"إن كان لشخص واحد صديق وهمي يعتبر مجنوناً، وإن كان لعدة أشخاص الصديق الوهمي نفسه يصبح هذا ديناً"، Iraniya Naynesh.
الأصدقاء الوهميون، ربما كان لديكم أحدهم، ربما ما زال لديكم ذلك الصديق، ربما هو موجودٌ في مكانٍ ما في اللاوعي. ربما تعطونه اسماً آخر في الحياة الواقعية. الصديق الوهمي كتعريف مبسط هو ظاهرة نفسية واجتماعية: يختار شخصٌ أن يقيم صداقة أو علاقة أخرى في خياله، بعيداً عن الواقع الملموس الخارجي. ظاهرة منتشرة في صفوف الصغار كما الكبار، أكثر مما تتخيلون. كان يعتبر الصديق الوهمي رمزاً لأمرٍ غير سليم، بل حتى شرير. وكان العلماء والأهل يظنون أن أصدقاء الأولاد الوهميين هم مؤذيون وملعونون، ودليل لمرض نفسي ومس شيطاني. كانوا يعتبرون أن الصديق الوهمي أيضاً كائن روحي وخارق، مثل الملائكة والشياطين. ومنهم من اعتبرهم أرواحاً من شأنها أن تربط الإنسان بحياته السابقة، إلى أن تغير مصطلح الطفولة في القرن العشرين، وأصبحت النظرة للأطفال على أنهم كائنات ذات احتياجات ورغبات خاصة كاللعب والتخيل، كما ذكر في مقال عن الأصدقاء الوهميين في Journal of Genetic Psychology.
منذ عقودٍ قليلة فهم الباحثون أن الصداقة الخيالية هي من أكثر جوانب علم النفس إثارة للاهتمام، وبدل أن تكون أمراً غريباً ومقلقاً، اكتشفوا أن تلك الظاهرة تساعد الولد على تطوير مهارات مميزة، وعلى أن يكون اجتماعياً أكثر من غيره، ومبدعاً جراء تمرين ذلك الخيال الواسع.
صديق سرّي
يمكن أن يكون الصديق الوهمي من نسج الخيال، كما يمكن أن يتجسّد في غرضٍ ملموس أو لعبة، كالحيوانات المحشوة. تقول سارية، 20 عاماً، وهي ترينا صور جينجري، صديقها الدبدوب المحشو، ببسمةٍ كبيرة على وجهها، كيف أنها لا تسافر إلى أي بلدٍ في العالم من دون اصطحاب جينجري معها كي لا تشعر صديقتها، التي تتحول إلى صديقٍ في أوقاتٍ نادرة، بالوحدة وهي تنتظرها. أهدت والدة سارية الدبدوبة لابنتها في صغرها، يوم أنجبت أخاً لها، وسرعان ما تحولت إلى الصديقة الأقرب إليها، تخبرها يومياتها وأفكارها وأحلامها ورغباتها ومخاوفها، وكأنها مذكراتها اليومية. محيط سارية كله يعرف بوجود جينجري، ولم تحاول إخفاء صداقتها يوماً، بل هي سعيدة وفخورة أنها تملك ما قد لا يملكه الجميع: أنها لم تحتج يوماً أن تصب اهتمامها على الألعاب الإلكترونية والبرامج التلفزيونية، واكتسبت مهارات في اللغة الإبداعية من ذلك الخيال الذي لطالما غذته على طريقتها.الأصدقاء الوهميون، ربما كان لديكم أحدهم، ربما ما زال لديكم ذلك الصديق، ربما هو موجودٌ في مكانٍ ما في اللاوعي... لا تخجلوا منه
