شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بنادق في مواجهة بنادق... خلافات الفصائل المسلحة و

بنادق في مواجهة بنادق... خلافات الفصائل المسلحة و"العسكر" تتحكم بمستقبل السودانيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 24 يوليو 201907:18 م

لا تزال الخلافات بين حمَلة البنادق تتحكم بمصير السودانيين، وتهدد مصير الاتفاق السياسي الذي وقعه المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، بسبب اعتراض الفصائل المسلحة التي تقاتلت لفترة طويلة مع نظام الرئيس المخلوع عمر البشير عليه.

حالياً، تجري في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، مفاوضات بين قوى الحرية والتغيير وبين "الجبهة الثورية" التي تضم مجموعة حركات مسلحة معارضة أبرزها "الحركة الشعبية لتحرير السودان - فرع الشمال"/ جناح مالك عقار، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم و"حركة تحرير السودان"/ جناح مني مناوي.

وتغيب عن هذه المفاوضات "حركة تحرير السودان"/ جناح عبد الواحد محمد نور، وهي قوة المعارضة الرئيسية في إقليم دارفور وتسيطر على جبل مرة، و"الحركة الشعبية"/ جناح عبد العزيز الحلو، التي تسيطر على أراضٍ واسعة في جبال النوبة وولاية النيل الأزرق.

"تنازل عن مطالب الثورة"

"إنها عملية مساومة وتنازل عن مطالب الثورة". بهذه الكلمات يصف محمد محمود الناير، المتحدث باسم "حركة تحرير السودان"/ جناح عبد الواحد محمد نور، الاتفاق السياسي الذي جرى توقيعه مؤخراً، معتبراً أنه عملية قبول بـ"نسخة معدلة من حكم حزب المؤتمر الوطني"، أي حزب البشير الحاكم سابقاً، إذ يرى أن المجلس العسكري، عبر سيطرته على نصف مقاعد المجلس السيادي وترؤسه الفترة الأولى منه، هو استمرارية للنظام السابق.

وفي 17 تموز/ يوليو، أعلنت قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الاتفاق على تفاصيل هياكل الحكم في المرحلة الانتقالية، على أن يترأس العسكريون المجلس السيادي في البداية لمدة 21 شهراً، ثم تنتقل الرئاسة إلى المدنيين لمدة 18 شهراً.

وقال الناير لرصيف22 إن الأزمة الرئيسية هي القبول بمشاركة جنرالات البشير، فهذا "يجعل النظام البائد جزءاً من عملية التغيير، ما سيجعلهم يحولون دون محاسبة قادة النظام السابق ويعطلون إعادة هيكلة مؤسسات الدولة".

وأضاف أن الاتفاق هو "إعادة إنتاج للنظام السابق عن طريق الإبقاء على الصفوة السياسية الحاكمة وإقصاء كل الهامش السوداني، وهو ما تكرر بعد انتفاضتي تشرين الأول/ أكتوبر 1964 ونيسان/ أبريل 1985، ما يجعله غير مختلف عن حوار الوثبة"، وهو مشروع أطلقه البشير عام 2014 لمحاورة مكونات سياسية معارضة، وقاطعته قوى "نداء السودان".

من جانبه، يقول المتحدث باسم "الحركة الشعبية قطاع الشمال/ جناح عبد العزيز حلو" موسى كوة لرصيف22: "نُعتبر أكبر قوة عسكرية ونسيطر على مساحة أكبر من مساحة فرنسا في جنوب كردفان والنيل الأزرق"، ويشير إلى أنهم لا يؤيدون الاتفاق ولا يعارضونه وما يريدونه هو التوصل إلى اتفاقيات سياسية وترتيبات أمنية مع الحكومة الانتقالية.

يذكّر كوة بأن لدى حركته أهدافاً سياسية حملت السلاح من أجلها، ويلفت إلى تحقق الهدف الأول مع سقوط النظام، مشيراً إلى أن الهدف الثاني هو "كنس آثار الإنقاذ (النظام السابق) وهيكلة الحكومة".

ولخص كوة مطالب حركته في حكومة مدنية ديمقراطية علمانية تحقق المواطنة والعدالة، وتساوي الناس أمام القانون كل حسب عمله، وعدم سقوط جرائم الحرب بالتقادم.

وينص الاتفاق السياسي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري على تشكيل حكومة مدنية ومجلس تشريعي يكملان ثلاثي هياكل السلطة الانتقالية ولا يزال المجلس العسكري يحاول الالتفاف على مطلب تشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات من خلال المطالبة بمنح أعضائه حصانة من الملاحقة القضائية.

مقابل هذه الآراء، يوضح القيادي في "الحركة الشعبية قطاع الشمال"/ جناح مالك عقار والقيادي في الجبهة الثورية محمود إبراهيم لرصيف22 أن الخلافات ليست عميقة، لأن الفصائل المسلحة هي جزء من قوى الحرية والتغيير، و"ما يحدث حالياً هو فقط معالجة للوضع الداخلي للتحالف".

