حملة مشددة أطلقتها السلطات الألمانية في الفترة الأخيرة ضد المساجد السلفية، بعد اتهامها بدعم التطرف والعنف وبنشر الكراهية. وتثير الحملة المستمرة منذ عدة أشهر العديد من التساؤلات حول حجم وخطورة السلفيين الحقيقية على المجتمع عموماً وعلى المسلمين خاصة.
أصبح السلفيون بمثابة "الكابوس" الذي يؤرق الشرطة في السنوات الأخيرة. ويثير ذلك أيضاً التساؤل حول أسباب تنامي أعدادهم، وإستراتيجية الأمن حيال ذلك.
فوفقاً لتصريحات رئيس هيئة حماية الدستور هانس غيورغ ماسن "إن جهاز الاستخبارات الداخلي رصد 44 ألف متشدد، لكن الخطر الأكبر تشكله المجموعات السلفية التي تزايدت أعدادها من 3800 شخص عام 2011، إلى 9700 اليوم". وأرجع ذلك إلى الحرب في سوريا وظهور "داعش"، مشيراً إلى أن التحقيقات أثبتت أن معظم الألمان ممن سافروا للقتال في سوريا والعراق كانوا على صلة بهذه الجماعات.
ووفقاً لتقرير صادر عن الهيئة في 2015، ليس لدى ألمانيا معلومات أكيدة عن عدد المنتمين للقاعدة، والقاعدة في بلاد المغرب، والقاعدة في الجزيرة العربية، وجبهة النصرة، وتنظيم داعش. أما السلفيون فالتقرير يذكر بدقة أن عددهم في عام 2014 كان 7 آلاف، وفي عام 2015 وصل إلى 8350.
لكن في فقرة لاحقة يقول التقرير إن حملة "اقرأ" لتوزيع نسخ القرآن المترجم التي نظمتها جمعية "الدين الحق" السلفية في عام 2011، والتي تمكنت من خلالها من توزيع ملايين النسخ المترجمة للقرآن، قد وجهت الأنظار إليهم، فرصدت أجهزة الأمن أفراداً على صلة بنشاط الحملة حاولوا تجنيد آخرين للذهاب إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق. وفي ديسمبر 2016، أي بعد 5 سنوات، صدر قرار بإغلاق الجمعية دون اعتقال أحد من أعضائها.
وفي هذه النقطة، يرى المحلل المتخصص في الشؤون الألمانية لؤي المدهون أن السلطات الألمانية لديها أدلة كافية وقانونية لإغلاق هذه الجمعيات، لكنها لا تملك على ما يبدو أدلة دامغة تدين الأشخاص المسؤولين عنها.
ومما يشير إلى القلق الكبير من هذه المجموعات، التصريح الصادر من وزير الخارجية الحالي زيغمار غابرييل، نائب المستشارة الألمانية حينذاك، في 6 يناير 2017، بأنه يجب إغلاق جميع الجمعيات والمساجد السلفية معتبراً أنها تنشر الكراهية في المجتمع، ومشدداً على أن ألمانيا ترحب بالمسلمين المعتدلين.
ويرى ألبرشت فوس، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة "ماربورغ"، أن السلفيين يشكلون خطراً على الدولة لأنهم "تمكنوا من تجنيد المسلمين من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين في ألمانيا والذين يعانون من أزمة هوية، بالإضافة إلى الشباب الألماني الذي أسلم حديثاً ويبحث عن معنى لحياته". وبرأيه فإن ذلك شديد الخطورة لأن "الشباب تتم تعبئتهم بالكراهية والاضطهاد ويصبحون قادرين على ممارسة العنف".
ويتفق معه في ذلك خضر عبد المعطي، مدرس الأدب العربي وعلوم القرآن في جامعة برلين. وقال لرصيف22 "إن سلوكيات المجموعات السلفية كانت سبباً في الاتجاه المضاد للمسلمين في ألمانيا وفي أوروبا بشكل عام في الفترة الأخيرة، فنبرة التحدي التي يتبنونها في إعلان توجهاتهم، أضرت بالمسلمين في وقت يتنامى فيه اليمين المتطرف في أوروبا كلها، مشيراً على سبيل المثال، إلى حملة "إقرأ" التي كانت برأيه من الأسباب التي استفزت المجتمع الألماني، وأثارت المخاوف من السعى إلى أسلمة ألمانيا.
تساؤلات عن حجم وخطورة السلفيين الحقيقية على المجتمع الغربي عموماً وعلى المسلمين خاصة... هل يبالغون؟
هل يشكل السلفيون خطراً فعلياً على الدولة؟ وكيف يمكن التعامل مع الموضوع من دون السقوط في الإسلاموفوبيا؟
وعن أسباب انضمام بعض الشباب للحركات السلفية في ألمانيا يرى عبد المعطي، "أن الفراغ الديني وعدم وجود أساس عقائدي سليم، يسهل لهذه المجموعات استقطاب هؤلاء الشباب ويتمكنون من خداعهم بدعوات دخول الجنة عبر الالتزام الشكلي بأسس الإسلام".
