"أحلى أيام حياتي قضيتها معاكي، إنتي هتكوني حاجة كبيرة قوي".
هذا ما قاله هيثم لنادين صياد قبل أيام من وفاته إثر ذبحة قلبية. تحبس دموعها وهي تحكي عن قصاصات الورق المكتوبة بخط يده، والتي تركها لها. "دايماً بيكتبلي على أي حاجة كأنو عارف إنه هيموت"، تقول صياد لرصيف22.
هو ليس حبيبها أو زوجها، بل صديقها الحميم، أو "الأنتيم".
تحتاج "الفضفضة" والبوح بما يقلق النفس لأكثر من مجرد مستمع جيد. فكلٌ منا يبحث عن صديق يكون "كاتم الأسرار وسنداً في العوز والحاجة". كل منا يبحث عن "أنتيمه".
ويرى الكثير من النساء أن أوفى الأصدقاء وأكثرهم حفظاً للسر هم الرجال، فيجدن ضالتهن لدى الجنس الآخر.
بعد وفاة هيثم دخلت صياد في حالة اكتئاب استمرت نحو 9 أشهر، استدعت أن تزور طبيباً نفسياً. بقيت صداقتهما التي دامت أربع سنوات أخوية، وكان هو أمين أسرارها وكاتمها.
"كان ينصحني في كل ما يخص الأنثى، حتى علاقاتي العاطفية كان له رأي فيها ودائماً كان رأيه صائباً"، تقول صياد.
علاقة صياد بهيثم تفتح الباب لعدة تساؤلات تتعلق بمدى عمق العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع المصري المعاصر، بعدما وضع المجتمع ذاته في الماضي ضوابط كثيرة لها وأحاطها بالمحظورات.
كان مجرد نظر الفتاة إلى إبن الجيران من الشباك كارثة. لكن تغيّر وتيرة الحياة غيّر النظرة للكثير من الأمور. فما الذي تبدل في العلاقة بين الجنسين في مصر؟ وكيف دخل مفهوم الصديق الأنتيم بيوتها؟
لماذا الأنتيم الرجل؟
تقول الدكتورة سوسن الفايد، أستاذة علم النفس الاجتماعي لرصيف22، إن المرأة قد تحتاج لرجل في حياتها يشعرها بالسند.
وهو ما توافقها عليه إيمان المالكي (37 عاماً). وهي سيدة مطلقة ترى أن الصداقة بين الرجل والمرأة تكون أكثر موضوعية وصدقاً. وتتحدث المالكي عن صديقها "محمد" الذي يساعدها كثيراً ويعطيها النصائح في حياتها الخاصة، سواء المادية أو الاجتماعية أو العاطفية.
تقول لرصيف22: "زوجته تعرف جيداً أني لست مجرد "واحدة" تريد أن تتعرف على رجل، لكن بالعكس هي تعي جيداً حجم العلاقة بيني وبين زوجها، حتى أنها عندما تواجهني مشكلة وهو معي تتصل تلفونياً لتطمئن علي".
الصديق الأنتيم... من أين جاء هذا المصطلح وكيف يتقبل المجتمع المصري الصداقة بين الجنسين؟
طلقني وانصاع لكلام أهله رغم أنني قطعت علاقتي مع صديقي من أجل بيتي. هل يقبل الشرقي الصداقة بين الجنسين؟
حينما يكون الأنتيم بعد الزواج مقبولاً
لكن ماذا يحصل إذا كانت المرأة زوجة؟ هل يقبل الزوج الشرقي أن يكون لها صديق تفصح له عن مشاكلها؟
جانيت عبد العليم حقوقية مصرية عمرها 33 عاماً. تحدثت لرصيف22 عن صديقها منذ 15 عاماً، محمد عبد الحميد.
هي لا تضع حدوداً للمواضيع التي تتحدث معه عنها، وترفض مبدأ التخلي عن الأصدقاء بعد الزواج، تقول: "أي فتاة تقرر قطع علاقتها بأصدقائها بعد ارتباطها، تلغي دنياها، وتعيش دنيا أخرى لا تنتمي إليها. فإذا فشل الارتباط تجد نفسها وحيدة".
تقر عبدالعليم بأن ثمة شرائح في المجتمع ترى أن الصداقة بين الجنسين أمر شائن. "هذا لأنهم يرون أن أي علاقة بين رجل وامرأة لا بد أن تنتهي بالجنس"، تقول مستطردةً.
