لاعتبارات مجتمعية ودينية تتعامل الدولة المصرية بحذر شديد وبقليل من الشفافية مع تجارة الخمور في مصر، على الرغم من حاجة الدولة لكل مصادر التمويل الممكنة. حتى أن المسؤولين الحكوميين في مصلحة الضرائب وبعضهم داخل وزارة المالية يتعاملون بتحفظ في ما يخص الحديث عن تلك التجارة، أو الافصاح عن الأرقام الخاصة بها إلى الاعلام، حتى لا يتهموا بالدعوة إلى التوسع فيها، برغم أن أرباح تجارة الخمور تدخل في الموازنة العامة للدولة كل عام.
ينفي رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة أحمد شيحة وجود تجارة خمور في مصر بالمعنى الشائع، لافتاً إلى أنه من غير المسموح بيع الخمور وفقاً للقانون المصري، إلا في الفنادق والقرى السياحية وبعض المطاعم السياحية والشركات التي حصلت على تراخيص في هذا المجال منذ فترات طويلة، إلى جانب السوق الحرة.
لا يكتفي شيحة بالنفي، بل يذهب أبعد من ذلك قائلاً لرصيف22 إن تلك السلعة غير مطلوبة في السوق المصرية، موضحاً أن عدد الشركات التي تتعامل معها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة على مستوى مصر بأكملها. كما لا يرى أن التوسع فيها مفيداً للاقتصاد، بحكم أنه لا يوجد حماس للاستثمار في هذا المجال.
وتأتي تصريحات رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة لتناقض تصريحات سابقة له جاء فيها أنه في "حال تحرير هذه التجارة فإنها ستنمو من 2 إلى 20% خلال الـ5 سنوات الأولى فقط، وهذا ما سيدر على الدولة عائداً يصل إلى 100 مليار جنيه سنوياً". كما أنها تتناقض مع بيانات وزارة الصحة العالمية التي تظهر أن معدل استهلاك الفرد المصري للكحول سنوياً يبلغ حوالي 6 ليترات.
بخلاف شيحة، يؤكد الموظف في شركة مصر للأسواق الحرة أحمد نبيل لرصيف22 مدى خصوبة الاستثمار في مجال تجارة الكحوليات في مصر برغم العوائق، حيث يقول إن القانون يفرض نسبة رسوم جمركية على الخمور المستوردة تبلغ في حدها الأقصى 200%، لكن في السوق الحرة تباع الخمور دون هذه الرسوم، بشرط أن يحضر من يرغب في الشراء جواز سفر يدل على أنه دخل البلاد خلال أقل من 48 ساعة، وفي هذه الحالة يسمح له القانون بشراء 3 زجاجات كحد أقصى خلال الزيارة الواحدة، سواء كان مصرياً أو أجنبياً.
يضيف نبيل: "الأسواق الحرة تمنع بيع الخمور للمواطنين العاديين (غير العائدين من السفر) من طريق فرض رسم تعجيزي يبلغ 3000% على سعر الزجاجة، وبالتالي لن يدفع أحد المستهلكين هذا السعر المبالغ فيه".
غير أن نبيل يوضح أن عائدات بيع الخمور تشكل حوالي 85% من أرباح شركة مصر للأسواق الحرة، لأن أغلب العائدين من الخارج يشترون الخمور فقط، عازياً ذلك إلى وجود فارق كبير في السعر بين ثمن بيع الكحوليات في الأسواق الحرة وثمن بيعها في المتاجر، علماً أن في حالة السلع التقليدية الأخرى لا يوجد هذا الفارق الكبير في السعر، وبالتالي يمكن للمستهلك شراؤها من السوق العادي.
زيادة الضرائب على الكحوليات
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أصدر قراراً في يوليو الماضي قضى بزيادة قيمة ضريبة المبيعات على السجائر والمشروبات الكحولية. وتقرّر تحصيل ضرائب على البيرة الكحولية المستوردة والمحلية بنسبة 200%. كما ينص القرار على تحصيل ضريبة 150% على ليتر النبيذ والكحوليات الأخرى. هذا علماً أن الرسوم الجمركية على بعض أنواع الكحول قد تصل إلى 3000%.
وبلغت تقديرات الإيرادات الضريبية في مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2014/2015 نحو 47.7 مليار دولار، أو ما نسبته 15.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك في مقابل 37.7 مليار دولار خلال السنة المالية 2013/2014. وأرجع تقرير الموازنة العامة لسنة 2014 -2015 السبب الرئيسي في نمو الضرائب على السلع والخـدمات في مشروع الموازنة عن المتوقع تحقيقه، إلى التحول لتطبيق منظومة الضريبة على القيمة المضافة وذلك من خـلال توسـيع القاعدة الضريبية وإخضاع السلع والخدمات لسعر عام موحد للضريبة. هذا بالإضافة إلى رفع الضريبة القطعية على بعض السلع كالتبغ والسجائر والاتصالات والمشروبات الكحولية.
وكان رئيس مصلحة الضرائب، الدكتور مصطفى عبد القادر، عقّب على هذا القرار بالقول إن الدولة تنتظر من زيادة ضريبة المبيعات على السجائر والخمور والمشروبات الكحولية 5 مليارات جنيه.
وفي الثاني والعشرين من شهر نوفمبر الماضي قرر الرئيس المصري زيادة الضرائب مجدداً على السجائر بنسبة 50%، وهذا ما يشير إلى أن الدولة ربما تتجه لزيادة الضرائب على الكحوليات مرة أخرى، كما يؤكد رئيس المنتدى الاقتصادي المصري الدكتور رشاد عبده لرصيف22، الذي رجّح حصول الرفع، وإن ربطه بمدى حاجة الاقتصاد المصري إلى ذلك. وأشار إلى أن رفع الضرائب على الخمور لن يكون مؤثراً كما الحال مع السجائر، إذ أن تلك تجارة لا تمثل جزءاً كبيراً من الاقتصاد المصري، لافتاً إلى أن العائد كان ليختلف لو أن التجارة أوسع.
محلات الخمور تكافح للبقاء
محلات بيع الخمور تكافح من أجل البقاء، كما يوضح "م.ع" صاحب واحد من أقدم محلات الخمور بمنطقة "وسط البلد"، والذي يرجع تاريخ إنشائه إلى العام 1914. يطالب "م. ع" بفتح السوق المصرية أمام الكحول المستورد لخدمة الاقتصاد المصري، لافتاً إلى أن صندوق البيرة مثلاً يصل سعره لـ300 جنيه، يحصل البائع على ربح بقيمة 10 جنيهات من بيعه، ومثله أيضاً يذهب للشركة المنتجة، فيما الباقي كله للدولة.
ويشير "م .ع" إلى أن محلات الخمور لا تبيع الا الخمور المصنعة محلياً، وذلك بسبب الضريبة الجمركية العالية التي تفرضها الدولة على الخمور المستوردة، لافتاً إلى أنه برغم منع القانون الاتجار في الخمر دون ترخيص، فإن البعض منها يدار في الخفاء، خاصة في المناطق الشعبية، وذلك بعلم أقسام الشرطة مقابل مبالغ من المال تصل لـ100 جنيه بشكل دوري على سبيل الرشوة.
ويختتم "م.ع" كلامه بالقول إنه يعتبر "النبيذ" و"البيرة" موادَّ غير مضرة إذا استخدمت بمعدلات معقولة، وأنها أقل ضرراً للشباب من تناول أدوية الأعصاب والمخدرات بغية الانتشاء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...