يراوغك كمال الرياحي لمدة "ثلثي رواية"، فيوهمك أن ما تقرأه هو الحكاية الحقيقية لبطله، وكصفعة قاسية يكشف لك في الثلث الأخير حقيقة ستغيّر مجرى الرواية. تؤلمك الصفعة، وتدرك أن عليك أن تظل صاحياً في ما تبقى من صفحات، كي لا تقع في الفخ من جديد، وكي تفكك العقد التي نسجها وسينسجها لك.
"ناديا أيضاً وقفت قبل سبعة عشر عاماً وقفتها تلك عند باب المرآب تخيّرني: أنا حبلى فهل ستبقى معي؟ (...) كانت لا تزال متزوجة عندما طلبت مني الزواج. كانت تقول إنها فقط تصفّي بعض الأمور العالقة. ولكنها ستطلقه. كيف لي أن أختار بين البقاء معها والجنين وبين تركها بعد انتظارات السنين. لم أكن أنتظر شيئاً منذ تركتني ونحن بالجامعة واختفت”.
يصف الكاتب الطبقة الأرستقراطية في المجتمع، ويفضح ممارساتها، وكيف أنها تسخّر الجميع لخدمتها، ولتحقيق مصالحها بأي ثمن. الكاتب "كمال" يصبح كاتباً لأنه يتعامل مع مجموعة من طلبة "الدراماتورجيا" حيث يحتجزهم في قبو، كي يكتبوا له مسلسلات تلفزيونية يوقعها باسمه، مقابل الكثير من المال الذي يؤمن وصوله إلى عائلاتهم. أما زوجته "ناديا"، فتقيس كل شيء بالمال والمصالح، كل شيء لديها قابل للتحويل إلى صفقة رابحة، حتى رحلات الصيد مع الأصدقاء تتحول إلى حفلات صيد لعقود الدعاية والإعلان، وفي سعيها لتحقيق متعتها وسعادتها لا توفر أي فرصة، تمارس شذوذها إلى أقصاه، ولكن في الخفاء، فالمهم هو الحفاظ على "برستيج" العائلة.
بعد مضي أكثر من ثلثي الرواية يفجّر كمال الرياحي أولى مفاجآته، فيكشف أن كل الصفحات السابقة التي قرأناها ما هي إلا يوميات كتبها "كمال اليحياوي" وهو في مشفى السجن، الذي اقتيد إليه بعد أن اتهمته زوجته أنه قتل ابنتها "سارة". هذه اليوميات "هلوسات" لا أكثر، و"حياة"، العشيقة السرية التي خيّرته بين تركها أو البقاء معها، فليس لها وجود، بل هي مجرد وهم عاش معه، بعد أن بدأت "ناديا" بتنفيذ خطتها لتحطيم أعصاب زوجها الخائن. "منذ الأيام الأولى لزواجنا، كلما سافرت يأتي بذلك الشيء البدين إلى فراشي المتعب من فرط الخيانات. قضم قلبي مثل فأر لذلك دمرت له أعصابه. مسخني فمسخته مطبّقةً عليه الطريقة الأميركية. حبة في الحليب صباحاً وحبة في كأس النبيذ ليلاً. ستة أشهر كاملة حتى رأيت بداية النتائج. ليلتها ناداني "حياة". عرفت أن اللعبة بدأت مع ذلك السافل”.
غير أن المفاجآت لن تتوقف هنا، فالكاتب مغرم في روايته بنصب الفخوخ للقارئ، ضمن حبكة بوليسية، يشرك فيها سبعة أشخاص أنذال يتبادلون الخدمات، خالطاً أوراق اللعب بينهم جميعاً، فيما "سارة" الفتاة المراهقة ذات السبعة عشر عاماً هي الخاسرة الوحيدة في لعبة لا تعرف قواعد نذالتها.
تجتمع الخطوط كلها وتتشابك مصائر الجميع، حين يعود والد "سارة" ليطالب بها، فيخاف الزوج الجديد "كمال اليحياوي" أن تتركه "ناديا" وتعود إلى زوجها السابق، تزداد هلوساته، وخيالاته، يقتل قطة صديقه "إيفو" ويكتب له رسائل، فيما "حسن" العشيق السري للأم وابنتها ينتظر الفرصة للانقضاض وتصفية حساباته مع الجميع، و"بوخا" القاتل المأجور جاهز في خدمة كل من يريد التخلص من ورطة.
هكذا، توقع الرواية القارئ مرة أخرى في شراكها: من هو "النذل" المقصود في العنوان، وكل واحدٍ من هؤلاء أنذل من الآخر، وكل واحدٍ فيهم محاطٌ بالعشيقات؟ وممّن حملت "سارة" قبل مقتلها: من "حسن" أم من "إيفو"؟ ما الذي يعرفه "إيفو" ويخفيه عن الجميع، وما سر تلك الرسائل التي يخفيها والتي يريد الجميع الحصول عليها؟ ثم الأهم : من قتل سارة حقاً؟ أسئلة كثيرة تحوم وتحوم والكاتب يتسلى باستخدام أشكال سردية مختلفة في الرواية: حوارات، رسائل، أخبار صحفية، مونولوجات داخلية، أحلام وكوابيس... هو يراوغك وأنت "تركّز" محاولاً أن تنهي الرواية قبل أن ينجح في خداعك مرة أخرى.