شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الحبّ تهمة تُعاقَب عليها من قبل المؤسسات والمجتمع

الحبّ تهمة تُعاقَب عليها من قبل المؤسسات والمجتمع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 21 يناير 201905:12 م
تجنبتُ الخروج من البيت بسبب ما أعلنته الأرصاد الجوية عن عاصفة رملية تجتاح القاهرة، بالصدفة كنت أستمع إلى معزوفة لتشايكوفسكي، الموسيقى الكلاسيكية عادة خلفية مناسبة للعواصف والملاحم الإنسانية، الفالس العاطفي كان مناسبًا هذا الصباح لمشاهدة إصفرار العالم من خلف زجاج غرفتي. عندها، أرسل لي صديقاً خبراً ملحقًا به مقطع فيديو مع رسالة يقول فيها " شوفتي وصلنا لإيه؟". منذ عدة أيام قامت جامعة الأزهر بفصل طالبة فصلًا نهائيًا بسبب تداول هذا الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي. شاهدت الفيديو في حالة ترقب لمحاولة فهم ما هو الفعل الفاضح الذي قامت به الفتاة حتى يتم معاقبتها والتشهير بها بهذا الشكل؟! وما وجدت أمامي إلّا شابًا يركع على الأرض في حالة من السعادة وسط أصدقائه الذين ساعدوه في تحضير مفاجأة لحبيبته للتقدّم لخطبتها وبعد عرض طلبه عليها وإعلان قبولها حضنها". انتهى الفيديو. شعرت بالغضب للحظات ثم انتابني اليأس الذي قادني في دقائق إلى شعور باللامبالاة تجاه الحدث، حاولت تجاهل الأمر، تجاهلت أيضاً الحوار الداخلي المعتاد الذي ينتفض كلما حاولت عدم الاشتباك مع الأحداث من حولي مؤخراً: "كيف ستنجحين في النجاة الفردية تجاه حريتك بشكل يومي دون الاشتباك؟". [caption id="attachment_181078" align="aligncenter" width="678"] رسم: ريم وسيم[/caption]

كيف تعاقبنا الجماهير والمؤسسات؟

تتبعت القضية… وما أذهلني حقاً هو تعليقات الجماهير على الفيديو ما في فيسبوك ويوتيوب. إنه لشيء محزن ومخزي أن تكون فعلَا حوالي 80% من التعليقات تتحدث عن الانحلال الأخلاقي ووصم الفتاة بألفاظ بذيئة لفعلتها وضرورة عقاب أمثالها وأهمية منعها من دخول أي جامعة مصرية! أثناء متابعتي للتعليقات، وجدتُ أمامي لوحة شاعرية بسيطة مرسومة بخطوط دقيقة لفتاة الجامعة في حضن زميلها ومكتوب عليها: "طظ في معاييركم الأخلاقية". تصفحت عشرات التعليقات على الصورة، منها التي كانت في منتهى القسوة والبذاءة، حيث نسبة كبيرة من الناس تشتم الفنانة ريم وسيم، صاحبة اللوحة، وفي الطالبة نفسها مطالبين بمحاكمتها حتى تصبح عبرة لغيرها. تحت مظلة اليأس بسبب تكرار مثل هذه الملاحم الرجعية مؤخراً، تساءلت هل لدى رئيس جامعة الأزهر في مصر فكرة عن تعريف الفعل الفاضح الذي قد يخل بخصوصية الحرم الجامعي؟ الفعل الفاضح قانونياً هو سلوك عمدي يخل بحياء الغير ووقوعه بشكل مادي يخدش في المرء حياء العين أو الأذن، والعلة من الجريمة هنا هو حماية الشعور العام بالحياء. أحمل كراهية لهذا القانون الرجعي الذي لا أفهم تحديداً جدواه، هذا القانون يعتبر سندًا يستند عليه كل من يود ممارسة رقابة معنوية على البشر الساكنين هذا البلد دون معنى أو هدف غير الهيمنة وحجب المتعة والخصوصية التي قد تهبهم شعور ولوّ زائف بالحرية. وحتى في هذا السياق المربك الدائر، وإذا قررنا محاسبة الفتاة الآن بالمعايير الأخلاقية التي يتبناها المجتمع ومؤسسات الدولة، فكيف خدشت الفتاة حياء المجتمع المصري لتعاقب مثل هذه العقوبة بالفصل النهائي من جامعتها والتشهير بها؟ أين المشهد المخل؟ بعد الحديث مع ريم صاحبة اللوحة شعرت بالأسف تجاهها والرغبة في الاعتذار لما تعرضت له من أحباط وإهانة بسبب دعمها للطالبة وإعلانها عن موقف شخصي حر لا يقبل الجهل ولا قولبة البشر تحت تهديد سلاح الأخلاق والعفة بمعايير لا تتسم سوى بالقبح والرجعية. إذا كانت الحرية هي ألا يكون الإنسان مكرهاً على الخضوع لإرادة غيره، فكيف لنا أن نصارع يومياً كل هؤلاء البشر على أبسط وأقل الحقوق شرعية في الحياة، كالسعادة والحب والمرح؟
ما أذهلني حقاً هو تعليقات الجماهير على الفيديو ما في فيسبوك ويوتيوب. إنه لشيء محزن ومخزي أن تكون فعلَا حوالي 80% من التعليقات تتحدث عن الانحلال الأخلاقي ووصم الفتاة بألفاظ بذيئة لفعلتها وضرورة عقاب أمثالها وأهمية منعها من دخول أي جامعة مصرية!
كل منهما، الطالبة وصاحبة اللوحة، دفعت ثمن كونها أنثى عليها الخضوع فقط لمعايير أخلاقية وتميزية لا تسعى سوى لتهميشها وابتلاع حقوقهن وذبحها تحت مقصلة الأحكام المقننة بقوانين هزلية من قبل مجتمع يغضب بسبب "حضن" أو فستان من الدانتيل كما حدث مع ممثلة شهيرة.
إذا كانت الحرية هي ألا يكون الإنسان مكرهاً على الخضوع لإرادة غيره، فكيف لنا أن نصارع يومياً كل هؤلاء البشر على أبسط وأقل الحقوق شرعية في الحياة، كالسعادة والحبّ؟