لا يجد زوجها فتحي فريد، الناشط السياسي، غضاضة في أن يكون لزوجته أصدقاء، وهو يؤمن بتعدد أنواع العلاقات بين الجنسين، ولا يربطها دائماً بالشكل العاطفي.
يقول: "الرجل الذي يرفض صداقات زوجته لديه أزمة ثقة في نفسه وليس فيها".
صديق عبدالعليم هو المهندس محمد عبد الحميد (35 عاماً). عاش مع صديقته أهم لحظات العمر وتغيرات البلد ويعتقد أن المجتمع بدأ يغير نظرته للصداقة بين الجنسين.
يقول: "أنا وجانيت حلمنا بالتغيير أثناء الجامعة. وبعدها بسنوات جاءت الثورة التي حلمنا بها جميعاً، فجمعتنا مثلما جمعتنا الصداقة... كثيرون لا يقدرون أن حلماً مشتركاً (الثورة) يمكن أن يشكل صداقة قوية على مر السنوات بين رجل وامرأة".
ويستطرد: "جانيت كانت مستشارتي العاطفية وخازنة أسراري، وبعد زواجي تحولتْ مستشارة لزوجتي في شؤون ابني "آسر"، وهذا يؤكد أن زوجتي لا تعاني خللاً في تقييم علاقتي بها".
وحينما يكون الأنتيم سبب الطلاق
تقول الدكتورة زينب المهدي، أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس لرصيف22: "لا توجد دراسات عن علاقة المرأة بالرجل (في مصر) والتي أصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل وإن كان المجتمع قد أصبح أكثر تحرراً".وهي ترى أن الصداقة الحميمة بين الجنسين يتم فهمها بشكل خاطئ داخل المجتمع المصري. ويختلف تقبلها بحسب المحيط الأسري أو الدائرة الضيقة في الطبقة الاجتماعية الواحدة.
وهو ما حدث مع نسرين سيد (34 عاماً). هي من محافظة الشرقية وتحمل دبلوماً في التجارة. نشأت في عائلة لا تُحمّل العلاقة بين رجل وامرأة أكبر من حجمها، لكن بعد زواجها وانتقالها إلى بيئة زوجها الريفية المحافظة، لم يتفهم محيطها صداقاتها وانتشرت الإشاعات حولها.
"ظروف زوجي جعلتني أستعين بصديقي للمساعدة أحياناً في قضاء احتياجات منزلية لا أستطيع القيام بها بمفردي. لكن انتشر القيل والقال في القرية، إذ لا يجوز أن أتحدث مع رجل في غياب زوجي، وإن كان على علم ببراءة علاقتنا"، تقول سيد.
وتضيف: "انتهى الأمر إلى أن زوجي قام بتطليقي وانصاع لكلام أهله، على الرغم من أنني قطعت علاقتي مع صديقي من أجل بيتي، لكن في النهاية طلقت، طلقني المجتمع".
محمود خليل (30 عاماً) كزوج نسرين سيد يستنكر الصداقة بين زوجته وأي رجل كان، ويقول لرصيف22: "يعني إيه مراتي يبقى ليها أنتيم"؟
ويضيف: "لسنا في أوروبا لكي أسمح لزوجتي أن تتحدث مع رجل آخر حتى وإن كانت العلاقة بريئة، فلماذا تحتاج لصديق وأنا موجود؟".
وهو يرى هذه الصداقات بمثابة الضربة القاضية لعلاقته بزوجته، وإن أصرت على وجود رجلٍ آخر في حياتها، ولو مجرد صديق، فالطلاق هو الحل.
أنتيم الخفاء
تؤدي مواقف رجال كخليل وزوج سيد إلى استمرار الصداقة في الظل.
وهو ما حصل مع مايا (اسم مستعار) التي قالت لرصيف22: "منعني زوجي من الخروج أو الحديث مع الأصدقاء الرجال، بالطبع أفهمته أنني قطعت علاقتي بهم، وهم متفهمون طبيعة زوجي الحادة، وأنه لا يقبل أن أحادث رجلاً آخر، لكني تحايلت على الموقف وبتّ أحادثهم في الخفاء أثناء غيابه".
أحاديثها معهم لا تخرج عن حيز الصداقة. فهي تخبرهم عن مشاكل قد تصادفها مع زوجها، لينصحوها بما يمكن فعله بدون معرفته.
لا تنوي مايا قطع علاقتها بهم، لأنها لا ترى فيها شيئاً خاطئاً أو معيباً، وتقول: "كيف يمكن أن أتخلى عن صداقة عمر كامل بهذه السهولة، وفي النهاية هو من أجبرني على التحدث معهم دون علمه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...