ويلخّص نقاط خلافين بين الطرفين بأبعة هي: أن يكون المجلس العسكري جزءاً غير مؤثر في المرحلة الانتقالية؛ عدم تمثيل العسكريين في الحكومة؛ عدم الإفلات من العقاب وإجراء تحقيق شفاف في الانتهاكات؛ ورفض قرار المجلس العسكري بتعيين ولاة عسكريين للأقاليم غير المستقرة أمنياً.

"قادة العسكر متورطون في جرائم"

يؤكد مسؤول تجمع المهنيين في الخارج عبد العظيم عبد المطلب لرصيف22، جهود تحالف الحرية والتغيير لاحتواء الأزمة، مبيناً أن الهدف هو جلوس جميع الفرقاء على طاولة واحدة من أجل الوطن، وتفويت الفرصة على الدولة العميقة والمجلس العسكري للمماطلة في تنفيذ الاتفاق بحجة أن بعض الأطراف لم تشارك فيه.

ويحذّر من "تمزيق الشعب السوداني عن طريق الحركات المسلحة"، مشيراً إلى أن المشاكل "تفتعلها الدولة العميقة التي تغلغلت في القوات المسلحة والحركات المسلحة طوال 30 سنة".

يعتبر عبد العظيم أن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مرحلي والغرض منه وقف نزف دماء الشعب السوداني، والتمهيد لتسليم السلطة لمدنيين، موضحاً أن إعلان التوقيع تم بالأحرف الأولى، يعني هو اتفاق مبدئي وليس نهائياً.

ويدعو الحركات المسلحة الرافضة للاتفاق إلى تشكيل جبهة واحدة تضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة.

ولكن الفصائل المسلحة لا ترفض المجلس العسكري لأنه مجرد شريك للبشير في السلطة، بل تعتبره خصماً لها، وشريكاً أساسياً في عمليات الإبادة التي ارتُكبت في دارفور وجبال النوبة.

وفي هذا الصدد، يتهم محمود الناير "كل الضباط الكبار في الجيش والأمن بمَن فيهم رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان" بالتورط في ارتكاب جرائم، ويقول إن البرهان هو "أحد مهندسي الإبادة في دارفور".

وكانت قوات حركة تحرير السودان قد اعتقلت البرهان عام 2003 قبل أن تطلق سراحه بموجب اتفاق هدنة مع الحكومة. وبحسب الناير، تولى البرهان بعد إطلاق سراحه تجنيد مليشيات قبلية وشن حرب حرق خلالها أكثر من 180 قرية واغتصبت قواته مئات النساء، وأمرها باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في جبل مرة.

"عبد الفتاح البرهان هو أحد مهندسي الإبادة في دارفور"، و"حميدتي هو مَن أباد شعب دارفور بصورة عنصرية مقززة"... الفصائل السودانية المسلحة تعتبر مشاركة المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية استمراراً لنظام البشير
"مَن لا تعرفون إذا كانوا سودانيين أم لا يجب أن يتمثلوا". بهذه الكلمات وصف قيادي سوداني معاناة أبناء الهامش الذين أهملهم الاتفاق السياسي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، فكثيرون عانوا طوال سنوات كثيرة من التهميش

ولكن عبد المطلب يشدد على أن الدماء ليست فيها مجاملة، والاتفاق السياسي الذي وقعت عليه قوى الحرية والتغيير ينص على أن كل مَن تثبت مشاركته في عمليات قتل لن يشارك في المرحلة الانتقالية، موضحاً أن التحقيقات لن تقتصر على فض اعتصام القيادة العامة، بل ستمتد لتطال كل دم سال في السودان، ولكن هذا لن يحدث في المرحلة الأولى، فالبداية ستكون مع تسليم السلطة للمدنيين ويأتي القصاص في المرحلة الثانية والانتخابات في المرحلة الثالثة.

"المجلس العسكري غير مؤهل"

تتباين آراء قوى الحرية والتغيير والحركات المسلحة حول ملف العدالة الانتقالية ومحاكمة رموز النظام السابق، بل وتتباين آراء الحركات نفسها.

برأي رئيس "حركة العدل والمساواة الجديدة"، منصور أرباب، المحاكم السودانية "غير مهيأة" لمحاكمة رموز النظام السابق، موضحاً أن القانون الجنائي السوداني لا يشمل بنوداً تتحدث عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والقضاء السوداني "مسيس ويتبع للمؤتمر".

وأكد أرباب لرصيف22 أن المجلس العسكري الحالي غير مؤهل لمحاكمة مرتكبي الجرائم، لأن نائب رئيسه الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" هو مجرم حرب و"هو مَن أباد شعب دارفور بصورة عنصرية مقززة".

وأضاف أنه، في ظل غياب محاكم وطنية محايدة وقانون تستند عليه أي محكمة مختصة لمحاكمة مجرمي الحرب، يؤيد تسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية.