هل المساواة في الظلم عدل؟

كل منهما، الطالبة وصاحبة اللوحة، دفعت ثمن كونها أنثى عليها الخضوع فقط لمعايير أخلاقية وتميزية لا تسعى سوى لتهميشها وابتلاع حقوقهن وذبحها تحت مقصلة الأحكام المقننة بقوانين هزلية من قبل مجتمع يغضب بسبب "حضن" أو فستان من الدانتيل كما حدث مع ممثلة شهيرة.. هناك نساء شاركن أيضاً في تلك الحفلة يجهلن أن هناك ثمن جماعي تدفعه كل الفتيات جزاء ذكوريتهن وتجاهلهن للعدالة وأبسط الحقوق الشخصية، وهناك رجال من مختلف الأعمار أسهبوا في الشتائم والمعايرة قد لا يعلمون أن على هذه الأرض يوماً من عشرات السنين خرجت نسوة للشوارع للدفاع عن حريتهن وكان الموت ثمناً لحصول ملايين من النساء على بعض من حقوقهن، في نفس التوقيت الذي كان رأي رجال الدولة، كمثال طلعت حرب أحد الوطنيين البارزين في ذلك الوقت، في كتابه "تربية المرأة والحجاب" أن تحرير المرأة مجرد مؤامرة لإضعاف الأمة المصرية ونشر الفجور والانحطاط في المجتمع. ورأى أن هناك مخطط استعماري لتصدير صورة سلبية عن وضع المرأة المسلمة. هل يختلف رأي طلعت حرب في بداية القرن كثيراً عن أراء نسمعها ونتعرض عليها الآن؟ في مواجهة مثل هذه الموجات الرجعية عبر التاريخ انتزاع الحريات لا يعد رفاهية ولا صراع استثنائي، بل معركة خوضها حتمي لا مفر منه. وبالنظر عن قرب عند مقارنة عقوبة الشاب بعقوبة الفتاة في هذه الواقعة فنجد أن الشاب تم فصله من جامعة المنصورة سنتين فقط أما الفتاة فتم معاقبتها بالفصل النهائي من جامعة الأزهر! في هذه الحالة هل نطالب بالمساواة بينهما في تطبيق الظلم لنحقق عدالة زائفة؟ أم نتطلع لما هو أكبر في ضرورة تراجع جامعة المنصورة و جامعة الأزهر عن مثل هذه العقوبات الرجعية؟ أم نحاول أمساك العصا من النصف ونقبل بتصريح شيخ الأزهر باكتفاء الجامعة بتوبيخ الفتاة وتقديم واجب النصح والإرشاد؟ إن الصراع الآن لم يعد يتلخص في السعي نحو المساواة فقط، بل لتغيير جميع علاقات القوى الاجتماعية التي تستغل الفئة الأضعف في ممارسة التهميش والقهر على أساس النوع الاجتماعي أو التوجه الجنسي أو الطبقة أو العرق، وأسوأ السيناريوهات إن لم يكن لدى النساء تحديداً وعياً كافياً تجاه حقوقهن والقدرة على تحديد الانتهاكات التي يتعرضنَ لها ومواجهتها بالتضامن النسوي الواعي كآلية من آليات المواجهة في ظلّ تناقضات اجتماعية مهولة يقع فيها المجتمع في المراحل المضطربة اقتصادياً وسياسياً. محادثة تليفونية سريعة ومثيرة للضحك مع أمي أنهت هذا اليوم بكل عواصفه الترابية والإنسانية، وفي تعليق منها على واقعة فتاة الحضن تساءلت بسخرية: "أومال لو وقعت في أيديهم جوابات غرامية بين الطلبة زي اللي كان بيكتبهالي أبوكي أيام الجامعة ووقت الحرب أو اللي كان بيكتبها زمايله لحبيباتهم.. جوابات كلها حب وغرام وتفاصيل ومواعيد.. كانوا عملوا فيهم إيه؟ سجنوه ؟" .. "غالباً كانوا اعتقلوهم بتهمة الشعور بالحب". *** ملاحظة: من الجدير بذكره، أن جامعة الأزهر كانت قد خففت عقوبة الطالبة من الطرد إلى الحرمان من دخول امتحانات فصل دراسي واحد.  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image