شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مراجعة لرواية  “جدائل صعدة”

مراجعة لرواية “جدائل صعدة”

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 27 مايو 201601:29 م
يستخدم مروان الغفوري في روايته الأخيرة “جدائل صعدة” شكل الرسائل المتبادلة بينه وبين بطلة روايته طريقةً للسرد، فتكون الرواية كلها عبارة عن رسائل تقصّ  فيها “إيمان” حكايتها لشخصية المؤلف الحقيقية، ورسائل يردّ فيها هو على تساؤلاتها، يحفزها على الاستمرار في الكتابة، يذكّرها بأحداث روتها له قبلاً، وينقل لها ما تثيره رسائلها في داخله من مشاعر وذكريات.

النقطة التي ينطلق منها الغفوري لبناء حبكة روايته هي أن لدى “إيمان” حكاية تريد أن تخبره عنها، كي يرويها هو لقرائه، لأنها لا تريد أن تموت هذه القصة وتنتهي بموتها، “عزيزي الكاتب مروان الغفوري، أنا فتاة من محافظة صعدة. اسمي إيمان، وهذا مجرّد اسم مستعار. لدي قصة. في الحقيقة أنا قصة. إذا وجدت في نفسك الرغبة لسماعها أبلغني. لا أدري كيف سأسردها عليك، ولا كيف سترويها لقرائك. أشعر برغبة في الموت وأخشى على قصتي أن تموت مثلي، أو معي”.

في رسائلها تخبره “إيمان” أنها تعيش لدى امرأة عجوز في صنعاء، إذ تركت بلدتها في محافظة  “صعدة” وأتت إلى العاصمة، بسبب “خطيئة” لم ترتكبها. بطنها انتفخ وبدأت الأقاويل والشائعات تسري في البلدة عن حَملها، ثم بدأت القصة تتضخم مع تضخم بطنها، وبدأ الأهالي ينسجون الحكايات حول علاقة غرامية تربط الفتاة المراهقة بمدرّس القرية.

تصوّر “إيمان” في رسائلها مجتمع البلدة المنغلق، الذي يكبّل المرأة بقيود من العادات والتقاليد الظالمة، وكيف أنه يمارس سطوته في حرمان الفتيات من التعلّم. وتشير إلى حروب صعدة الست الشهيرة، تلك الحروب التي قامت بين الحكومة والحوثيين بين 2004 و2010، لكنها لا تذكر تفاصيل الصراع السياسي وأسبابه، بل تنقل معاناة سكان البلدة، وتأثرهم بالحرب التي لا يعرفون فيها من المنتصر ومن المهزوم. هكذا تحكي كيف اشترك أخوها “حسن” في بعض هذه الحروب، لتجرّه إلى العنف والقسوة والتجرد من الإنسانية، رغماً عنه، فيقرر بعد عودته من إحداها ألا يشترك مجدداً في أي حرب تنشب. “كان كأنه يحدّث نفسه: كم أمقت هذه الحرب من قلبي. نسافر مع أناس لا نعرفهم لنقتل أناساً لا نعرفهم، وينتصر آخرون لا نعرفهم. حتى المهزومين لا نعرف منهم أحداً. سألت نفسي ألف مرة وأنا منبطح على بطني في الآكام والوديان: ما الذي سيحدث لو انهزمنا أو انتصرنا. في الحالتين سنعود إلى البيت أو سنموت”.

تمتد الرسائل فترة زمنية صغيرة نسبياً هي شهر ونصف الشهر من مطلع عام 2014، ولكنها تلخص سنوات طويلة من حياة الشخصيات التي تحكي عنها “إيمان”، والتي أولاها الكاتب الاهتمام الأكبر، إذ نراه يمرَّ على الأحداث السياسية في اليمن، كإنطلاق الثورة 2011، مروراً سريعاً، وكأنه يريد القول إن الأهم والأسمى هو الإنسان، لا الثورات ولا الحروب ولا أي شيء آخر.

يشير الروائي أيضاً إلى الأقلية اليهودية الموجودة في اليمن من خلال شخصية “شمعة”، التي تربطها علاقة صداقة مع عائلة “إيمان”، غير أن الحروب والفتن التي قامت، والصراعات المذهبية، قلبت الأمور وجعلت هذه العائلة البسيطة تنحو إلى التعصب والتشدد، وترى في الآخر اليهودي عدواً، يجب تجنبه وعدم الاختلاط به. هكذا تحذر الأم ابنتها “إيمان” من الذهاب مجدداً إلى بيت “شمعة”، وبعد ذلك بفترة قصيرة يتم ترحيل اليهود عن القرية.
تسلط الرواية الضوء على “الهاشميين”، أي المنحدرين من نسل بني هاشم، وكيف أنهم يمارسون سطوتهم على الناس، ويرون أنفسهم مصدر بركة وخير. تروي “إيمان” كيف كان الناس يأتون إلى منزل والد صديقتها “صفية” حين يمرضون أو يصيبهم مكروه للتبرّك والشفاء، وإذا ساءت حال المريض فإن أحداً لا يجرؤ حتى على التفكير أو مجرد الملاحظة أن بركات “السيد” لم تجدِ نفعاً.

وتبعاً لأن “الهاشميين” يرون أنفسهم أعلى شأناً وأرفع منزلة من غيرهم، فإنهم لا يزوّجون ولا يتزوّجون من خارج الأسرة الهاشمية، حتى لو بقيت الفتاة دون زواج، هذا ما حصل مع السيدة التي عاشت “إيمان” في بيتها، بعد أن غادرت قريتها وذهبت إلى “صنعاء” لعلاج بطنها المنتفخ، “كانت سيدة هاشمية عذراء. لم تتزوج لأن الشباب الهاشميين في صنعاء أخطأوها. أحبت من خارج أسرتها الهاشمية، وكالعادة لم يجرؤ عاشقها حتى عن سؤالها ما إذا كان ممكناً أن يأتي لخطبتها. “حتى أنا لم أطلب منه ذلك، كنا نحن الاثنين نعرف مصير حبنا ونستسلم له، قالت السيدة”.
 
بسلاسة وخفّة وبعض الومضات الشعرية، تمضي صفحات الرواية. نقرأ الكثير من المشاعر، والذكريات، والحكايات، ونقرأ عن الأسوار غير المرئية التي تفصل البشر في صنعاء، عن الفقر والثراء، عن الحب والكراهية، عن الحروب والتوق إلى السلام. نقرأ عن جدائل “إيمان” التي “تنسدل من أعالي الجبال وتبلغ أسفل الوادي، فتمشطّه الجنيات وتختبئ خلفه الخيول والقوافل والفرسان".
 
مروان الغفوري كاتب يمني من مواليد تعز عام 1980. يقيم في ألمانيا حيث يعمل طبيباً لأمراض القلب.  فازت مجموعته الشعرية “ليال” بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2004، وله ثلاث روايات: “كود بلو"، “الخزرجي"، و“جدائل صعد".
الناشر: دار الآداب/ بيروت
عدد الصفحات: 240
الطبعة الأولى: 2014
يمكن شراء الرواية على موقع Arabicbookshop

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image