجاتي من الحب والرومانسية، ورغم أني أرى ذلك أمراً طبيعياً، فهو بشر والبشر ليسوا كاملين، ولكنني لدي احتياج ملحّ طوال الوقت لبعض الأمور التي لا أجدها به".
"كانت تلك أسعد لحظات حياتي، وأكثرها استقراراً من الناحية العاطفية، هي الفترة التي جمعت فيها بين علاقتين"
تشرح الحلبي: "على سبيل المثال، شريكي غيور وحاد الطباع، لا يعرف لغة التفاهم أو النقاش في عددٍ من الأمور، الأمر الذي يجعلنا دائمي الشجار والمشاحنات، ورغم أنني أحبه، ولكن في أوقات كثيرة أحتاج لأن يكون شريكي حنوناً هادئاً يسمع مني أكثر مما يتكلم، قادراً على التفاهم والمشاركة الوجدانية، الأمر الذي يجعلني أذهب لرجالٍ آخرين وأبادلهم مشاعر الحب أيضاً، أحيانا أشعر أني أحب حالة الحب وليس الشخص نفسه، فمهما تعددت الأطراف الأخرى في العلاقة، سأظل أشعر بنفس الحب وأستمتع بالحالة الرومانسية معهم".
"التعدد ليس انحرافاً"
ينفي الطبيب النفسي دكتور محمد شفيق، أخصائي الأمراض العصبية والنفسية، أن يكون ميل النساء للتعدد انحرافاً جنسيا، والمرجعان الأساسيان للأطباء النفسيين في العالم هما (الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية والاضطرابات) "DSM5 أو ICD10"، لا يعرّفان التعدد كانحرافٍ أو خللٍ نفسي، ولا يتم علاجه من قبل الأطباء النفسيين إلا في حالات استثنائية نادرة، متابعاً، في الحقيقة، إن 3% فقط من الثدييات الذي تطوّر عنهم الإنسان هم أحاديو العلاقات، والنسبة الباقية متعدّدة العلاقات، هذا من الناحية البيولوجية، أما من الناحية التاريخية فإن الشكل الأكثر شيوعاً لعلاقات الإنسان في أغلب فترات التاريخ هو التعدد.
"الميل للتعدد كان هو الأساس على مدار التاريخ، بينما فكرة الأحادية حديثة لم تظهر سوى في جزءٍ قصيرٍ من تاريخ البشرية"
ويضيف شفيق لـرصيف22 أن الميل للتعدد كان هو الأساس على مدار تاريخ الإنسان على الأرض، بينما فكرة الأحادية هي فكرة حديثة لم تظهر سوى في جزءٍ قصيرٍ من تاريخ البشرية، والتي يمكن حصرها في آخر 10 آلاف سنة فقط، مكملاً، هناك أبحاث عدة تم اجراؤها حول التعدد، اكتشفت أن الميول للتعدد موجودة بشكلٍ أكبر عند الرجال، ولكنها موجودة أيضاً ولو بنسبة أقل لدى النساء، والتي أثبتت كذلك أن الميل للتعدد له أسباب هرمونية تحديداً، وهو مرتبط بهرمونين يؤدي اختلالهم للميل إلى التعدد، الأول هو هرمون التستوستيرون، وزيادته تؤدي للميل نحو التعدد سواء للنساء أو الرجال، والهرمون الثاني، هو هرمون الفازوبريسين، وأيضاً اختلال معدله عن الطبيعي يؤثر على الميل نحو تعدد العلاقات، وكذلك هناك المركب الكيميائي "دوبامين" وهو المسؤول عن السعادة، والذي بدوره أي خلل فيه يجعل صاحبه أكثر ميلاً للدخول في علاقات متعددة.
من جانب آخر، ليس الأمر هرمونياً وجينياً فقط، كما يؤكّد أخصائي الأمراض العصبية والنفسية، فأن التعرّض للأزمات والصدمات النفسية في سنوات الطفولة، أو التعرّض للمواد الإباحية والجنسية قبل السن المناسب، يؤثر على المخ والرغبات، وقد يجعل الأشخاص أكثر قابلية ورغبة في التعدد عن أولئك الذين لم يتعرّضوا لتلك الصدمات.
ويتابع شفيق، في حديثه لـرصيف22: "إن الثقافة المجتمعية السائدة، تلعب دورا كبيراً جداً، إن كان المجتمع مشجعاً للتعدد أو مانعاً له، وعلى مدار الـ 10 آلاف سنة الأخيرة من عمر البشرية، مروراً بالحقبة الزراعية ثم النهضة الصناعية، كان هناك تشجيع وميل واضح للعلاقات الأحادية، وإن كانت بعض المجتمعات تشجع التعدد للذكور، مثل المجتمعات العربية، ومجتمعات أخرى كانت تسمح بالتعدد للنساء وجمع أكثر من حبيب أو زوج.
يتفق باحثو الأنثروبولوجيا على أنه هناك أسباب اجتماعية لتشجيع العلاقات الأحادية، والتي يسردها دكتور محمد شفيق، قائلاً: كان من بينها تقليل مخاطر العدوى وانتقال الأمراض الجنسية، وكذلك ظهور نظام المواريث وتحديد مستحقي الميراث، ورغم أن تلك هي أسباب اجتماعية لكنها كان لها تأثير مباشر على نفسية الإنسان، وجعلته أكثر ميلاً وقابلية للعلاقات الأحادية الشكل.
أما عن الدراسات التي تناولت مسألة التعدد للنساء، فيقول شفيق، "اطلعت عليها بالفعل، وهناك دراسات أثبتت أن العلاقات المفتوحة متعددة الأطراف تكون أكثر أماناً وصراحة، ولكن لا يمكن اعتبارها أمراً مسلماً به أو موثوقاً بنسبة 100%، ولكن المؤكد أن تلك العلاقات لا تصلح لكل البشر"، موضحاً: أنه لابد من التأكيد بأن الميول والتوجهات الجنسية لدى البشر، متنوعة ومختلفة بشكلٍ واسع جداً، فهي تمثل ألوان الطيف بكل تنوعها، وهناك اختلاف كبير بين إنسان وآخر، ولا يمكن القول بإن هذا الميل صحيح والآخر خاطئ، فالبشر كما يختلفون في الأطوال والأشكال والألوان، يختلفون أيضاً في الميول والتفضيلات، سواء العاطفية أو الجنسية.
وينهي دكتور محمد شفيق حديثه مؤكداً أن فكرة التعدد مقبولة للرجال وتم إثباتها علمياً بأنها ميول وتوجهات نفسية، نظراً لأنهم سريعو الاستثارة البصرية، ولكنها أيضاً موجودة لدى النساء، وهناك دراسات أثبتت أن هناك نساء لديهن ميول للتعدد والاستعداد للاستثارة تجاه شركاء آخرين، خاصة في فترات التبويض، لكن طبيعة المجتمعات الثقافية تلعب هنا دوراً كبيراً ومحورياً، في تشجيع التعدد للذكور، بينما تكبح جماح تلك الميول وتقمعها للنساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.