هكذا يمضي الحال على الشاشات التلفزيونية العربية، بالأخص المصرية منها، التي ذهبت بعيداً عن وظيفة الإعلان وراحت تقدم سيلاً من الإعلانات التي أبعدت المشاهد عن الشاشة وجعلته يهرب إلى "اليوتيوب" ليتابع ما يحتاجه من مواد تثقيفية وترفيهية.
غض أصحاب القنوات الفضائية البصر عن المشاهدين، وتسابقوا إلى المعلنين لعرض بضاعتهم على الشاشات على أمل جذب المزيد من الأموال، وبالتالي استمرار عمل القناة. إلا أن هذه الفوضى الإعلانية التي جاءت غير خلاقة، يمكن أن تغلق عليهم كل الدوائر وتطرد المشاهدين، بل تدفعهم بمرور الوقت إلى إغلاق القناة تماماً كما حدث مع قناة "الفراعين" لمالكها توفيق عكاشة، الذي كان يشكو في آخر حلقاته من أنه بحاجة للإعلانات حتى لا يضطر لإغلاق قناته، التي لم تجد أي معلن، وهذا ما حصل في النهاية.
الشاشات العربية
في السعودية، يعتمد التلفزيون على الإعلانات بشكل كبير كوسيلة جذب للمتلقي غير أن الكم المعروض لا يصل إلى نصف المعروض على الشاشات المصرية بحسب تأكيد فهد إبراهيم، 35 عاماً، فنان تشكيلي، يقول: في أوقات عرض البرامج المهمة فقط تزداد الإعلانات بشكل كبير، أما في الأوقات العادية فتكون بمعدل متوسط، ومن خلال متابعتي للقنوات المصرية في أغلب الأحيان يمكن التأكيد أن ما تعرضه كبير لدرجة أني أشعر بالملل فعلاً. via GIPHY وفي العراق، أكد المخرج نوار المرهون، 30 عاماً، أن أغلب القنوات تعرض معدلات كبيرة من الإعلانات لتوفير النفقات، خصوصاً بعد الظروف المالية التي يعاني منها المجتمع العراقي، الأمر الذي يدفعه إلى مشاهدة المواد المفضلة لديه على موقع اليوتيوب. ورأى نوار أن معدلات عرض تلك الإعلانات أقل من معدلات العرض على الشاشات المصرية. أما في الإمارات فقد كشف حاتم السراج، 38 عاماً، مهندس برمجيات، أن أغلب المشاهدين يتابعون المواقع مثل شاهد Shahid و wavo رغم أن معدل عرض الإعلانات على القنوات الإماراتية متوسط، ويزداد مع عرض برامج التشويق والتسلية، وأكد أنه يتابع القنوات المصرية فقط ليتعرف على الجديد في الإعلانات لأنها أصبحت أكثر من المواد المعروضة. وفي قطر، تنتشر الظاهرة نفسها. قال حمد بدوي، محاسب، 29 عاماً، إن الجمهور غير مهتم بالتلفزيون في المقام الأول، ورغم قلة الإعلانات بالتلفزيون فإن الغالبية تعتمد على الإنترنت لمتابعة ما يحلو لها، خصوصاً أن المتابعة على "اليوتيوب" تتيح عرض أي مادة دون الالتزام بوقت معين. وفي الجزائر، قال أمجد واصف،31 عاماً، باحث في علوم البيئة، إن الإعلانات قليلة خصوصاً أن الاعتماد الأكبر يبقى على "البانرات" في الشوارع وهو ما يتيح للمشاهد متابعة ما يحلو له على الشاشة . وفي المغرب، قال المخرج السينمائي سليمان طلحي، 45 عاماً: في البداية كان لدي مشكلة لدى مشاهدة المسلسلات نظراً لكثرة الإعلانات فيها لدرجة أني بمرور الوقت لم أعد أشاهدها رغم أني أحبها وأعرف أنها تطرح قضايا أكون شغوفاً بها. وتابع لرصيف22: "لم أعد أشاهد المسلسلات، وأفضل مشاهدتها عبر "اليوتيوب" حتى أتفادى كثرة الإعلانات. لكن الإعلانات بمصر أكثر بكثير من الإعلانات بالمغرب. القيمة الإبداعية من كثرة الإعلانات تضررت وأصبحت تعيش أزمة حقيقة، وهذا ربما راجع إلى عدم إيجاد إطار قانوني واضح لتأطير هذه العملية حتى يُحافظ على العملية الإبداعية كي تبقى في صورتها التي رسمها المخرج وطاقم الفيلم أو المسلسل". via GIPHY ويقول شهدي راغب من الكويت، محاسب، 36 عاماً، إن أغلب الجمهور الكويتي يتابع netflix واليوتيوب هرباً من الإعلانات وكذلك من المحتوى الذي تقدمه بعض القنوات التي فشلت في جذب المشاهد بسبب ما تعرضه من أعمال وبرامج لا تتناسب مع قضايا العصر الحديث، وبالتالي يجد المتلقي الخلاص في اليوتيوب وnetflix إذ يمكنه متابعة كل ما هو جديد من أعمال سينمائية ودرامية في نفس توقيت عرضها في أمريكا، كما يمكنه إذا كان من هواة الأعمال التراثية أن يستمتع بها بدون فواصل إعلانية، وكل هذا مقابل 10 دولارات.مصر غير
