إذا لاحظتم أن طفلكم يتحدث إلى شخص غير موجود، يشاركه في اللعب أو يلومه أو ينسب إليه أفعالاً سيئة، فلا تندهشوا. إنه بصحبة صديقه المتخيل... فهل تعرف من هو الصديق المتخيل لطفلك؟ ولماذا يلجأ الطفل إليه؟ وكيفية التعامل مع هذا الوضع؟
تقول الدكتورة هبة عبد المجيد الزيني، اختصاصية علم نفس الطفل والمراهق، لرصيف22: "الطفل قبل سن السادسة لا يستطيع أن يفرق بين الواقع والخيال، لذا لا يمكن أن نحاكمه أو نتهمه بالكذب، حين يقول إنه يقدر على السفر لكواكب أخرى أو أن هناك مخلوقات تعيش في خزانة الملابس مثلاً، فهو لا يكذب. كل ما في الأمر أنه يتخيل ويصدق خياله. وما علينا سوى أن نتبع خياله، ونشاركه في ما يعتقد، وأن نثير التساؤلات: كيف تسافر إلى هناك؟ ما الذي أعجبك في هذه الكواكب؟ ما نوع المخلوقات التي تعيش في خزانتك؟ هل هي طيبة أم شريرة؟ بتلك الطريقة ندعم خياله ونبني جسراً للتواصل معه".
وتابعت: "بعض أولياء الأمور يعاقبون أطفالهم على مثل تلك الأفعال، لذا فإن الطفل سيتوقف عن مصارحة الأهل بما يدور في خياله حتى يتجنب عقابهم، وهي مسألة في منتهى الخطورة لأنها تقطع الحوار البناء بين ولي الأمر وطفله، أما الأكثر خطورة فيتمثل في توقف الطفل عن التخيّل نفسه، وبذلك يفقد أهم داعم للإبداع والابتكار".
وأضافت: "هذا الخيال يظهر بما يُعرف بالصديق المتخيل في تلك المرحلة العمرية، أي قبل السادسة، وتؤكد إحصائية أجراها علماء نفس في بريطانيا أن بين كل خمس أطفال طفلاً لديه صديق خيالي".
لماذا يلجأ الطفل إلى صديق متخيل؟
هناك عدة أسباب تدفع الطفل لأن يلجأ إلى صديق متخيل، منها أنه يكون وحيداً بلا إخوة، خاصة مع انشغال الوالدين. بهذه الحالة يضطر إلى اختراع شخص يبادله اللعب والحكي. تعتبر الزيني هذه الظاهرة طبيعية وصحية، فهي تنمي قدرات الطفل اللغوية وتزيد من حصيلته الإبداعية الخلاقة، مشيرة إلى أنها مرحلة مؤقتة سوف تنتهي حين يلتحق الطفل بالمدرسة، حيث سيتمكن من تكوين صداقات حقيقية، ومعها يتلاشى الصديق الوهمي تدريجياً. وتلفت الزيني إلى أنه "أحياناً يرتكب الطفل الأخطاء فيبحث عمن يلصق به التهمة هرباً من العقاب، وهنا يلجأ أيضاً للصديق الوهمي، ليس بغرض اللعب وإنما من أجل الهرب من المسؤولية، فمثلاً: إذا كسر طبقاً فسيخبرك أن صديقه المتخيل هو من كسره أو من دفعه لذلك وأن العقاب يجب أن يقع على هذا الصديق الوهمي". يستخدم بعض الأطفال الصديق المتخيل لتمرير رسائل خفية لا يقدر الطفل على مواجهة الأسرة بها، كأن يقول مثلاً: صديقي "فلان" لا يحب هذا النوع من الطعام.كيف أتعامل مع هذا الصديق الوهمي؟
التعامل مع الصديق المتخيل يجب أن يتسم بالحرص، بحسب الزيني، فإذا كان دور هذا الصديق مقتصراً على اللعب والمحادثة، فإنه إيجابي ولا يشكل أي خطورة على الطفل، ويجب اعتباره صديقاً مرحباً به من قبل العائلة. أما إذا كان الصديق ينتمي للنوع الثاني (مَن يحمّله الطفل مسؤولية أخطائه)، فيجب على الأسرة أن تتفهم الأمر، وتدرك جيداً أن طفلها يتهرب من أخطائه وهو خطر كبير قد يلازمه لباقي عمره. تقول الزيني: "على الأسرة أن تتعامل بحزم، وأن تنسب الخطأ لفاعله الحقيقي، وأن تعاقبه أيضاً". وأكملت: "أما إذا كان الصديق الوهمي من النوع الثالث (ممرر الرسائل)، فعلى الأسرة أن تقرأ ما تحويه الرسائل المخفية التي يسعى لها الطفل، فمثلاً: صديقي "لا يحب هذا الطعام" تعني أن الطفل نفسه هو من لا يرغب في تناول هذا الطعام، وهنا عليك أن تسأله: ولماذا لا يفضل صديقك هذا النوع من الطعام؟ يجب أن تخبره، بحكم صداقتك له، أنه طعام مفيد ولذيذ، هذا الطعام سوف يجعله قوياً، ألا تحب أن يكون صديقك قوياً؟ إذن شاركه في طعامك".الجهل قد يسبب هلاك طفلك
