أصبح الشارع اليمني بأرصفته وجدرانه يشكّل، اليوم، ساحات للتعبير عن الرأي ولإيصال شكاوى الشعب التي سُدّت أمامها الطرق التقليدية. بريشاتهم، غيّر الفنانون معنى الشارع وجعلوه منبراً للتعبير دون قيود. استبدلوا الأوراق والقماش الناعم بالجدران الخشنة واعتصموا مع المتظاهرين تحت أشعة الشمس الحارقة وناضلوا بالريشة من أجل كرامة اليمنيين.
رسائل من الشارع
الشاب ذي يزن العلوي، مؤسس حملة كاريكاتور الشارع، هو أحد أولئك الرسامين الذين تملأ جدارياتهم شوارع العاصمة اليمنية صنعاء "لتحاكي كل ما يؤرق العيش الكريم لليمنيين"، كما قال لرصيف22 وأكمل: "أطلقت، بمساعدة العديد من الرسامين اليمنيين، الكثير من الحملات التي تعنى بقضايا اجتماعية مختلفة. وحملة كاريكاتور الشارع الحالية انطلقت عام 2014 لتسلط الضوء على قضايا الإنسان اليمني. وتقدم رسائلها من خلال الرسم على الجدران في شوارع العاصمة صنعاء لكي تصل الأفكار إلى الناس داخل اليمن وخارجه بغض النظر عن لغاتهم. فالمثقف والأمّي والأعجم والأصم والغني ومَن لا يملك قيمة صحيفة أو لا يستطيع استخدام الإنترنت خصصنا لهؤلاء جميعاً هذا الفن ليشاركوا ويستوعبوا الكم الهائل من القضايا الإنسانية التي يخوضها اليمنيون".
وعن المواضيع التي تتناولها الحملة، قال العلوي: "الحملة اهتمت في أسبوعها الأول بـ"الجرعة السعرية" ورفع الدعم عن المشتقات النفطية. فيما كُرّس الأسبوع الثاني لقضية قتل الجنود وهجمات تنظيم القاعدة عليهم. أما الاسبوع الثالث فكانت الحملة تحت عنوان "جرعة فن وحياة" إذ رسمنا وجوه 22 فناناً وفنانة من رموز الفن اليمني".
وتابع: "أرسم على الجدران لإيصال معاناة المواطن اليمني إلى الأعين قبل المسامع دون اللجوء إلى دور النشر أو الصحف التي تقيّدك لمصالح حزبية خصوصاً بعد تكميم الحوثيين للأفواه والحريات".
مواضيع أخرى:
أول محطة بنزين مخصصة للنساء في اليمن... بمبادرة من الحوثيين
تراجعت الثورة المصرية فتوقف مهرجان "الفن ميدان"
أما عن مواضيع جدارياته فقال: "أولى هذه الجداريات تصف الانتهاكات التي يتعرّض لها الأطفال في اليمن لأن الاقتتال الدائر في البلاد دفع الكثير من الميليشيات المسلحة إلى إلحاق الأطفال بها ليقاتلوا في صفوفها. مثلت هذه الجدارية الظلم والاستبداد في ترك الصغار مدارسهم والتحاقهم بالجماعات المختلفة وبالجيش اليمني". وأضاف: "لدي لوحة جدارية أخرى تعالج قضية الجرعة، وهي التسمية الشعبية لرفع الدعم عن المشتقات النفطية، وحاكيت من خلالها المعاناة الجماعية لليمنيين بسبب الفقر وغلاء الأسعار".
جداريات التدخل الخارجي
منذ أن انطلقوا إلى الجدران، واكب فنانو الشارع كل فصول التغيير في اليمن، وآخرها التدخل الخارجي. وقال العلوي: "جدارية التدخل الخارجي نفذتها في الأسبوع السادس لحملة كاريكاتور الشارع. رسمت انعكاس الأزمة السياسية الحادة التي تمر بها اليمن منذ انقلاب جماعة الحوثيين الموالية لإيران على النظام السياسي الحاكم. ويظهر لنا في اللوحة الجدارية لاعبين أساسيين أدخلوا البلاد في أتون الحرب الأهلية. فعلى اليمين شخص ينتمي لجماعة الحوثي الموالية لإيران، وعلى اليسار عميل للتدخل السعودي، وجميعهم يسعون إلى تدمير اليمن من خلال الاستجابة لإملاءات الخارج في سبيل تحقيق مصالحهم الشخصية".