ويضيف عبد المعطي، الذي يعيش في ألمانيا منذ أكثر من 20 عاماً، في شرحه لخلفيات هؤلاء، أن "معظم من ينتمون إلى الفكر السلفي في ألمانيا هم من الألمان وليسوا من مهاجرين جدد، ويعرفون القوانين التي تسمح لهم بالانتماء لأي فكر لأنهم تربوا ونشأوا على ذلك، وعندما يعتنق بعضهم الإسلام، يعلنون التحدي طالما أنهم لا يخالفون القانون".
وعن أسباب انضمام الشباب للحركات السلفية، قال أستاذ الاجتماع في جامعة منستر للعلوم التطبيقية الدكتور علاء المفعلاني لرصيف22: إن الذين التقيت بهم جميعهم يرفضون القول إنهم سلفيون ويكتفون بالقول، "نحن مسلمون"، لكن أسلوب تدينهم يتطابق مع ما نفهمه عن السلفية.
وأضاف المفعلاني، الذي قام بالعديد من اللقاءت مع شباب سلفيين، كجزء من دراساته التي تركز على الهجرة والسياسات الاجتماعية، إن هؤلاء الشباب يشعرون بالفعل بالتمييز والاستبعاد من المجتمع، ويبدأون في تبني الفكر السلفي كثقافة حياة تعطي معنى لحياتهم".
ويتابع أستاذ علم الاجتماع أنه تبين أنهم "لا يريدون فقط عزل أنفسهم عن أسرهم، ولكن أيضاً عن الأغلبية المجتمعية. ويفعلون ذلك كرد فعل، حتى يتمكنوا من تحقيق الوضوح في السياق الاجتماعي".
سلسلة المداهمات والاعتقالات التي استهدفت الحركة السلفية، كانت مختلفة هذه المرة، حيث يرى مراقبون أن السلطات الألمانية تريد أن تثبت قدرتها على محاصرة هذه المجموعات، وإرسال رسالة مفادها أنه لن يتم التسامح مع التطرف.
منذ نوفمبر الماضي نفذت حوالي 100 مداهمة في 10 ولايات من أجل الحصول على أدلة لإدانة الجمعيات السلفية. في نوفمبر 2016 تم حظر جمعية "الدين الحق" السلفية. في ديسمبر منعت جمعية فصلت 33. في 1 مارس 2017 حظرت جمعية "دائرة الاسلام". وفي 23 مارس تم حظر جمعية المدينة الثقافية الإسلامية.
ويرى المدهون في ذلك رسالة إلى المجتمع الألماني مفادها أن الدولة تعمل على حمايتهم وتستطيع فرض القانون، بعد اتهامات بالتراخي الأمني بسبب بعض الحوادث الإرهابية آخرها قيام التونسي أنيس العامري باقتحام أحد أسواق عيد الميلاد بشاحنة مخلفاً 12 قتيلاً و48 جريحاً، وهو ما استغله اليمين المتطرف ضد الحكومة.
بعض المعلقين أيضاً في وسائل الإعلام الألمانية انتقدوا الأجهزة الامنية، معتبرين انها لا تمتلك خطة واضحة المعالم للتعامل مع هذه الجماعات التي تعادي "المجتمع والديمقراطية"، على حد قولهم.
ويعتقد المفعلاني أن الحل الأمني وحدة لن يكفي ومن الصعب على الأجهزة الأمنية تفكيك هذه الشبكات التي تأسست بالفعل منذ عدة سنوات، ويرى أن "اتجاه المانيا نحو تدريس الإسلام المعتدل والاعتراف بالإسلام قد يؤتي بنتيجة ولكن ذلك يحتاج إلى عقدين من الزمن على الأقل".
أحمد عويمر، مفوض شؤون الحوار والكنيسة في المجلس الإسلامي، قال لرصيف22 إن التضييق الأمني قد يخلق متعاطفين معهم وليسوا منتمين بالمعنى الحركي. لذلك يجب التركيز على من يجنحون للعنف".
ويقول عويمر إن عدد المساجد في ألمانيا يصل إلى 2700 مسجد من بينها حوالي 20 كانت تتبنى الفكر السلفي، لكن السلطات أغلقت البعض منها.
ويضيف أن الوضع الآن اختلف عما كان الحال عليه منذ 5 سنوات، فكان السلفيون في ألمانيا يثيرون الكثير من الجدل واللغط، مستغلين مناخ الحرية الذي يوفره الدستور الألماني.