منذ عقودٍ قليلة فقط، فهم الباحثون أن الصداقة الخيالية هي من أكثر جوانب علم النفس إثارة للاهتمام...وتؤكد الأخصائية في علم النفس ساندرا سبانيولي، أن الصداقة الخيالية تساعد الولد على تطوير اللغة والتواصل مع الآخر كما الإبداع، وخلقه في المخيلة يحصل من خلال إسقاط مخاوف الولد والسمات التي تنقصنا. يعتبر الصديق الوهمي أيضاً حليفاً أول مختلفاً عن الأهل، وقد يتم تخيله أيضاً للحاجة إلى إقامة علاقة شفافة وعميقة وحميمة مع كائنٍ آخر. كما تقول ساندرا إن الصديق الوهمي قد يساعد الأهل على فهم ولدهم، والانتباه إلى مخاوفه، والأهم أن لا يحاول أحد أن يطرد أو يقضي على وجود ذلك الصديق الخيالي، لأنه هو موجود في النهاية لإتمام مهمة نفسية معينة. في دراسة تمت في بريطانيا منذ نحو 3 أعوام، تبين أن الأولاد بين 5 و11 عاماً يخفون وجود صديقٍ وهمي في حياتهم كلما كبروا، خشيةً من أن يستهزئ بهم أصدقاؤهم، أو أن يوبخهم الأهل. وفي دراسة بريطانية أخرى وجد الباحثون أن مصطلح الصداقة الوهمية في بلاد كالهند وغينيا وتركيا، هو شبه معدوم. أمرٌ يدل على أن وجود صديق وهمي في حياة طفلٍ أو شخصٍ بالغ، ما زال يعتبر أمراً غريباً ولا يفهمه العقل. ماذا لو حرص الولد على المحافظة على صديقه الوهمي حين يكبر؟
الكبار يملكون أصدقاء وهميين أيضاً
في الواقع يوجد أشخاص بالغون ولديهم أصدقاء خياليون، حتى ولو نادراً. وهم اختبروا أو يختبرون درجات عليا من الابتكار والإبداع. الكاتبة أغاتا كريستي ابتكرت عدداً كبيراً من الأصدقاء الوهميين منذ طفولتها، ورافقوها طوال حياتها. وتقول إنها كانت تفضلهم على الشخصيات التي كانت تبتكرها في رواياتها. مكيافيلي الذي كان عراب العلوم السياسية، تحدث في كتاباته عن أصدقائه الوهميين، قائلاً: "كان لدي الشجاعة أن أتحدث معهم، وأسألهم عن دوافع أعمالهم، وهم في إنسانيتهم كانوا يردون علي. وعلى مدى 4 ساعات كنت أنسى العالم، وأنسى أي مضايقة، وأنسى الخوف من الفقر، والارتعاش من الموت: كنت أنتقل فعلاً إلى عالمهم". العالم الفيزيائي نيوتن كان له أصدقاؤه الوهميون بشكلٍ أو بآخر، ومن جمله الشهيرة: "إذا رأيت أبعد، لأنني كنت واقفاً على أكتاف العمالقة". يقترح الكاتب Jeremy Sherman في مقال له نشر في موقع Psychology today، أن الإنسان كائن اجتماعي، يحيط نفسه بأصدقاء حقيقيين ووهميين على السواء. وهكذا حال الملايين من الأفراد، الذين اختاروا إقامة صداقة مع كيم كارداشيان على وسائل التواصل، ويتفاعلون معها، وكأنهم مقربون منها، من دون أن تعرف حتى هي بوجودهم. ومن المنطلق نفسه يعلق بعض الأشخاص صوراً لقديسين وباباوات قرب صور العائلة، وصوراً لشخصيات اجتماعية ودينية بارزة، ويتحدثون معهم ويسألونهم عن آرائهم ويأخذون بنصائحهم، كما لو كانوا أصدقاء مقربين. أفراد آخرون قد اختاروا ابتكار صديق وهمي يعيش فيهم ومن خلالهم، لديه مشاعره وشخصيته الخاصة، ظاهرة اجتماعية تنال رواجاً اليوم وتعود إلى مفهوم بوذي قديم يسمى: تولبا.سحر التولبا
