يُعتبر شهر رمضان موسماً إعلانيّاً غنيّاً، حيث تستغلّ مختلف الشركات فرص متابعة الجمهور لدراما وبرامج رمضان بكثافة، تجعلهم في سباق لإنتاج مواد إعلانيّة عن منتجاتهم المختلفة.
حيث وجد المصريين أنفسهم منذ سنوات بين إعلانات الكومباوندز التي تُعلن عن وحداتٍ سكنيّةٍ وفيلاتٍ بأسعارٍ تبدو خيالية للكثيرين، وبين إعلانات الزكاة وجمع التبرّعات للفقراء الذين يعيشون بدون أسقف أو مياه أو كهرباء، ومرضى لا يجدون دواءهم.
من "يا رايح أرض الأحلام" (عام 2000) و"الثورة تخمد الأحلام ولكن لا توقفها" (عام 2011) حتى اليوم: الترويج للكومباوندز على أنها أرض المستقبل والحلم
تنطلق إعلانات المجتمعات الجديدة (الكومباوندز) من بيع المستقبل، أما من هم خارج السور، من جمهور الطبقة الوسطى والمهمّشين، فهذه الحياة "للفرجة بس في الإعلانات".
يارايح أرض الأحلام سنة 2000
شاهد رمضان الألفيّة الجديدة أوّل إعلان لمجمّع سكني خارج القاهرة في 6 أكتوبر، وهو دريم لاند، وكان إعلاناً بسيطاً صُوِّرَ في مناطق العمل الإنشائيّة للمدينة، مع لقطاتٍ من مساحات الجولف، وصورٍ حيّةٍ لمدينة الملاهي المرفقة بالمدينة.
اتخذ الإعلان خلفيّةً موسيقيّةً من أغنية "يارايح" لرشيد طه، التي تتحدّث في الأصل عن الهجرة والابتعاد عن الوطن، واستبدل الكلمات بأغنيةٍ مرحةٍ عن أرض الأحلام التي ستمتلئ بالفنِّ والسحر والرفاهية.
2010 الحلم أصبح حقيقة
خلال السنوات العشر التي سبقت عام 2010، بُنيت آلاف الوحدات السكنيّة بنظام الكومباوند ذي الأسوار العالية، مثل مدينة الرحاب التي انطلقت عنها الدعوات كأوّل مجمّعٍ سكني أنشأه القطاع الخاص.
أعلنت شركة معمار المرشدى عن وحداتها، مقدّمة في الإعلان التصميمات المقترحة لكومباوند "دجلة بالمز" التي بدأت الأسعار فيها من 103 ألف جنيه ومقدّم 9900 وقسط شهري 600 جنيه، ووعد بوجود مساحاتٍ خضراء وبحيراتٍ وخدماتٍ، مع الحفاظ على صورة الأسرة الصغيرة التي تتكوّن من أب وأم وابن أو ابنة في تمام السعادة والهناء في حياة الكومباوند.
2011 الثورة تخمد الأحلام ولكن لا توقفها
بدأ رمضان 2011 في 31 يوليو، أي بعد ثورة 25 يناير التي طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعيّة، بسبعة شهور، وفي خضمِّ الأحداث الثوريّة وأخبار القبض على المستثمرين الكبار والانفلات الأمني في المجتمعات الجديدة التي جعلت الشباب يعودون لبيوت أهاليهم في مركز القاهرة خوفاً على حياتهم.
وعليه فإن الإعلانات مالت لعودة خطاب الطبقة الوسطى باعتبارها بيضة الميزان وأولاد البلد الجدعان واللمّة والصُحبة، واختفت في تلك السنة الإعلانات عن المنتجعات والكومباوند الجديدة ولكنها أكملت عمليات الإنشاء والبناء.
رمضان 2013 أعادت شركة "ماونتن فيو" حلم الكومباوند للإعلانات والتي بدأت مجموعةً من الإعلانات القصيرة كان أبرزها إعلان يبدأ برجل أعمالٍ يتحدّث مع شاب عن ذكريات الباربكيو في كاليفورنيا وإدخاله الخلطة المصريّة في الشواء، ثم يُفاجَئ بدخول شاب "بلطجي" يركب موتسيكل ويسمع أغاني مهرجانات ويطلب منه كبدة، ويغلق الإعلان على دهشة رجل الأعمال ويظهر الحلّ في التعقيب الصوتي:
" لو عايز تديها بيكنيك في الويك اند يبقى لازم تسكن في ماونتن فيو"
رمضان 2014 الحلم راح المصيف
بعد أن تجسّد حلم الكومباوند في ثلاثة محاور هي، الأمان، الخصوصيّة والابتعاد عن الزحام، تحرّكت الشركات الإعلانيّة لبيع نفس الحلم ولكن في المصيف، وعليه فقد انطلقت شركة "موسى كوست" بإعلانٍ عن رجلٍ يبدو من أسرةٍ متوسطةٍ، يحكى لأولاده عن شاطئ بسيط، قصّة تحكيها دمية وهم في حالةٍ من الملل، وسرعان ما يخرج التعقيب الصوتي المعلن عن البحر والبيسين والألعاب المائيّة والسهرات الذي سيوفّره امتلاك شاليه في "موسى كوست" غير معروف الثمن ولكن بمقدّم 45 ألف جنيه وتقسيط حتى 6 سنوات.