في المقابل، تتمسك قوى الحرية التغيير بمحاكمة البشير ورموز نظامه داخل السودان. وفي هذا الصدد، يقول عضو "الحزب الاتحادي السوداني" والقيادي في قوى الحرية والتغيير غالب طيفور لرصيف22 إن البشير يجب أن يحاكم داخل السودان لعدد من الأسباب أولها أنه يعرف أسراراً كثيرة عن الدولة بسبب فترة حكمه الطويلة للسودان، وثانيها أن المحكمة الجنائية الدولية ستحبسه في قصر حيث سيأكل أجود أنواع الأطعمة، بينما "يجب أن يُسجن في نفس السجون التي نكل فيها بشرفاء الوطن، ليتجرع نفس مرارة الشعب لـ30 عاماً، وتشهد محاكمته أُسر الشهداء".

وأضاف طيفور أن الوضع الحالي لا يسمح بمحاكمة البشير لأن الأذرع الخاصة بنظامه لا تزال تعمل، والدليل على ذلك إطلاق سراح بعض عناصر النظام، ويجب تأجيل محاكمته إلى ما بعد قيام دولة مدنية.

والحل برأي محمود إبراهيم و"الجبهة الثورية" هو محاكمة المجرمين في السودان، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة برقابة دولية من الاتحاد الأوروبي والإفريقي.

قضايا الحرب والسلام

القضية الرئيسية لدى الحركات المسلحة هي الإسراع في حل ملفات الحرب والسلام عبر التفاوض فيها، وتلفت إلى أن الاتفاق السياسي جاء خالياً من بنود واضحة حول ذلك.

وأشار الناير إلى أن "الاتفاق الأخير لا يعالج قضية الحرب والسلام، رغم أن الكفاح المسلح هو العامل الرئيسي في إضعاف البشير، لأنه أجبر النظام على إنفاق ملايين الدولارات يومياً على الحرب، وحاصره دولياً بجرائم الإبادة الجماعية".

واعتبر أن أوضح الأدلة على عدم جدية الموقعين هي مدة الأشهر الستة التي حددها الاتفاق لمعالجة قضية الحرب والسلام، "فمن غير المنطقي أن تحل قضايا حرب بدأت عام 1955 خلال ستة أشهر، خاصة مع وجود ملايين الشهداء واللاجئين".

بينما أوضح إبراهيم أن الجبهة الثورية تهدف عبر وفدها في أديس أبابا إلى أن تكون قضايا الحرب والسلام متوازية مع تشكيل الحكومة وأن يفرد لها باب في الدستور الانتقالي، وتسد الثغرات الموجودة في الاتفاق الأخير.

وعلى مطلب إدراج قضايا الحرب والسلام في الاتفاق، لفت عبد المطلب إلى أن قوى الحرية والتغيير لا تمتلك سلطة حالياً، مبيناً أن حل قضية الحرب والسلام يكون بالاتفاق على تسليم السلطة للمدنيين أولاً، وبعد ذلك كل القوات التي تحمل السلاح عليها طرح المشاكل التي من أجلها حملت السلاح وتنخرط في مفاوضات بضمانات من المجلس العسكري.

أزمة "الهامش"

"مَن لا تعرفون إذا كانوا سودانيين أم لا يجب أن يمثلوا". بهذه الكلمات وصف إبراهيم معاناة أبناء الهامش الذين أهملهم الاتفاق الأخير. فكثيرون منهم كقبائل المحاميد والزغاوة والمساليت يصعب معرفة إذا كانوا من السودان أو من دول الجوار، لأن لهم امتدادات في عدة دول، ويصفهم أبناء الخرطوم بالأجانب، وعانوا طوال سنوات كثيرة من التهميش.

وأضاف إبراهيم أن استمرار الولاة العسكريين الذين عُيّنوا بعد سقوط البشير يعيد إنتاج حكم الطوارئ في الأقاليم، متسائلاً عن المانع في أن يأتي الوالي من أبناء الأقاليم المتضررة نفسها، لكي يحقق جزءاً من مطالبها التي كانت تحارب من أجلها.

وطالب إبراهيم بإدراج قضية النازحين واللاجئين ضمن الدستور الحالي لمعالجتهم وتوفير المأوى والمأكل والملبس لهم، موضحاً أنهم متضررون من الحركات المسلحة ومن النظام، وعانوا من القتل والتشريد، وهم مشتتون بين أكثر من 170 معسكراً داخل وخارج السودان.

وشدد القيادي في الحركة الشعبية على أهمية بناء القرى التي هجر أبناؤها منها وإعادتهم إليها، ودفع التعويضات لهم.

ولكن طيفور يعتبر أن هذا الطرح شروط تعجيزية، بسبب صعوبة تمثيل اللاجئين والنازحين في الفترة الحالية، ويشير إلى أن الممكن هو تنفيذ مشاريع في المناطق المتضررة، وتعويض المتضررين بعيداً عن المناصب والمحاصصة.

ويشير طيفور إلى أن الشعب السوداني كله مهمش، فحكومة المؤتمر الوطني أقصت أبناء السودان كلهم باستثناء الإسلاميين وتجار الدين، والمذابح حدثت في دارفور وفي الخرطوم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard