خرج مئات السودانيين في تظاهرات بعدة مدن، في 15 تموز/يوليو، احتجاجاً على استمرار انتهاكات قوات الدعم السريع، وللمطالبة بتنفيذ العدالة بعد مرور أكثر من شهر على مذبحة القيادة العامة. وذلك في الوقت الذي تعطلت فيه الاتفاقات بين المجلس العسكري الانتقالي الحاكم وقوى إعلان الحرية والتغيير بعد عدة أيام من التأجيل والتفاوض، على خلفية إصرار المجلس على اكتساب "الحصانة" القضائية.
الدماء تراق من جديد
وعقب يوم واحد من تظاهرات "العدالة أولاً"، التي طالبت بمحاسبة المسؤولين عن مجزرة القيادة العامة، أطلقت قوات الدعم السريع النيران على إحدى التظاهرات في ولاية سنار ما أدى إلى مقتل متظاهر واحد على الأقل.
وفي الوقت نفسه، أكدت لجنة أطباء السودان التابعة للمعارضة، في 15 تموز/يوليو، أن سيارة تتبع لقوات الدعم السريع، دهست أسرة كاملة في مدينة أم درمان (غرب الخرطوم)، مخلفةً 4 منهم قتلى. وحملت اللجنة المجلس العسكري "مسؤولية الاعتداءات التي حدثت في مدينتي السوكي وأم درمان".
"حصانة العسكر"
وعاد التصعيد في ظل عدم القدرة على التوصل لاتفاق حول اللمسات الأخيرة لاتفاق المرحلة الانتقالية بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وسط إصرار العسكر على بند يضمن لهم "الحصانة"، للإفلات من المحاسبة عن جميع الانتهاكات التي وصلت إلى ذروتها في فض اعتصام القيادة العامة في 3 حزيران/يونيو الماضي.
وكان مصدر قانوني قد أكد لموقع "الراكوبة" السوداني، في 14 تموز/يوليو، أن "السبب الأساسي في رفض المجلس العسكري التوقيع على الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بوساطة إفريقية/إثيوبية، هو رغبة المجلس في ‘تمرير موضوع الحصانة‘ حتى لا يخضع أعضاؤه للمساءلة القانونية في قضية فض اعتصام القيادة العامة".
ولفت المصدر نفسه إلى أن "المجلس العسكري سيسعى جاهداً للتسويف والمماطلة في توقيع الاتفاق إلى أن يجد مخرجاً، مهما كلفه الأمر".
في الأثناء، قال موقع "سودان تربيون" إن "خلافات برزت حول الإعلان الدستوري، أهمها البند الذي يتحدث عن منح حصانات مطلقة لرئيس وأعضاء المجلس السيادي، من أي ملاحقة قانونية خلال سنوات الفترة الانتقالية الثلاث".
وأشار إلى أن الإعلان "نص كذلك على عدم رفع أي قضايا ضد أعضاء المجلس في المحاكم، وهو ما رفضته قوى الحرية والتغيير جملة وتفصيلاً، واعتبرته مخالفاً لمسودة الاتفاق".
يناقض الاتفاق ومطالب الثوار
مطلب الحصانة المزعوم يتعارض بشكل كامل مع الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان، فجر 5 تموز/يوليو الجاري، والذي ينص في أحد بنوده صراحةً على "تشكيل لجنة مستقلة لإجراء تحقيق دقيق شفاف وطني مستقل لمختلف الأحداث العنيفة التي عاشتها البلاد في الأسابيع الأخيرة".
كما أنه يتعارض مع مطالب المحتجين الذين خرجوا في 13 تموز/يوليو، في مليونية "العدالة أولاً"، استجابةً لدعوة "تجمع المهنيين السودانيين" المحرك للتظاهرات الشعبية منذ انطلاقها في كانون الأول/ديسمبر الماضي، لمناسبة ذكرى مرور 40 يوماً على سقوط ضحايا فض اعتصام القيادة العامة.
الحصانة التي يريدها العسكر تتناقض كذلك مع ورقة الاتفاق بين الفرقاء السودانيين، والتي تحدد مهمة الفترة الانتقالية باستكمال اجتثاث رموز النظام السابق من المشهد السياسي، على اعتبار أن المجلس العسكري يتكون من قيادات عسكرية عملت مع نظام عمر البشير.
وشدد تجمع المهنيين على أن "التحقيق الشفاف والعادل وتقديم الجناة في كل المجازر والانتهاكات ضد الثوار السلميين للعدالة، هو المدخل الوحيد والأساسي لبناء دولة القانون والمؤسسات، وهو عهدنا للشهداء، الذين ارتقوا ليتسع الطريق".
فيما تستمر أعمال القتل والتعذيب والتحرش والاعتداء على النساء، يصر المجلس العسكري على تنفيذ مطلب الحصانة القضائية لأعضائه سبيلاً للخروج الآمن من الأزمة الراهنة
يرى الشارع السوداني أن الحصانة القضائية للمجلس العسكري تتناقض مع مطالبه ومع نص الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير، الذي يسعى لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات
ويبدو أن المعارضة تتجه إلى رفض هذا المطلب، إذ جدد تجمع المهنيين السودانيين تأكيده، في 14 تموز/يوليو، أنه لا تفاوض على الدم.
وأوضح في سلسلة تغريدات عبر تويتر أن "الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط وستطال العدالة كل المجرمين طال الزمن أو قصر، والمحاسبة قادمة لا محالة لكل فرد وجماعة". وقال أيضاً: "هذا دم لا دية له إلا الاقتصاص ممن يظنون أنهم محصنون ضد العدالة والمحاسبة ويد القانون".
"لا حصانة من الشارع وأمهات الشهداء"
وتعليقاً على مطلب الحصانة الذي يهدد بانهيار الاتفاق بين الفرقاء في السودان واحتمال عودة المواجهات إلى الشارع مرة أخرى، قال الكاتب السوداني نجيب عبد الرحيم أبو أحمد في مقال نُشر على موقع "الراكوبة"، يوم 16 تموز/يوليو: "بند الحصانة للانقلابيين (العسكر) رغم اعتراف ونفي بعضهم فض اعتصام القيادة الذي خلف مجزرة مروعة راح ضحيتها خيرة شباب الوطن وحدث ما حدث وغيرها من المذابح التي ارتكبوها، ورغم ذلك يطالبون بالحصانة، ينطبق عليه المثل الشعبي ‘الفي بطنو حرقص براهو برقص‘ أي قمتم بكل المذابح والتهمة مثبتة عليكم ولا حصانات ولا منصات تقدر تحميكم".
وأردف مخاطباً أعضاء المجلس العسكري: "لا تعولوا كثيراً على ممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير أن يمنحوكم صك براءة بالحصانة، لأن الذي يقرر في هذا الملف الذي زهقت فيه أرواح طاهرة وغالية من أجل دولة الحرية والسلام والعدالة هم مليونية الشوارع وأمهات الشهداء الثائرات وأهلهم وأصدقاؤهم وزملاؤهم الذين لا يخونون ويطالبون ‘الدم قصاد الدم‘ ولن يقبلوا الدية".
ويتقاطع المطلب العسكري الساعي للإفلات من العقاب مع حالة الغليان التي يعيشها السودانيون، وعبّروا عنها عقب عودة الإنترنت بعد أكثر من شهر على قطعه، في محاولة للتعتيم على انتهاكات فض الاعتصام. لكن عودة الإنترنت أحيت الصور ومقاطع الفيديو الصادمة لعمليات التعذيب والقتل الوحشي والتحرش بمتظاهرات وعاملات في القطاع الصحي.
في المقابل، زعم نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي) أن هذه الصور والفيديوهات "مفبركة"، قائلاً إن "مندسين وأجهزة مخابرات أجنبية" تقف خلفها. واعتبر قائد "الدعم السريع" أن قواته "تعرضت للظلم" في هذه الأحداث.
واعترف المجلس العسكري الذي تولى السلطة منذ إسقاط الرئيس عمر البشير في 11 نيسان/أبريل الماضي، بأنه أمر بفض اعتصام القيادة العامة في 3 حزيران/يونيو الماضي.
وتقول لجان طبية متصلة بالمعارضة إن الفض خلف أكثر من 128 قتيلاً، بخلاف الإصابات والمفقودين. فيما تصر الرواية الرسمية على أن عدد الضحايا 61 فقط.
ورفض المحتجون الجلوس إلى مائدة تفاوض مباشر مع العسكر بسبب أعمال القتل والانتهاكات ضد المتظاهرين. غير أن وساطة إفريقية/إثيوبية نجحت في عقد "اتفاق عام" بينهما لتقاسم السلطة لـ 39 شهراً، تنتهي إلى انتخابات حرة.
وكان مقرراً أن يلتقي الجانبان، مساء 13 تموز/يوليو، ثم أُجّل اللقاء حتى مساء 14 تموز/يوليو. ثم عادت المعارضة وأكدت أنها طالبت بالتأجيل 48 ساعة للتشاور وحسم موقفها من الوثيقة الدستورية، وهذا ما يرجح سعيهم إلى اتخاذ قرار نهائي بشأن مطلب الحصانة للعسكر.
وليس واضحاً إذا كانت المباحثات ستستأنف مساء 16 تموز/يوليو.
في سياق متصل، أكد المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وموفده إلى السودان نيكولاس هايسوم، في 16 تموز/يوليو، أن المنظمة الدولية تضع ثقلها خلف مبادرة الوساطة الإفريقية الرامية إلى نقل الصلاحيات من المجلس العسكري الانتقالي إلى سلطة بقيادة مدنية، لافتاً إلى أن الحكم المدني في البلاد يحتاج إلى "حماية من الجيش".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...