بينما أكملت شركة معمار المرشدي بمجموعة إعلانات عن مشروعها "دجلة بالمز" في مدينة 6 أكتوبر، تبدأ جميعها بصوت رجلٍ في سن الخمسين مثلاً ويقول "عارف مين الواد اللي بيعجبني أوى اليومين دول؟ مستنكراً على الشباب اهتمامهم بوجود سيارة أو شراء أجهزة إلكترونيّة حديثة أو اصطحاب حبيباتهم إلى المقهى، بينما لا يفكّرون بشراء شقة، على الرغم من سعرها المناسب على حد قوله، الذي يبدأ بـ 103 ألف جنيه وتقسيط على 7 سنوات
وأيضاً:
وكذلك:
2015 الحلم يقدّم وعوداً أخرى
شهد رمضان 2015 انفراجة في إعلانات الكومباوند، واستعانت الشركات الكبرى بفنانين للإعلان عن مجمّعاتها الجديدة كشركة "موسى كوست" للفنان عمرو سليم، الذي أعلن عن الكومباوند متكامل الخدمات وكلّ شيء فيه حلو، الذي يبعد عن القاهرة 90 دقيقة، ويطلّ على البحر الأحمر، والذي يمكن تقسيط قيمته على سبع سنوات بقسطٍ شهري 2800 جنيه.
وقد اتهمت مبادرة "شفت تحرّش" الفنان عمرو سليم، بالتحرّش اللفظي والبصري بالممثلات في الإعلان، ووجدت في الإعلان تسليعاً للنساء واستخداماً وتشييئاً بقصد الدعاية والإعلان.
2016 ... الكومباوند هو الحل
لقد تعدّدت شركات العقارات التي أطلقت إعلاناتها على شاشات القنوات في رمضان أهمهم، "كنز كومباوند" و"استوريا بارك" و"جاليريا التجمع الخامس" و"الكوربة هايتس" الذي أكّد أن خريطة القاهرة تتغيّر، مشجّعاً على استغلال الفرص والشراء في الصحراء بسعر 4500 للمتر، وبمقدّم مائة ألف جنية، لأنها الاستثمار الأمثل، مستشهداً بان التجمّع كان صحرا.
وأيضاً:
بينما اصطحبنا الفنّانان ماجد الكدواني وأحمد عز، في مجموعة رحلات حول العالم ليؤكّدوا لنا أن "كومباوند ماونتن فيو إي سيتي إن" في التجمّع الخامس جمع كافة مميزات السكن العالميّة، فبعد أن خُطف الفنان ماجد الكدوانى في هوليوود وتعذر عليه التعامل مع الفرنسيين بسبب صعوبة الفرنسيّة، ولم يتحمّل الفنّان أحمد عز العزلة في جزر هاواي، وجدا جمال المعمار الفرنسي وخصوصية السكن في أميركا وجمال البحيرات وسحر الطبيعة في هاواي، ولكن وسط ناسنا الطيبين في ماونتن فيو إي سيتي إن.
ومنها:
وأيضاً:
2017 النوستالجيا وأشياء اخرى
أعدّت "موسى كوست" مفاجأتها الكبرى للجمهور بإعلانها الطويل 1:30 دقيقة والذي استدعى بعضاً من أشهر فناني التسعينيات وهم، منى عبد الغنى، حميد الشاعري، وهشام عباس، وإدراكاً منها لشهرة الفرق المستقلّة استعانت أيضاً بفريق شارموفرز، كلّ هؤلاء اشتركوا في أغنية تكوّنت من مقاطع أغانيهم الأصليّة، ممثلين مشاهد عن الاستمتاع برفاهيات المكان، من ألعابٍ مائيّةٍ ومقاهٍ وشواء على البحر الصافي وتحت السماء الصافية..