وتابع أن سبب الانتشار الأولي لمجموعات السلفيين هي أن بعض المساجد كانت تدعو أئمة من الألمان لأنهم أصحاب اللغة وهم أقدر على مخاطبة الشباب الألماني، وكانت المساجد في البداية تدعو رموزهم مثل "بير فوغل"، و"سيفين لاو" لهذا الغرض، لكن بعد اكتشاف سطحية الأفكار من ناحية والتشدد المخالف للدين بدأت المساجد ترفض وجودهم حتى قبل أن ينتبه لهم الأمن.
وعن دور المجلس الإسلامي في مواجهة الظاهرة، قال عويمر إنه للأسف هم يرفضون الحوار، وعندما رفضت بعض المساجد التعامل معهم قاموا بتهديدها، وقام فوغل بعمل قائمة سوداء بالمساجد التي ترفضهم، بل قاموا بتهديد مسؤولي المجلس الإسلامي، ولكنها كانت تهديدات جوفاء، على حد قوله.
المساجد عموماً والسلفية خصوصاً متهمون بممارسة أنشطة خفية مثل جمع التبرعات لتمويل منظمات جهادية، كما أنها متهمة بأنها تعمل على تجنيد الشباب للسفر إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق، كما ورد في تقرير وكالة حماية الدستور.
وأكد عز الدين حماد، مدير مركز ومسجد النور في برلين، والذي يوصف بأنه سلفي، لرصيف22 أن العنف مرفوض من أي فصيل. لكنه يرى أن التهويل الإعلامي هو السبب في هذا الفزع من المسلمين أياً كانوا سلفيين أو غير سلفيين.
ويؤكد حماد أن أبواب مسجده مفتوحة على مصرعيها وأن لا شيء يتم إخفاؤه، مشيراً إلى أن السلطات تدرك أن مسجده يعمل في خدمة المجتمع الإسلامي، وهناك إقبال كبير عليه وعلى المدرسة الملحقة به، وهناك دروس لتعليم اللغة العربية وعلوم الدين، وغيرها من الأنشطة.
ويشير إلى أنه كان دائماً على استعداد للقاء الصحافة الألمانية التي كانت تأتي للاستفسار وطرح الأسئلة، إلا أن كافة التقارير تظهر بعد ذلك محرفة ومأخوذة من سياقها، مؤكداً أنه يرفض الآن الحديث مع الإعلام الألماني.
ويرى أن الحملة الأمنية والإعلامية في ألمانيا والأوضاع في الشرق الأوسط تسببت في تراجع أعداد من يدخلون الإسلام في ألمانيا.
ويؤكد أن ذلك كله نشر الخوف من الإسلام، لكن من وجهة نظره هذه فترة وستمر، مؤكداً أن الإعلام الألماني لا يريد للإسلام أن ينتشر في الدولة، وخطته في ذلك استخدام فزاعة السلفيين.
رؤية حماد يؤيدها أستاذ العلوم السياسية الألماني أندرياس بوك الباحث في الإرهاب والعنصرية وعلم النفس السياسي، في تحليل نشره موقع "قنطرة" حول التهديد الحقيقي للإرهاب الإسلاموي نشر في 11 مارس 2017.
ويرى بوك أن الخوف من الإسلام والإرهاب الإسلاموي منتشر في أوروبا وفي ألمانيا، لكنه في حقيقة الأمر، أقل خطراً مما يصوره الخطاب السياسي والإعلام.
أبرز وموز السلفية الألمانية
إبراهيم أبو ناجي
52 عاماً، ألماني - فلسطيني، أحد أبرز السلفيين في ألمانيا. وصفت خطبه بأنها تحض على الكراهية. مطلوب في اتهامات تتعلق بإخفاء معلومات عن مكتب المساعدات الاجتماعية، بحصوله على 50 ألف يورو من خلال مبادرة توزيع القرآن. حكم عليه بالسجن لـ13 شهراً مع إيقاف التنفيذ.
بيير فوغل
38 عاماً، داعية إسلامي ألماني وملاكم محترف سابق. يلقب بأبي حمزة. أنهى دراسته الثانوية في برلين. اعتنق الإسلام عام 2001 ولم يكمل دراسة العلوم الإسلامية في الجامعة. سافر الى مكة لتعلم العربية، ثم عاد إلى ألمانيا 2006 ليبدأ في إعطاء محاضرات ودروس عن الإسلام.
سفين لاو
35 عاماً، من أكثر السلفيين شهرة وإثارة للجدل في ألمانيا. وُلد لأسرة كاثوليكية. أمضى فترة مراهقته في تدخين المخدرات وحياة اللهو، دون أن يكون لديه أي التزام ديني، ثم اعتنق الإسلام في سن مبكرة وغيّر اسمه إلى "أبي آدم". يقبع في السجن حالياً لاتهامات بدعم الإرهاب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 3 أيامأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 3 أيامحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 6 أيامtester.whitebeard@gmail.com