وحول التعامل المخطىء مع تلك الظاهرة، تقول الزيني: "للأسف غالبية الأُسر تتعامل بشكل غير صحيح مع تلك الظاهرة، كمعاملتها الأمراض والمشاكل النفسية فتُنسب دائماً إلى الماورئيات والغيبيات والخرافات أيضاً". وتعتبر الزيني أن الطب النفسي عموماً يعاني من جهل الشعوب العربية، "فالمريض العقلي مجذوب، ومريض الفصام ممسوس، ومريض الهلوسة مكشوف عنه الحجاب، وكذلك الطفل الذي يتحدث إلى صديق متخيل "مخاوي". وهي كلمة دارجة تعني أن له قريناً من العالم السفلي يتكلم معه، وهنا يأتي دور الدجل كعلاج. وتروي: "أذكر العديد من الحكايات التي راح ضحيتها أطفالٌ بسبب هذا الدجل والدجالين. مرة جاءتني امرأة بطفل، هو ابن جارتها، وكان يظن والده أن ابنه "مخاوي" فذهب به إلى الشيخ المعالج، وقد طلب منه الشيخ أن يقيد الولد في مكان مغلق حتى ينصرف عنه قرينه، وأن لا يطمعه سوى القليل. قالت الجارة أن والد الطفل ربطه فوق سطح البيت، في قن الدواجن، وأنه كان يتعامل معه كأنه مجرد كلب ظناً منه أن تلك الطريقة سوف تطرد القرين من ابنه. ولم يحل قيد الطفل إلا عندما هددته الجارة بأنها ستبلغ الشرطة وأنها ستقوم بإجراء محضر ضده". وأضافت: "كان الطفل يعاني من الهزال والخوف والاضطراب الشديد، ومن خيالات مرعبة نتيجة تلك الحبسة، وقد احتاج عدة أشهر كي يتمكن من العودة لطبيعته، أما الأب فهو ضحية أخرى ضحية الجهل وتصديق شيوخ الدجل". وروت حادثة ثانية لفتاة كان لها صديق خيالي فظنت الأم أن في ابنتها "مساً"، وهو ما يعني أن بداخلها جن، فذهبت بها لأحد الشيوخ، و"كان الشيخ يضرب الطفلة بقسوة حتى يخرج منها الجن المزعوم، وحين فقد الأمل في إخراجه، أشار إلى الأم أن تذهب بها إلى المقابر، وأن تتركها تنزل القبر وتقضي ليلة هناك، وقد حاولت الأم أن تفعل ذلك، غير أنها لم تجد من يساعدها هناك. تخيل لو أنها تمكنت من ذلك، حال الفتاة في هذا المكان الموحش".استمرار الصداقة قد يشكل خطورة
هنالك أطفال يستمرون في صداقتهم الوهمية لسنوات عدة، وهنا تعتبر الزيني أن الأمر قد يُشكل خطراً حقيقياً، فقد تنقلب تلك الصداقة إلى حب. وروت: "أذكر أن فتاة جامعية قد جاءتني تشكو من أنها تحب "ماهر"، بطل المسلسل الكرتوني الشهير "مازنجر". ففي فترة الطفولة كان هو صديقها المتخيل، وحين التحقت بالمدرسة راحت تفتش بين الفتيان عمن يشبهه فلم تجد، واستمر معها الأمر حتى وصلت إلى الجامعة. الغريب أنها فقدت التواصل مع الشباب واقتصر حبها على هذه الشخصية الوهمية، الأمر الذي أعاق ارتباطها بشكل صحيح. هي تدرك جيداً أنها سقطت في غرام شخصية كرتونية غير أنها لا تعرف كيفية التخلص من هذا الحب. وهي مشكلة تحتاج إلى علاج نفسي طويل مع مختصين".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...