2018 الاحتراف في صناعة حلم تمايز الطبقة
لقد كان إعلان زيزينيا المعروف بإعلان زياد هو حديث كثيرين في رمضان 2018، حيث صوّر الإعلان رضيعاً يعاني من (الشحططة) اليوميّة في الزحام والتنقّل مع والديه، بين الحضانة والطبيب والسوبر ماركت، مصاحباً بتعليقٍ ساخرٍ بصوت شاب يستعرض تعذيبه في هذا الرحلة اليوميّة، وينتهي بتعقيبٍ صوتي بأن مشروع زيزينيا الذي سينتهي خلال عامين، متكامل الخدمات التي استعرضها جميعاً باللغة الإنجليزيّة، وبنفس الأدوات، أنتجت الشركة إعلاناً آخر حمل اسم حكاية آدم وعمرو الذين يعانون من ضيق شقتهم.
وأيضاً:
اما إعلان "بالم هيلز" المطلق تحت شعار "بداية الأمل لجميع الأشياء الجميلة"، فقد قُدِّم باللغة الإنجليزية معتمداً على مشاهد مستوحاةٍ من مجموعةٍ من اللوحات المأخوذة عن أعمال كبار الرسامين، مثل ديفيد هوكني، بيت موندريان، رينيه مارجريت، فان جوخ، وفريدا كاهلو، والذي أكّد أنه مُقدّم لشريحة معينة في المجتمع والتي تجيد الإنجليزيّة وتعرف قيمة تلك اللوحات.
وفي نفس السياق بدأت الفنانة يسرا إعلانها عن كمبوند "فيفث سكوير" بجملة "أنا ماشية في حياتي بمبدأ.. أحب الأسامى الكبيرة... عشان ليها تقل والتقل صنعة " كتاب السيناريو، ماركات الملابس الكبرى، المدارس والجامعات، وحتى الأطباء، منطلقةً لتؤكّد ثقتها في شركة المراسم التي تنشئ "فيفث سكوير كمبوند" الذي سيطوّر حياتنا.
وفي تناقضٍ واضحٍ ظهر إعلان للفنان هشام اسماعيل والفنان محمد طعيمه، اللذان مثّلا مشهداً بين طبيبٍ يعمل في تجارة الأعضاء والمريض الذي يفاوضه في أسعار أعضائه، لأنه سيشترى بقيمة أعضائه شقةً في كومباوند ليخرج لنا التعليق الصوتي " مش محتاج تبيع اللي وراك واللي قدامك واللي جواك عشان الرفاهية.. انت محتاج ميني كومبوند بريميم 3 بأرخص سعر للمتر 5750 وبتقسيط على 6 سنوات".
هذا وقد أنتجت شركة طلعت مصطفى إعلاناً يستعرض كافة الانشاءات السياحيّة والعقاريّة التي أنشأتها وعلى رأسها مدينتي، على أنغام أغنية "الله علّي خلى الفرحة في كلّ مكان" وقد غنتها نانسي عجرم.
2019 حلم الكومباوند العريق
أما الفنانة أصالة فقد جعلت من أغنيتها مدينتي، أو كما يطلق عليها رواد السوشيال ميديا "مدينتاااااي "التي أعلنت بها عن مدينة "مدينتي" التي أنشأتها شركة طلعت مصطفى، محور التعليقات في رمضان 2019، وذلك لأن الأداء الأوبرالي، واللحن الطربي الملحمي، واستخدام كلمات باللغة العربيّة الفصحى، أمرٌ استهجنه الجمهور في إعلان عن كومباوند.
أيضاً فإن صفتي العراقة والأصالة والقدم التي تألقت منذ بداية الأغنية "كنا هنا أنا وأنت والغرام " والحديث عن المدينة باعتبارها موطناً للذكريات، صفاتٍ تتعارض مع واقع العيش في المدينة التي بدأت المرحلة السكنيّة الأولى تسليمها عام 2013، فالورود والقصائد والأشعار لا تناسب إيقاع وطريقة الحياة التي يحيا بها سكان "مدينتي"، وفي الحقيقة سكان القاهرة كلّها..
تنطلق إعلانات المجتمعات الجديدة من بيع المستقبل، متيقنةً ومستغلّةً خوف جمهورها الأغنياء منه، وبحثهم عن التمايز الطبقي لهم ولأولادهم، فأيقونة الأسرة الصغيرة التي تحيا في مكانٍ مثالي هاربةً بأطفالها من زحام وتلوّث وجرائم القاهرة، تمثّل وكأنها النجاة من موت المدينة، وفي الحقيقة أنه لا نجاة أبداً من مدينةٍ غير مخططة، تركت إنشاءاتها للقطاع الخاص دون استراتيجيّة.
أما من هم خارج السور، من جمهور الطبقة الوسطى والمهمّشين، فهذه الحياة "للفرجة بس في الإعلانات"، لتظلّ هي الكابوس اليومي الذي يحتقر ممارسات حياة البسطاء، وسبل عيشهم بل ويشيطنهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع