شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الهندوتفا": الهندوسية القومية المعادية للمسلمين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 28 فبراير 201706:36 م
بخلاف "باكستان"، التي تعني بلغة الأردو "أرض الأطهار"، والتي أرادها بُناتها أن تكون كياناً منفصلاً لمسلمي شبه القارة الهندية عن الهندوس فيها، فقد أصرّ قادة الهند في مرحلة ما بعد الاستقلال والانفصال، على علمانية الدولة، والمساواة فيها بين أتباع الديانات المختلفة.

حدود العلمانية

وَفّقت هذه العلمانية، إلى حد ما، بين فكر المهاتما غاندي المناهض لفصل الدين عن السياسة، والمشدّد في الوقت نفسه على التعددية الدينية، وبالأخص الثنائية الهندوسية الإسلامية، وإن كانت حركته والرموز والمقولات التي استخدمها تنطلق من أرضية هندوسية، وبين نظرة "جواهرلال نهرو"، الميالة أكثر الى فصل الدين عن الدولة، وإلى التحديث والتصنيع، بدلاً من تمجيد مجتمع الكفاية القروية على ما كان يدعو له غاندي. مع ذلك، ومباشرة بعد تعريف الدولة كعلمانية وجمهورية، تلحظ المادة الأولى من الدستور أن الهند "التي هي بهارات هي اتحاد بين ولايات". جرى تفضيل تسمية بهارات التي تحمل سمة هندوسية على تسمية هندوستان التي استخدمت على مدى قرون طويلة، إلى عشية الاستقلال. رغم أن الدولة لم تختر رمزاً هندوسياً لعلمها، بل رمزاً دائرياً بوذياً، لم يكن سهلاً عليها انتهاج الحياد على نحو شامل ودائم بين أتباع الديانات المختلفة، في ظل أكثرية هندوسية واسعة بعد انفصال باكستان، ومع استمرار الصراع بين البلدين، لكن أيضاً في ظل "أقلية مسلمة" تقدّر اليوم بنحو مئة وخمسين مليوناً، منهم ما لا يقل عن ثلاثين مليون شيعي.

"الهند للهندوس"

بيدَ أن تياراً واسعاً لم تعجبه الحكاية منذ العشرينيات من القرن الماضي، وأتخذ أشكالاً مختلفة عبر المراحل، إلى ان كتبت له الغلبة سياسياً وثقافياً ودينياً في الوقت الحالي. هو التيار الداعي إلى الربط بين الهند والهندوسية: "الهند للهندوس". لكنه أيضاً تيار يريد إعادة تشكيل الهندوسية نفسها من خلال هذا المشروع. يعرف هذا التيار القومي الديني باسم "الهندوتفا". والهندوتفا مصطلح سنسكريتي الجذر، نحته في سجنه مطلع العشريينات، "فيناياك دامودار سافاركار"، عندما كان يقضي عقوبة طويلة نتيجة مقاومته للاستعمار البريطاني. قبل أن يدخل السجن، كان سافاركار متحمساً لهند جامعة بين أتباع كل الديانات، وبقي حتى آخر حياته يعرّف عن نفسه كـ"غير مؤمن". تبدّل موقفه جذرياً وهو في السجن. ساءه أن يطلق مسلمو شبه القارة حملة نصرة الخلافة، وساءه أكثر أن تدفع هذه الحملة إلى هجمات دامية ضد الهندوس، وليس فقط ضد البريطانيين، لكن ما أغاظه فوق كل ذلك أن المهاتما غاندي، النجم الصاعد في الحركة الوطنية بعد عودته من جنوب أفريقيا، قد قرّر دعم حركة "الخلافة" هذه. وصف سافاركار موقف غاندي بـ"المخنّث". وأطلق هذا الوصف على عقيدة غاندي حول اللاعنف. عدّها ارتداداً عن أعظم ما تختزنه الملاحم الهندية القديمة وتاريخ البلاد بعامة، من رجولية قتالية وفروسية.

توظيف الأسطورة الآرية

ابتكر سافاركار مصطلح "هندوتڤا" على هذا الأساس، وعنون به كتابه "الهندوتفا: من هو الهندوسي؟". الهندوتفا تعني أن الهندوس ليسوا ديانة فقط، بل هم ديانة وأمة، وأرض قبل كل شيء. الوطن الأم (بهارات ماتا) هو الوطن المقدّس (بيتروبومي). كل ما يحده نهر السند من الغرب، وجبال الهيملايا من الشمال، هو من هذا الوطن المقدّس، غير القابل للقسمة (أكاندا بهارات). هو وطن مقدّس لأنه أرض الأجداد، وطن الآريين القدماء المذكورين في أسفار "الڤيدا”. اعتمد سافاركار إذاً على نظرية العرق الآري، وأخذ برأي من يعتبر أن الهند هي الموطن الأصلي للآريين، وليس أنّهم فتحوا هذه البلاد، وركّعوا أقوامها المهزومة، ليركّبوا نظام الطبقات الوراثية المقفلة على هذا الأساس. لم يأت سافاركار، في أخذه بنظرية أن الهند هي الوطن الأصلي للآريين، وأن الآريين هم أسلاف الهنود الحاليين، بجديد. فهو استعاد ما سبقته إليه حركة "آريا ساماج" نهاية القرن التاسع عشر. إذ كان لمؤسس هذه الحركة سوامي دياناندا السبق في توظيف أعمال المستشرقين على هذا النحو، معتبراً أن الهند هي الأصل في كل شيء: منبت الآريين الذين انطلقوا منها لفتح البلدان وإنشاء الحضارات، وموطن السنسكريتية، أم كل اللغات المكتوبة التي لا تعدو غير تحوير وتحريف لهذه اللغة الأم. كان لدى دياناناد هم إصلاحي أيضاً، فيما يتعلق بمراجعة نظام الطبقات الوراثية التراتبية المقفلة، وسردية طبقة الكهان البراهمة عنها، التي تجعل الحواجز بين هذه الطبقات فاصلة ومطلقة، بحيث لا تنجّس الطبقة الأدنى الطبقة التي أعلى. بخلاف نظرة طبقة البراهمة، ومع أنه ينتمي إليها، نظّر سافاركار لفكرة مثالية عن المجتمع الآري القديم، وقال إن نظام الطبقات التراتبية فيه لم يكن نظاماً وراثياً مغلقاً، بل مجتمعاً عضوياً يتولى فيه المعلّمون الروحيّون فرز الناشئة، منذ نعومة أظفارهم، بين الطبقات، بحسب ميولهم وقدراتهم. لم تعجب أفكار ديانندا طبقة البراهمة التي ينتمي إليها، والذين يعدون أنفسهم الأكثر طهراً، والوسائط بين الناس والآلهة، ولا عجبتهم نزعته إلى التوحيد ونبذ التعبّد للتماثيل التي ورثها عن المصلح راموهان روي.

"الشودي": حمل غير الهندوس على الارتداد عن دينهم الجديد

في المقابل، كان ديانندا على يمين البراهمة في موقفه تجاه غير الهندوس في الهند. اعتبر ديانندا أنه ينبغي القيام بمجهود لإعادة الهندوس الذين يعتنقون المسيحية حديثاً إلى الهندوسية. قال بالرجعة إلى الدين الأم: "الشودي”. في التراث الهندوسي، كانت "شودي" تعني طقساً تطهرياً يسمح بموجبه لواحد من علية القوم ارتكب نجاسات أخرجته من طبقته (الكاست) العودة إليها. أصبحت مع ديانندا تعني حمل غير الهندوس على العودة إلى الهندوسية. لكن "الشودي" سوف يطوّرها صاحب "الهندوتفا" سافاركار. لم يكتف سافاركار بمطالبة من هجر الهندوسية حديثاً بالعودة إليها. اعتبر أن المسلمين في الهند يعيشون فصاماً في الشخصية، ما دام وطنهم الأم هو غير وطنهم المقدّس، الذي هو الجزيرة العربية، وبالتالي الأنفع لهم العودة إلى الهندوسية. اعتبر الصراع بين الهندوسية والإسلام جوهرياً. هو الذي أمضى عشرات السنوات في قيد سجانه البريطاني، اعتبر أن الاحتلال الأكثر خطورة في تاريخ الهند هو الاحتلال الإسلامي، وأن الاستعمار البريطاني هو نتيجة لوهن الأمة الهندوسية بسبب ما نكبت به جراء الاحتلال الإسلامي.