في مصر، يُقسم الناس القنوات بحسب عرضها الإعلانات إلى ثلاث فئات، الأولى تضم القنوات الحكومية، التي خرجت من سباق المنافسة مع الفضائيات الخاصة على جذب المشاهد بسبب ضعف المحتوي برغم أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون يمتلك كنوزاً إعلامية لا تقدر بثمن. تلك القنوات ربما تعرض إعلانات تُعد على أصابع اليد الواحدة على مدار اليوم ورغم ذلك لا تجذب المشاهد بسبب ضعف المحتوى، باستثناء البسطاء في القرى والنجوع الفقيرة، والذين لا يعرفون الكثير عن التقدم التكنولوجي والسماوات المفتوحة. أما الفئة الثانية فهي تضم الفضائيات التي باتت تعرض كماً كبيراً من الإعلانات على مدار اليوم وتزداد الجرعة خلال عرض المسلسلات المملوكة "حصرياً" للقناة أو وقت عرض الأفلام الحديثة وبرامج التوك شو التي تعتمد على كبار نجوم الإعلام. تلك القنوات باتت تواجه خطر الإغلاق بسبب إحجام الجمهور عن متابعتها ومتابعة ما تقدمه من أعمال على اليوتيوب هرباً من طوفان الإعلانات المعروضة على مدار اليوم. via GIPHY نأتي للفئة الثالثة وهي قنوات "بير السلم" التي تعمل دون ترخيص داخل الدولة، وتعتمد على سرقة الأفلام المعروضة حديثاً.الجمهور يقول كلمته
أحمد عبد الحكيم، طالب بكلية الحقوق، جامعة القاهرة، قال: إحنا داخلين على رمضان، عارف ده معناه إيه؟ معناه إننا هنستقبل كمية إعلانات لا حصر لها، وطبعاً كلها مهمة وضرورية للقنوات عشان تصرف عليها وعشان تعوض الملايين الطائلة اللي اشترت بها المسلسلات. مش بركز مع التلفزيون أوي غير في شهر رمضان عشان أتابع المسلسلات، وطبعاً بشوفها كلها على اليوتيوب لأني ما أقدرش أستحمل هذا الكم من الإعلانات. إحنا في رمضان بنشوف إعلانات وبينها مسلسلات مش مسلسل وبين مشاهده فواصل إعلانية. وقالت منة الله كمال، 28 سنة، خريجة كلية إعلام، بجامعة القاهرة: في السابق كانت الإعلانات تُعرض قبل وبعد المسلسل أو الفيلم أو المباراة أو أي ماده مهمة تجذب المشاهد، الآن أصبحنا نرى فيضاً من الإعلانات كل 15 دقيقة، رغم أن أصحاب القنوات والقائمين عليها عارفون أن الناس لا يتابعونها.من زاوية أخرى
يقول الإعلامى د. عبد البديع فهمي لرصيف22: أصبحت ظاهرة كثرة الإعلانات لافتة للنظر لأن المساحة الإعلانية التي تتخلل المسلسلات الدرامية أصبحت كبيرة جداً وتمثل إزعاجاً للمشاهد من ناحية، ومن ناحية أخري تؤثر سلباً على تماسك الحلقة ويؤدي ذلك إلى ضياع الخط السردي، بل إلى انهيار العمل الدرامي. من هنا ربما يكون الحل في دفع القنوات الفضائية أسعاراً أكبر لشركات الإنتاج تناسب تكلفة الإنتاج. وقال الدكتور عبدالله توفيق، أستاذ الإعلان بكلية الآداب جامعة طنطا، إن حمى الإعلانات تجعل المشاهد في كثير من الأحيان ينسى المسلسل أو الفيلم، لذا نناشد الهيئة العامة للإعلام تحديد المدة المسموحة لعرض إعلانات خلال الأعمال الدرامية على غرار معظم دول العالم. ويختم: إذا أرادت تلك القنوات أن تحقق المعادلة الصعبة وتحافظ على المُعلن والمتلقي، فعليها تطبيق نظرية "ساعة المادة الإعلامية" التي تنص على أن الساعة الواحدة لا يمكن أن يتخللها إعلانات تزيد عن 8 دقائق، لأنها إذا لم تفعل ذلك فسوف تقضي المواقع الإلكترونية عليها وستدفعها بمرور الوقت إلى الإغلاق.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...