سام، 24 عاماً، مبرمجة كومبيوتر، تعيش في ماريلاند، الولايات المتحدة. سام تملك تولبا اسمها كاي تي، تعيش داخلها منذ بضعة أعوام، ولها شخصيتها الخاصة. وهي تستخدم جسم سام أحياناً لتتحدث وتظهر للخارج، بينما سام تشاهدها من الصف الأول في حلبة الوعي. كاي تي ساعدت سام على تخطي القلق والاكتئاب، ومنذ أن استضافتها في عقلها تشعر براحة وسلامٍ داخلي. سام تدير موقع اليوم اسمه tulpa.io، هدفه تعليم الأفراد مبدأ الـTulpamancy وقد أصبح يضم مجموعة كبيرة من الـTulpamancers أو أصحاب التولبا، الذين أخذوا يتكاثرون في العالم الإلكتروني. تولبا هو نوع من صديق وهمي، أنشأه في الأصل رهبان التيبت باعتباره الانضباط الروحي خلال التأمل الشديد والعميق. ينظر للتولبا على أنها ثوابت عقلية، ويلعب التولبا دور الوسيط بين مضيفه والإمكانات الكامنة في اللاوعي. ويزعم مضيف التولبا أن صديقه الوهمي بإمكانه أن يجد أي ذكرى ضائعة، ويعالج الشخص من التروما، ويصد الألم المزمن، عوضاً عن كونه صديقاً مميزاً. ربما ترون في الأمر نوعاً من الانفصام في الشخصية، أو حالة اضطراب نفسي، ولكن عالم النفس Veissiere يرى أن العلاج بواسطة التولبا قد يعطي نتائج إيجابية للأشخاص المصابين بالانفصام والاضطرابات الخبيثة، بعيداً عن تسويق "الجنون"، وصناعة "الحبوب" المهيمنة.قوة العقل
في مقابلة مع جاك للـnytimes، تتحدث الكاتبة في مقال تحت عنوان "استحضار آلهاتنا الخاصة"، عن ذلك الفتى الذي كان يتأمل يومياً لمدة ساعة ونصف الساعة ويتخايل ثعلباً، حيوانه المفضل، وخلال شهر، أصبح يشعر بوجود ذلك الثعلب ويشعر بأحاسيس ينسبها إليه، إلى أن سمع صوته يوماً بعد أن عاد من فحص مادة الكيمياء سائلاً "إذاً، كيف قدمت؟". فشعر جاك برهجة تفوق الشعور بالوقوع في الغرام. يقول جاك إنه حين يتوقف عن التأمل بكثافة يبتعد عنه الثعلب، وما أن يعود للتأمل يعود الثعلب لإعطائه بعض الراحة. ترى الكاتبة أن ثعلب جاك الذي يتطلب تركيزاً مستمراً، هو أشبه بالصلاة بالنسبة للمتدينين، ولذلك تنصح المؤسسات الدينية ورجال الدين أن يلتزم الأفراد بالصلوات، للشعور بوجود الله داخلهم، فيعيشوا سلاماً داخلياً ثابتاً. الدين هو جزء من الطبيعة البشرية وأدمغتنا مركبة للإيمان بالله، ومجهزة للاعتقاد بالأمور الخارقة واستحضار الأصدقاء الوهميين وتصور الآلهة، وفق دراسات عدة ارتكزت عليها الكاتبة Fiona Macrae، في مقالٍ نشر في موقع dailymail البريطاني منذ بضعة أعوام. كشف التحليل أن عقل الإنسان مبرمج للإيمان بالله وبالأمور الخارقة، وأنه يميل إلى التركيز أكثر عندما يكبر الإنسان، على الأبعاد الأخلاقية للإيمان ويبتعد عن جانبه الخارق، من دون أن يعني ذلك أن الله غير موجود وأن الأمور الخارقة ليست حقيقية، بل إن عقلنا بإمكانه أن يبتكر ويؤمن بأي شكل من أشكال العلاقات غير الملموسة، وأن يجعلها واقعه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.