لطالما عرف غناء صنعاء بعوده الرنان الذي أثار اهتمام الكثير من الباحثين من مغرب العالم ومشرقه، وذلك لسُلّمه الموسيقي الشرقي وخصائصه الفنية العديدة. يتكون العود الصنعاني من أربعة أوتار وبطن وذراع مغطى بجلد الماعز ومرصع بالنحاس، وفي أعلى ذراع العود، مرآة اختلفت التفسيرات في شأنها.
العود اليمني القديم
العود اليمني القديم المسمى بـ“القنبوس“ والمعروف في صنعاء بآلة ”الطربي“ هو قطعة واحدة منحوتة الجسم والرقبة من خشب شجرة الجوز الرفيع (نصف جذع). يقطع الجذع بشكل طولي ويتم تفريغه من الداخل ليكوّن تجويف العود. وحده رأس العود يُنحت من خشبة منفصلة، ويضم المفاتيح التي تلصق فيه بلحام خاص يدعى ”العقب“، وهو مصنوع من قوائم الأبقار. يغطى صدر العود برق من جلد الماعز، وفي جانبه الأيمن الخارجي يكون الزند الذي تثبت فيه الأوتار. في بطن العود على الجلد توضع خشبة صغيرة تسمى ”غزالة“ وهي تحمل الأوتار مروراً إلى ”المشط“ في طرف الرقبة المرتبطة بالرأس، حيث المفاتيح التي تثبت عليها الأوتار. ”المفاتيح“ في العود اليمني عددها سبعة، ثلاثة مزدوجة وواحد منفرد، تربط بأربعة أوتار طبيعية كانت تصنع من إمعاء الماعز. ويستخدم الفنان ريشة من ريش النسر للنقر على الأوتار.
يقول الموسيقار اليمني جابر علي أحمد لرصيف22: ”تسمية العود الصنعاني هي تسمية حديثة نسبياً. التسمية الأقدم هي ”آلة القنبوس“ التي كانت متداولة في كثير من المناطق اليمنية منذ القرن الرابع عشر الميلادي، ثم ظهرت تسمية أخرى هي "آلة الطربي"التي استنبطت من الطرب“. واستخدم العود في اليمن من أيام الشاعر "يحي عمر" في القرن الرابع عشر الميلادي، وربما في عصر الدولة الرسولية التي شهدت ازدهاراً في الآلات الموسيقية، وهو الآلة الملازمة للموشحات اليمنية، فضلاً عن آلة الصحن وآلة المرواد.
”الطربي“ وشهرته
يعبر الكثير من الفنانين اليمنيين عن تعلقهم الكبير بعود ”الطربي“، لكثرة ارتكازهم عليه في الغناء الصنعاني، المعروف بـ ”الموشح اليمني“، والذي صنّفته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث الانساني الشفهي العالمي. ويصفون حضور هذه الآلة في مجالس الطرب الصنعاني، بالبهارات التي تضيف المذاق اللذيذ إلى الذوق الصنعاني التقليدي، نظراً لتعلق غالبية سكان صنعاء بالموروث الغنائي الشعبي، وبالعود اليمني القديم تحديداً، لا سواه مما اجتاح ساحة الفنون الموسيقية والغنائية من آلات حديثة.
يقول عادل النخلاني، أحد رواد مجالس الطرب الصنعاني: ”لا أستطيع الوصول إلى حالة النشوة والاستمتاع أثناء مضغي للقات، إلا من خلال الجلوس في إحدى المجالس الغنائية الصنعانية التي تتضمن العود“. أما علي حمران، فيؤكد أنه يحتفط بكاسيتات كثيرة للغناء الممزوج بضرب العود الصنعاني في بيته وسيارته، ويقول: ”لا بد أن أستمع لطرب العود الصنعاني أثناء قيادتي للسيارة، لأنه يخرجني من أجواء المشاغل العملية والهموم الأسرية ويريحني“.
فن مهدد بالانقراض
لطالما كان العود الصنعاني محط اهتمام الدارسين والباحثين. يعتبر الباحث الفرنسي الدكتور جان لامبير، رئيس المركز اليمني الفرنسي للدراسات الاجتماعية في صنعاء، الغناء الصنعاني فريداً من نوعه، وذلك نتيجة الانسجام العجيب لآلتيه العود والصحن. والصحن آلة إيقاعية بسيطة تضيف لصوت العود تموجاً إيقاعياً شجياً، وكثيراً ما يصنع من النحاس، ويشتهر باسم "صحن المميا". ولكن بحسب رئيس البيت اليمني للموسيقى فؤاد الشرجبي، هناك إيحاءات قوية عن ركود كبير لهذا النوع من الغناء. يعتبر الشرجبي أن آلة العود الصنعانية مهددة بالانقراض، فقد هجرها المطربون اليمنيون واستبدلوها بالعود العربي. يقول: ”لم نعد نراها إلا في المتحف الوطني، أو عند بعض المطربين والمهتمين بالتراث الموسيقي اليمني“.
آثرت الحكومة اليمنية الاهتمام بالغناء اليمني عبر إقامة المسابقات وبعض الفعاليات، لكنها أهملت دورها في الاهتمام بتعليم فن العزف على العود، واكتفت بوضعه مع بقية التراث الموسيقي في المتحف الوطني، وهذا لم يشجع الناشئة على إحياء هذا الفن والاهتمام به.
يحاول البيت اليمني للموسيقى القيام بذلك من خلال بذل جهود كبيرة في تفعيل حرفة صناعة العود الصنعاني، وتعليم العزف عليه بالشكل التقليدي، على نحو يضمن ديمومة هذه الآلة ودمجها بالآلات الموسيقية الحديثة. غير أنه لا يزال يصعب التعامل مع الأغنية الصنعانية الشعبية وفنانيها على المسرح أو التلفزيون، نظراً لما يختزله الفن اليمني العصري من ألوان متعددة وآلات متنوعة تحول بين المستمع اليمني واللون الغنائي الصنعاني.
سر المرآه في العود الصنعاني
تصاحب حكايات ظريفة مختلفة العود اليمني، وخاصة في المناطق الشمالية من اليمن. فبحسب رئيس البيت اليمني للموسيقى، كانت الموسيقى محرمة، وكان كل من يقوم بالعزف يعاقب قديماً، ويقول: ”لذلك تفنن صانعو آلة الطربي في صناعته، فجعلوه من قطعتين يمكن طيهما، وهذا ما كان يسهل إخفاء الآلة الموسيقية“.
وأضاف صانعو آلة الطربي أيضاً مرآةً في قمة رأس العود، موجهة على نحو يستطيع الحاضرون من خلالها رؤية القادمين من بعيد، وذلك خوفاً من حضور العسكر. فإن حصل ذلك، يقومون بتنبيه العازف المستغرق في انسجامه، فيسرع إلى طي آلة العزف فوراً وإخفائها في أقرب مكان، ويتحول الغناء إلى مولد (إنشاد وموشحات دينية)، بدون عزف. علماً أن كثيرين يعتقدون أن المرآة موجودة لتطمئن الفنان على هندامه قبل بداية الغناء، لا أكثر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...