التعبئة ضد المسلمين

سافاركار تابع في المنحى الآخر، النفس المناوئ لنظام الطبقات التراتبية الهندوسية، واعتبرها انحرافاً عن الديانة القومية القديمة، ديانة الڤيدا والأسلاف الآريين. وسّع مفهومه للأمة الهندوسية لتشمل المنبوذين، وبشكل أوضح مما فعله غاندي، الذي حافظ على الالتباس على هذا الصعيد. أكثر من ذلك، اعتبر سافاركار أن أمة الهندوس الكبيرة هذه تشمل بالإضافة إلى هندوس الهند، كل أبناء الديانات المتفرعة عن الهندوسية، من البوذيين والجاين والسيخ، إلا المسلمين والمسيحيين. أقام سافاركار معادلة ثلاثية: "هندو - هندي - هندوستان". الأمة هندوسية. اللغة ينبغي أن تكون لغة "الهندي" بلا التباس، كون لغة سهل الغانج هذه أقرب إلى السنسكريتية من سواها. هذا على الرغم من كون سافاركار ابن لغة أخرى، اللغة الماراثية، ويكتب فيها. أما الوطن، الهندوستان، فهو وطن مقدّس، بحدود طبيعية، وغير قابل للقسمة. وهنا الفرق بين عقيدة "هندوتفا" والفكرة التي أسست "باكستان”. باكستان عنت قبول تقسيم الأرض بين أمتين لديانتين مختلفتين. "هندوتفا" حاكت باكستان من حيث القومية الدينية، وناقضتها من حيث الرفض الجذري لفكرة الانفصال. رغم كونه ناحت مفهوم "الهندوتفا"، لا يمكن اعتبار سافاركار الأب الوحيد لهذا التيار. عمل سافاركار على بناء حزب سياسي يناضل من أجل بعث الأمة الهندوسية العظيمة "الهندو راشترا". لكن من سيؤثر أكثر على أرض الواقع هو "عبقري التنظيم"، غوفالكار، الذي ورث منظمة المتطوعين "ار.اس.اس" وطورها، في مزاوجة بين الإعداد الروحي، وبين التدريب على الفنون القتالية. من هذه المنظمة سيخرج قاتل غاندي: ناتورام غودس. يحظى اليوم سافاركار وغوفالكار، لكن أيضاً ناتورام غودس، بهالة من القدسية في أوساط اليمين القومي الديني في الهند، الذي ينبثق عنه الحزب الحاكم، "بهاراتيا جاناتا"، كما "المجلس الهندوسي العالمي”. اختلف سافاركار وغوفالكار فيما مضى حول معنى الانخراط في السياسة، إذ آثر الثاني بناء منظّمة تعبوية روحية قتالية "غير سياسية"، وأقل تصادماً مع الهندوسية الأرثوذكسية (الساناتانية) وخصوصاً مع تعددية الآلهة وعبادة التماثيل وقدسية البقرة (سافاركار كان يعتبر البقرة حيواناً جديراً بالحماية وليس بالقدسية، أي تقريباً الفكرة الواردة في المادة 48 من دستور الهند).

"تاج محل" بوصفه معبداً هندوسياً

لم يعد لهذا الاختلاف قيمة عملية كبيرة اليوم. ما زالت منظمة المتطوعين هي الأساسية على الأرض، كدعامة لليمين القومي الديني، وفي أماكن عديدة تفرض مناخ “ عادة اعتناق" قسرية للهندوسية على بعض المسلمين، أو تضيق على المسيحيين احتفالاتهم بأعيادهم. كما أن الحزب القومي الديني الحاكم، الذي حافظ على مسافة معينة من هذه المنظمة في وقت سابق، يبدو أكثر توافقاً معها اليوم، ما دام رئيس الوزراء الهندي نارندره مودي، هو ابن منظمة المتطوعين هذه. تمكنت هذه المنظمة مطلع التسعينيات من تجييش الأحقاد لتدمير مسجد بابري في أيوديا، بدعوى أنه يقوم على أنقاض معبد للإله راما في أرض مهده، وعاصمة ملكه. الهاجس الدائم عند المتطوعين فيها أن الحكّام المسلمين دمروا ستين ألف معبد في الهند، ولا بد من الثأر. وبالفعل فقد دمّر محمد الغزنوي، أو الامبراطور المغولي اورانغزاب، عدداً كبيراً من المعابد. لكن “نهفة" أتباع الهندوتفا أنهم يدعون ان "تاج محل" الذي بناه الامبراطور المغولي شاه جيهان، والد اورنغزاب، هو في الأصل معبد للإله شيفا، ويطالبون باسترداده.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image