وقال الفنان التشكيلي رشيد قائد لرصيف22: "نفّذت جداريتي ضمن حملة كاريكاتور الشارع لموضوعها السادس وهو التدخلات الخارجية. وفي الجدارية استخدمت الجنبية (الخنجر اليمني التقليدي) التي تجسد الكرامة والشموخ في الهندام اليمني وعزّ القبيلة التي هي أصل كل يمني، وتظهر في منتصفها علامة تصويب هدف التدخل الخارجي في اليمن فتتفتت بعدها".
شعبية كبيرة
وقال الفنان التشكيلي مازن شجاع الدين: "لكاريكاتور الشارع دور مُلهم كونه يخاطب جميع شرائح المجتمع وهو فن جديد أضحى ذا شعبية كبيرة لدى اليمنيين. وقد نجحت لوحات كاريكاتور الشارع في جذب الناس لمشاهدتها على جدران العاصمة صنعاء".
وقال المواطن صالح ثابت: "رغم أنّي لا أقرأ ولا أكتب لكنّي أجد في هذه الرسوم تعبيراً عن المعاناه التي أعيشها. فهناك رسوم تعبّر عن أزمة غلاء المواد الغذائية أو الغلاء بشكل عام، وهناك الكثير من الكلمات التي أودّ أن أصرخ بها في وجه المسؤولين الفاسدين، وقد وجدتها في هذه اللوحات المرسومة على الشارع. وهناك أيضاً لوحات عن استهداف المدنيين من قبل طيران التحالف وأخرى توضح ماذا جنى التدخل الخارجي على بلادنا، وجميعها تعبر عن كل ما يجيش في أعماقي من كبت وقهر في ظل الأوضاع الراهنة وفي ظل تقييد الحوثيين للكثير من الحريات. وأنا متأكد أن رسائلها تصل إلى الحوثيين المسيطرين على مفاصل الدولة".
وعبّر علي مثنى، أحد سكان صنعاء عن وقع الرسوم عليه: "أتابع عن كثب كل اللوحات التي تُرسم على جدران الشوارع وأجد فيها متنفساً لي في ظل الكبت الذي أعانيه. مشاهدة رسوم الكاريكاتور على الجدران مجاناً أفضل من شراء الصحف والمجلات، عدا أن هذه الرسوم أبسط وأحلى".
أفق فنّي جديد
فتح فنّ كاريكاتور الشارع بوابة كبيرة كشفت عن أفق جديد وواسع يختلف اختلافاً كلياً عمّا تقدّمه التكنولوجيا والإنترنت والصحف والقنوات التلفزيونية، وعالج بالريشة والألوان قضايا الظلم والفساد بطريقة جذّابة وبلا خوف من المحاسبة القانونية أو من تدخلات اصحاب النفوذ.
عضو المجلس السياسي لجماعة أنصار الله الحوثية محمد البخيتي قال لرصيف22: "حملة كاريكاتور الشارع هي حملة عادية وكل فنّان يعبّر عن رأيه كالمعتاد سواءً في الصحف والمجلات أو في القنوات التلفزيونية أو في الشارع. لا يوجد أي تضييق على الحريات في اليمن من قبل الحوثيين، وهذا واضح من مداخلات الكثير من المحللين السياسيين اليمنيين، من مختلف التيارات السياسية والحزبية، عبر القنوات الفضائية، وكذلك من لوحات الفنانين التشكيليين الذين يعبّرون عن مشاعرهم وآرائهم ويستطيعون انتقادنا عبر رسومهم. فالحرية متاحة للجميع ولم يحصل أن منعنا أحداً من التعبير عن وجهة نظره. فنحن نحترم وجهات النظر المخالفة لنا وليس بالضرورة أن نوافق عليها. أما بالنسبة للاعتقالات فهي لا تتم إلا لدواعٍ أمنية ولا تشمل إلا من يهددون أمن اليمن لا أكثر ولا أقل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...